في الأيام الأخيرة للجهاز الدبلوماسي لحكومة حسن روحاني، تستمر المحادثات الإيرانية السعودية على طاولة المفاوضات؛ حيث يبدو أنها تتخذ خطواتها الأولى على عكس محادثات فيينا بين إيران والغرب، التي تكتسب زخما دوليا.
وبعد 6 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين منذ يناير 2016، عقدت طهران والرياض أول حوار مباشر بينهما في أبريل الماضي في العاصمة العراقية بغداد.
وفي وقت سابق أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي أن الجانبين ناقشا القضايا الخلافية بطريقة ودية، وأن بلاده تقيّم هذه المحادثات بشكل إيجابي وتعمل على استمرارها لتقليل الخلافات.
وشدد على أن المحادث بين طهران والرياض تحرز تقدماً جيدا، مشيرا إلى أن بعض الخلافات معقدة وقد تحتاج وقتًا لحلها.
التقدم والخلافات
ويرى المحلل السياسي ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية أمير موسوي أن القضايا المتعلقة بالعلاقات بين البلدين، مثل إعادة العلاقات الدبلوماسية، كادت أن تحسم، لكن لا تزال هناك خلافات حول القضايا الإقليمية.
وقال موسوي، في حديث لـ”الجزيرة.نت”: إن من أهم القضايا التي ما زالت قيد المناقشة هي قضية اليمن، مضيفا أن إيران تسعى لتقريب آراء كلا الطرفين -السعوديين واليمنيين- مشيراً إلى أن اللقاءات مستمرة في العاصمة العمانية مسقط “ونأمل أن يتم حلها”.
وأضاف موسوي أنه بالإضافة إلى اليمن فإن تشكيل الحكومة اللبنانية أيضا إحدى القضايا المطروحة للنقاش بين إيران والسعودية.
وقال: “أعتقد أنه لا توجد مشكلة جدية في هذا الصدد، وإذا اتفق الطرفان على موضوع اليمن فستحل هذه القضية أيضاً”.
وهناك نقطة خلاف أخرى ذكرها موسوي، وهي “الضمانات” حيث تسعى السعودية إلى دخول أطراف دولية لضمان تنفيذ الاتفاقات مع إيران.
وفي المقابل، ترغب إيران بدخول دول من المنطقة لضمان تنفيذ الاتفاقات، مثل سلطنة عمان أو قطر أو العراق.
واستبعد موسوي قبول إيران بدخول أطراف دولية ما عدا روسيا والصين.
وقال: إنه من المرجح أن يتمكن الطرفان من التوصل إلى نتيجة خلال جولة أو جولتين من المحادثات في وقت لاحق.
المقاومة والأيديولوجيا
أما الخبير في قضايا غرب آسيا بير محمد ملازهي، فيشير إلى أنه بعد الثورة الإسلامية في إيران، اكتسب التنافس بين السعودية وإيران طابعاً أيديولوجياً بعد أن كان سياسياً.
وأشار إلى أنه من أهم القضايا التي تستغرق وقتا طويلا لحلها بين الطرفين مسألة جبهة المقاومة؛ لأن إيران ترى أن دعمها ضروري لمواجهة “إسرائيل”، في حين تعتقد السعودية أنها تتضرر من “المقاومة” في بعض المناطق كاليمن وسوريا، على حد قول محمد ملازهي.
وأردف في حديث للجزيرة نت “يبدو أن الاتفاق على إنهاء الحرب في اليمن هو نقطة الانطلاق لحل بقية المشاكل بين البلدين”.
وفي الوقت ذاته، رأى أنه من الصعب التوصل لاتفاق شامل على المدى القصير نظرا لما سماه العقلية الجيوسياسية السائدة في المملكة العربية السعودية عن الشيعة من جهة، وعدم تخلي إيران عن مكاسبها وعن القوات التابعة لها في المنطقة مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، من جهة أخرى.
ولكنه لم يستعبد أن تؤدي المحادثات إلى خلق ترتيبات جديدة للسلام والاستقرار في المنطقة وإزالة مخاوف إيران تجاه “إسرائيل” في الوقت نفسه.
الأسباب والدوافع
ويرى ملازهي أن السبب الرئيس للتفاوض الإيراني السعودي هو الخوف من تداعيات نهج أمريكا الجديد، القائم على التركيز على شرق آسيا لمواجهة النفوذ الصيني والانسحاب من الشرق الأوسط.
ويرى أن هذه المخاوف دفعت إيران والسعودية للعمل معًا لسد فجوة السلطة بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وخوفاً من أن تسد “إسرائيل” هذا الفراغ على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الخبراء أن هناك عوامل دفعت الجانبين لاستئناف الحوار، من بينها فشل سياسة الضغط القصوى تجاه إيران وتغيير نهج واشنطن تجاه الرياض.
وهناك سبب آخر، وهو إدراك إيران أن صراعها مع الجيران أحد أسباب تطبيعهم مع “إسرائيل”، وبالتالي باتت طهران تحرص على ترميم علاقاتها مع العرب لوقف مسار التطبيع هذا.
ويتخذ هذا الطرح وجاهته من كون “إسرائيل” وصلت إلى الحدود الأمنية لإيران.
وبطبيعة الحال، لن تؤدي التوترات بين طهران والرياض إلى خلق تحديات للبلدين فحسب، بل ستؤثر أيضاً على دول أخرى في المنطقة.
وبالنظر إلى الاختلافات العميقة بين إيران والسعودية، لا يتوقع بعض المحللين تقدماً سريعاً في المحادثات خلال وقت قصير.
لكن ما شعر به قادة البلدين هو ضرورة الاتفاق على الخطوات الأولى لحل الأزمات بين البلدين، وتسوية الخلافات الإقليمية في الخطوات المقبلة، بهدف التوصل إلى صفقة لا تتضمن هزيمة لأحد الطرفين.