حاوره: سعد النشوان
نرحب بكم وحياكم الله في “المجتمع”، ونسأل الله أن يقي لبنان الشقيق الفتنة، ما تعليقكم في البداية حول ما يحدث في لبنان؟ وما حقيقته؟
– بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الهادي الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، حياكم الله أحبتنا وإخوتنا في كويت الخير، وأحييكم جميعاً بتحية الإسلام، وتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حقيقة ما جرى في لبنان، من تفجير ضخم، هزَّ لبنان والعالم، في مينائه البحري ليس حدثاً عادياً، بل جريمة إرهابية عالمية، كادت أن تعصف بالعاصمة بيروت، لولا لطف الله ورحمته بعباده، وحقيقة ما جرى هو تراكمات من الإهمال والتسيب، عند دولة فاشلة بكل رموزها، وغارقة بالفساد الشامل، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والأمني والقضائي، إضافة إلى تحكم عصابة ولصوص مارسوا كل أنواع الابتزاز والاختلاس والنهب، حتى اعتدوا على لقمة عيش المواطن؛ فهل يعقل في لبنان، البلد الجميل الرائع الذي هو مهوى أفئدة السياح في العالم العربي والإسلامي والعالم أجمع ألا يوجد فيه خدمات؟! فلا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء ولا غذاء، وآخرها انهيار للعملة اللبنانية، حتى أصبح الحد الأدنى للأجور يعادل 50 دولاراً، بعد أن كان 500 دولار.
كيف شاهدتم فاجعة مرفأ بيروت؟
– أما فاجعة بيروت، فقد وصفها كثير من المحللين، والخبراء والاختصاصيين، بأنها فاجعة كبرى، هذا هو الوصف الدقيق لما حدث، وهو نتيجة أفعال من يتآمر على هذا البلد، ومن يحيك خيوط العبث والتآمر على بلدنا لبنان، هذا البلد الذي يجمع في طياته كثيراً من الطوائف التي يفترض أن تعيش في أمن وأمان، وتحت سقف ما يسمى بالعيش المشترك، ولكن عندما تكون لغة الاستقواء والاستكبار، ولغة ما يعرف بالدويلة داخل الدولة، فلا احترام لدولة القانون، ولا احترام لدولة المؤسسات، بل هناك اختراق وتغول لكل مؤسسات الدولة من قِبل حزب يزعم أنه يريد لهذا البلد الخير، تحت عنوان برّاق هو “المقاومة”، وهذا كذب وافتراء، وهو أبعد ما يكون عن ذلك، وإلا كيف يحمل عنوان المقاومة ثم يسلّط ويوجّه سلاحه إلى الداخل اللبناني، وإلى الداخل السوري وإلى الداخل العراقي، وإلى الداخل اليمني، حتى إنه اعتدى على كثير من دولنا الحبيبة في خليجنا الطيب المبارك؟! وكيف يمكن لهذا الفريق أن يُشعر اللبنانيين بالأمن والأمان؟
لذلك، فالدولة اللبنانية بكل رموزها، وهذا الحزب الذي ذكرناه جزء من هذه المنظومة، خاصة في تلك السنة التي شكّل فيها حكومة، حيث كانت تعتبر دمية، وبمثابة حجر الشطرنج، التي لا يمكن أن تخيط خيطاً، أو تكتب حرفاً إلا بإذنه وعلمه.
ما حدث في ميناء بيروت جريمة كبرى، الدولة كلها مسؤولة عنها؛ ولذلك هناك أصوات عاقلة، طالبت أن يكون هناك تحقيق دولي؛ لأن اللبنانيين لم يعودوا يثقون حتى في عملية التحقيق الداخلي؛ لأن من يهيمن على القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية ويتغوّل عليها هو هذا الحزب، فكيف يثق اللبنانيون بأن يكون هناك تحقيق شفاف داخلي، فنحن لدينا خبرة وتجربة، فالذين حُكم عليهم في لبنان من قبل هم المستضعفون، فهي أشبه بسياسة بني إسرائيل؛ حيث كان إذا سرق فيهم الضعيف قطعوا يده، وإذا سرق فيهم القوي والغني تركوه، فهم يمثّلون هذه الصورة تماماً، لأنهم يعتدون على الصغير والفقير، ويتهمون المواطن اللبناني المسكين والفقير، أو من طائفة معينة، وأما اللص والمجرم الحقيقي فإنه يسرح ويمرح على الساحة اللبنانية.
