يقول الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
نعم.. يأمرنا الله تعالى على أن ننظم أنفسنا في هذا الميدان، نعم ننظم أنفسنا كل حسب قدراته وتخصصه في هذا الميدان الأهم؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وننظم أنفسنا حسب طبيعة مجتمعاتنا، فالمجتمع الحر ليس كالمجتمع المغلوب على أمره المكمم الأفواه.
ننظم أنفسنا وذلك لأهمية الأمر، فهناك مواقع لا يستطيع أن يعمل فيها أي إنسان إلا من تخصص بهذا التخصص الذي يخدم على هذه المسألة أو تلك؛ فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”.
هذه المواقع الثلاثة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كل مرحلة منها تحتاج تخصصاً، إذا جاز التعبير، فالنهي باليد لا يقوم به كل إنسان، وكذلك القول باللسان يجب أن يكون لمن يعلم هذا الموضوع أو ذاك حتى يجيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأضعف الإيمان يحتمل أموراً؛ منها قوة المنكر وفاعلوه، ومن ثم عدم الاستطاعة (بالمعروف والنهي)، فلذلك الإنكار بالقلب بينك وبين ربك أيها العبد حيث تنكر هذا العمل والفعل حتى يفتح الله عليك فيما هو أفضل، فالمراحل باليد واللسان والقلب كل له متخصصوه، وهناك من هو أقل من ذلك؛ وذلك ظاهر بقوله صلى الله عليه وسلم: “بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً”؛ أي هو لعامة الناس والنصح بينهم حتى في أبسط الأمور، أو إزالة الأذى من الطريق، أو التبسم في مقابلة الناس وطلاقة الوجه لهم.
أيضاً، هناك فهم دعوي دقيق يحمل المراحل والتدرج والتوازن، وذلك ظاهر في القول المأثور: “لا تنهَ عن منكر وتأتي بمنكر أكبر منه”، وهو ينسجم أحيانًا ومرحليًا مع الإنكار بالقلب، حتى تتمكن باللسان أو اليد بعد ذلك من خلال الطرق المشروعة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مهم ومحوري في الدين الإسلامي، وله منزلة عظيمة؛ بل أعده بعض العلماء أنه الركن السادس من أركان الإسلام.
لأنه يخص المسلم وغير المسلم الذي يقيم في دولة الإسلام، فلا بد لغير المسلم من احترام الدين وقوانين الدولة، فلذلك قدمه الله تعالى على الإيمان؛ وهذا ما جعل بعض العلماء يجعله ركناً سادساً للإسلام؛ قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110)، لا شك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور المحورية في دين الله تعالى من أجل إقامة دينه ونشره وبيانه، وكما جاء في الرواية: “الدين النصيحة”، ولا شك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النصيحة جزء كبير منه ومحوري تعريضاً وضمناً.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال أهل العلم هو فرض كفاية، ولكن بشروط منها التمكن من إزالة المنكر، وهو أيضًا فرض في حدود الرعاية؛ الأب، الأم، المعلم في الفصل، المسؤول.. إلخ، “كلكم راع”.
أيضاً، “لا ينهى عن منكر ويأتي بأكبر منه”، وكما هو معلوم بديهة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدقائقه ومحاوره له أركان؛ وهما العلم، والوعظ والنصح بين الترغيب والترهيب، ولا شك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آداب ثلاثة متعارف عليها؛ الرفق، والتدرج، والصبر، والتدرج هو جداً مهم كما نرى ونشاهد ونعايش؛ وهو مع الأسف ناقص عند البعض.
نعم البعض يدع أنه باكتمال الدين لا يمكن التدرج بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يعني أن يصلح الدنيا بين عشية وضحاها أو بالعصا السحرية كما يرى ويصر البعض! ومن ثم الوقوع بإتيان منكر أكبر من المنكر الذي يسعى لإنكاره! ولنا مستقبل بإذن الله تعالى ما سنقدمه ونكتبه في التدرج والمرحلية في الدعوة إلى الله تعالى.
التدرج له مواقف وتعامل، ومن يجهلها لا ينبغي له أن يعمل في الميدان تفصيلًا، ولكن ممكن أن يعمل في حدود “بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً”.
نعم التدرج له مراحل ومراتب للتعامل مع المأمور والمنهي، لا بد من أن يعرف المعروف المعني للمأمور، وتعريف المنكر للمقابل المنهي عن المنكر، ولا بد بعد ذلك الوعظ والنصح أن يكون ما بين الترغيب والترهيب، ثم بعد ذلك يحق للداعية الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يدخل مدخل التشديد بالقول والوعظ والتهديد والتخويف، وأيضًا بالمقاطعة بعد ظهور الإصرار من المقابل بعدم قبول المعروف، والبقاء على المنكر فبعدها المقاطعة والهجر.
_______________________
(*) إعلامي كويتي.