ما دور هيئة علماء المسلمين بلبنان مما يجري على الساحة؟
– نشأت هيئة علماء المسلمين بلبنان بفضل من الله تبارك وتعالى منذ 8 سنوات، وجمعت في صفوفها أكثر من 500 عالم وخطيب، من كافة أطياف الطيف الإسلامي، وهي مساندة ومؤازرة للمؤسسة الدينية في دار الفتوى ولله الحمد، ودور الهيئة كان بارزاً في معالجة القضايا الإسلامية، الداخلية والخارجية.
وقد ساندت الشعب السوري في مظلوميته، وساندت القضية الفلسطينية على أنها قضية عقيدة وأمانة ومسؤولية، وهي أيضاً تهتم بالشأن الداخلي اللبناني، وتؤدي دور الموجّه والمبلّغ، والمبيّن للحق، وتدافع عن كل مظلوم، حتى ولو كان هذا المظلوم من الطوائف الأخرى، بدليل أنها كان لها الفضل في إطلاق سراح معتقلي “إعزاز”، وكلنا يعلم أنهم كانوا من الطائفة الشيعية، وكذلك ساهمت في إطلاق سراح راهبات “معلولة” وهن من مسيحيات لبنان، وكذلك في إطلاق سراح عدد كبير من أفراد الجيش اللبناني الذين كانوا معتقلين لدى إحدى الفرق الإرهابية.
فالهيئة تتصدى لكل هذه الأعمال وغيرها، مثل الدفاع عن الموقوفين الإسلاميين الذين اعتقلوا لسنوات، لا لشيء إلا لأنهم ناصروا الشعب السوري، وكان اعتقالهم بمثابة ظلم وعدوان، وهذا كله بسبب تغوّل فريق في هذا البلد، لإحداث كيديات وتصفية حسابات تاريخية على أحبتنا من المظلومين الموقفين الإسلاميين.
كيف تقيّم هيئة علماء المسلمين الحراك الذي انطلق في 17 أكتوبر الماضي وعاد بعد انفجار بيروت؟ وهل تعتبره حراكاً أم ثورة؟
– هذا الحراك يمثّل كل الطوائف اللبنانية، ويمثّل نبض الشارع اللبناني المتألم والمتأوِّه والموجوع، الذي أدرك وأيقن بفشل السلطة وفسادها، وعجزها عن تأمين الاحتياجات المطلبية من غذاء ودواء وتعليم وصحة، واقتصاد، والهيئة دعمت هذا الحراك، وكانت لها مشاركات وبيانات، وخطب منبرية، وزيارات لمسؤولين، والهيئة هي مع العناوين الكبرى لهذا الحراك، وأعتقد أنه بعد ما حدث من فاجعة كبيرة في ميناء بيروت فمن الواجب على كل الشعب اللبناني بكل أطيافه وطوائفه، أن يقوم قيام رجل واحد وأن يحوّل هذا الحراك إلى ثورة، وأعتقد أن هذا الحراك لن يتراجع أو يتوقف عند مجرد الاعتصامات أو المظاهرات، بل لا بد من أن يتحول إلى ثورة عارمة مهما كلف الأمر؛ لأن عملية التغيير أصبحت ضرورة أمام هؤلاء اللصوص الذين لعبوا بمقدرات المواطنين، واستهانوا بدمائهم، وما حدث في ميناء بيروت خير مثال على ذلك، فقد تسبب في إزهاق أرواح العشرات، وإصابة الآلاف من الأبرياء اللبنانيين بكل طوائفهم، ولولا لطف الله عز وجل لكانت الفاجعة أكبر، ولربما أدى ذلك إلى مسح العاصمة بيروت من الخريطة، نتيجة هذا التسيّب، وهذا التآمر.
ولا يمكن للفريق الذي تغوَّل في لبنان أن يضحك على اللبنانيين بكبيره الذي علّم الناس السحر، والكذب والدجل الذي يمارسه على الناس، وهناك من يدفع بهذا البلد إلى حافة الانهيار الكامل، الذي يتحمل المسؤولية هي الدولة اللبنانية التي تحمي هذا الكيان الذي هو جزء من منظومة إقليمية تعبث بساحاتنا العربية والإسلامية.
هل الأزمة في لبنان مجرد أزمة سياسية، أم أزمة بنيوية نتيجة التركيبة المعقدة للمجتمع اللبناني؟
لا شك أن الأزمة في لبنان ليست مجرد أزمة سياسية، بل هي أزمة بنيوية، نتيجة التركيبة المعقدة، وقد مر على لبنان حروب متعددة (1958، و1975، و1976م)، وما يُعرف بحرب المخيمات، والاجتياح “الإسرائيلي”، ثم حرب عام 2000م، وعام 2006م، كل هذه المحطات تدلل على أن أزمة لبنان هي في التعقيدات الطائفية، وعندما تطرح حلول إلغاء الطائفية السياسية، فأعتقد أن هناك بعض الطوائف ربما تكون صادقة في هذا الحل أو هذا الطرح، ولكن هناك طوائف أخرى كاذبة، بل هي معدن الكذب في هذه الطروحات، وأعتقد أن مقتل رفيق الحريري كان بسبب أنه أراد أن ينقذ لبنان من هذه التعقيدات، وأراد أن يقدم صورة جديدة لبنان تحت عنوان “العيش المشترك”، ومع ذلك فإنه يوجد في لبنان من يحمل فكراً طائفياً بغيضاً لم يتحمل مثل هذه الشخصية، لذلك تآمروا عليه، وكانت لهم شراكة في عملية اغتياله وقتله، وبذلك تم قتل المشروع الإصلاحي في لبنان الذي يرضي كل اللبنانيين، وهناك بعض الفرقاء لا يقبلون إلا أن تكون الطائفة هي الدرجة الأولى عندهم، أي مصلحة الطائفة عندهم أولاً، ثم مصلحة لبنان، على عكس ما كان يطرحه رفيق الحريري، أو بعض الساسة الذين كانوا يرون أن الحل في لبنان هو أن نقدم المصلحة العليا للمواطنين، بعملية إنقاذ شاملة، إنقاذ سياسي، وإنقاذ اجتماعي، وإنقاذ اقتصادي، وإنقاذ ثقافي، وهذا هو الذي سوف يعيد لبنان دوره الصحيح.
فما معنى أن يكون هناك فريق يقدم مصلحة الطائفة أولاً ويحارب لأجل ذلك؟ وما معنى أن تكون كثير من الطوائف لا تحمل سلاحاً، لأنها توقن أن حمل السلاح لا يكون إلا بيد الدولة، إلا هذا الفريق، وعلى رأسه هذا الحزب، ومنظومته وطائفته الوحيدة التي تحمل السلاح في لبنان، تحت عنوان كاذب هو “سلاح المقاومة”؟
ومن قال: إن المقاومة هي حصراً لهذه الطائفة؟ أليست المقاومة هي لكل الشعب اللبناني؟
فمن حق الشعب اللبناني كله أن يواجه العدو الصهيوني، ولماذا حصراً يكون السلاح بيد هذا الحزب وهذه الطائفة فقط، الذين كذبوا على الناس بأنه هو وحده الذي يحق له مواجهة العدو الصهيوني؟ وأين مواجهته له منذ 15 عاماً بعد عام 2006م؟ لم نرَ أن هذا الحزب أطلق رصاصة واحدة على العدو الصهيوني، بالرغم من أن هذا العدو استهدف كثيراً من الساحة اللبنانية، والساحات العربية؛ فأين الرد من هذا الحزب الذي يزعم المقاومة، وفي الحقيقة الأحداث كشفت الأقنعة عن هذه المنظومة.
هل سيكون لانفجار بيروت نتائج سياسية وتنفيذ مطالب المحتجين من استقالات الرئاسات الثلاث وانتخابات مبكرة؟
– تداعيات انفجار بيروت، ومطالب المحتجين سيكون لها آثار على السلطة اللبنانية؛ فهناك مطالبة باستقالات رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، هذه مطالب باتت لجميع اللبنانيين، لأنهم فقدوا الثقة في هذه المنظومة.
ما رؤيتكم في هيئة علماء المسلمين في لبنان للخروج من الأزمة؟
– رؤيتنا كهيئة علماء المسلمين أنه لا بد من عملية إصلاح شاملة للوضع في لبنان، هذا الوضع الإصلاحي الشامل ينطلق من وضع قانون جديد للانتخابات، يفترض أن يكون منصفاً وعادلاً لجميع الطوائف، ولا بد أن يشرف على الانتخابات النيابية لجنة محايدة مستقلة، لا يكون لها أي تبعية لهذه الأحزاب المتغوّلة على السلطة اللبنانية، كما أنني أعتقد أن الدعم الإقليمي والعربي لمثل هذه الحلول سيكون حاضراً إذا صدق اللبنانيون في رفع الصوت أمام هذه المنظومة الفاسدة.
كيف ترون “الفزعة” والهبة العربية تجاه لبنان؟
– رأينا تضامناً واسعاً وكبيراً من قِبل الدول العربية والإسلامية، وتحديداً من دول الخليج وعلى وجه الخصوص دولة الكويت الشقيقة، هذه الدولة التي تستحق أن تعطى وسام الشرف الكبير عالمياً وإنسانياً وأخلاقياً، لأنها سباقة دائماً في لملمة جراحات الناس، وتكفكف دموع اليتامى والثكالى، وتقدم الدعم للمظلومين في كل القضايا العربية والإسلامية، كويت الخير كان لها أياد بيضاء على لبنان منذ عشرات السنين، كما هو الأمر في دول الخليج، نعهد ذلك ونقوله بكل اطمئنان وثقة.
ما ردكم على من يشككون في وصول المساعدات للبنانين؟
– أعتقد أن البلاد العربية والإسلامية وتحديداً دول الخليج لا يمكن أن تقدم أياً من المساعدات لأي جمعية من الجمعيات إلا أن يكون لها شروط، لا بد من تحقيقها، مثل عملية تزكية لدى سفارات دول الخليج؛ فمثلا دولة الكويت الشقيق، لا يمكن أن تمنح أي جمعية من الجمعيات إلا أن تحصل على تزكية من السفارة الكويتية في لبنان، وتزكيات وزارة الخارجية، إضافة إلى تزكيات أهل العلم وأهل الخبرة والاختصاص.
فأعتقد أن عمل الجمعيات إن كان من مصدرها الأساسي، في دولة الكويت، فالكل يشهد بالخير والبركة على مدى سنوات طوال لهذه الجمعيات العريقة مثل الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، ومؤسسة الرحمة العالمية، وجمعية الإصلاح، وبيت الزكاة، وبيت التمويل، وغيرها من الجمعيات العريقة، كل هذه الجمعيات التي فيها من الاحترافية وفيها من متابعات وصول المساعدات إلى أصحابها، إضافة إلى أن الجمعيات المندوبة والممثلة لها في الساحة اللبنانية، كلها ولله الحمد محط أنظار الجميع، وكما قلنا فمعايير الثقة في هذا الجمعيات معايير منضبطة، ونشهد بأن هذه الجمعيات ولله الحمد، استطاعت أن تنجز ما لم تنجزه الدولة اللبنانية في كثير من الملفات، سواء الملفات الداخلية، أو الملفات الخارجية.
أما مثل هذا الصوت الناشز، الذي خرج ليقول بأنكم لا تقدمون أموالكم إلا عبر الجهة الفلانية، فالكل يعلم أن هذا الصوت هو صوت ناشز، ولا محل له من الإعراب، وطبعاً لا يمكن لمؤسسة دار الفتوى اللبنانية أن تقبل مثل هذه الأصوات، فمؤسسة دار الفتوى في لبنان هي التي تبارك عمل الجمعيات، وهي التي تبارك عمل المؤسسات في أنها تقدم خدمات جليلة المجتمع اللبناني، من الناحية التعليمية، ومن الناحية الصحية، ومن الناحية الفكرية، ومن الناحية الثقافية، بل كان لها الدور الرائد في إنقاذ كثير من الناس في لبنان.
فجزى الله كويت الخير، على دعمها السخي قيادة وحكومة وشعباً ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منكم جهدكم وعملكم، وسخاءكم وعطاءكم، على الساحة للبنانية، بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.