تتميز الحركة الإسلامية بعلاقاتها الودودة مع الخارجين عنها، والذين اختاروا الانصراف عن طريقها ومنهجها، خلافاً لكثير من الحركات التي تشتعل الحروب بينها وبين أي فرد يخرج عن إطارها الحركي.. ويعود الفضل في ذلك للجانب الأخوي والإيماني الذي تنفرد به الحركة الإسلامية.
إلا أن هذه الميزة لا تقابَل دائماً بحسن الوفاء والعهد من بعض الخارجين من الحركة الإسلامية، الذين دأبوا على ترديد عدد من التهم للحركة ينافيها الواقع وتدحضها الحجة, مع التسليم بأن الحركة الإسلامية غير معصومة ويعتريها النقص والقصور، إلا أن ما نحن بصدده هو الاتهامات الزائفة من أناس كانوا يوماً شركاء في القرار والتأثير.
ومن أشهر تلك التهم أن الحركة تجعل أفرادها مقيدين ومقولبين في صندوق بحيث لا يملك الفرد أي نوع من التفكير خارج هذا الصندوق، وأن من يخرج من الحركة فإنه يتخلص من القيود المعيقة وينطلق في الفضاء الواسع!
ولا شك أن هذه التهمة لا يقبلها عقل ولا يقيمها واقع، لعدة أمور:
أولاً: كل عمل منظم في أي مجال من المجالات تربط بين أفراده مجموعة من الأطر والنظم واللوائح العامة التي تحكم طبيعة علاقاتهم بعضهم بعضاً، وكذلك بالمؤسسة/الفريق/الجماعة التي ينتمون إليها.. وهذا لا يعد قولبة ولا تنميطاً، بل هو تنظيم للوصول للأهداف المرجوة من خلال استثمار كل الجهود بأفضل صورة ممكنة، والحركة الإسلامية ليست بدعاً في هذا الأمر، وهذا ما يسود بين أفرادها.
ثانياً: تتميز الحركة الإسلامية عن غيرها من الكثير من المؤسسات الأخرى بوجود مجالس شورية تنظم هذه العلاقات وتراقبها؛ فالشورى عند الحركة الإسلامية أساس، وعلى الجميع الالتزام بها وبما تقرره، لكن يلاحَظ أن بعض الأفراد لم يرسَّخ فقه الشورى لديهم؛ فتجدهم يخالفون رأي الأغلبية إذا لم يوافق هواهم، ويتفلّتون من العمل الجماعي، ويتهمون الأغلبية باتهامات باطلة تبريراً لأفعالهم، ومنها الاتهام بالقولبة وسياسة القطيع.. إلخ.
ثالثاً: ما تُلزم به الحركة الإسلامية أتباعها لا يتعدى ما يستقيم به أي عمل جماعي بالصورة التي أشرنا إليها سابقاً، أما باقي الأمور فلهم حرية الاختيار فيها؛ فلا تُلزمهم مثلاً بمذهب فقهي بعينه؛ بل تؤسس فقه الاختلاف، فلا ينكر أحد على آخر شيئاً مما يدخل في نطاق الخلاف الفقهي المعتبر.
رابعاً: إن ما تزخر به الحركة الإسلامية من أعلام ملؤوا الدنيا علماً وحركة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية والدعوية هو أوضح رد على هذه التهمة، ونظرة على كتاب «من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة» للمستشار عبدالله العقيل تهدي لهذا الثراء الكبير في أبناء الحركة الذين تنوعت مجالاتهم وتخصصاتهم، وأفنوا حياتهم بين أركان الدعوة لم يشكوا من قولبة ولا تنميط وإلا لما وصلوا لما وصلوا إليه.
خامساً: كنا نود ممن يكيلون هذه الاتهامات للحركة التي صنعت منهم رموزاً وترعرعوا في رحابها أن نجد أثراً لانطلاقهم بعد كسرهم الصناديق «المتوهمة»؛ بل ما حدث هو العكس، وهو أن كثيراً منهم كانوا ملء السمع والبصر وهم في رحاب الحركة، وبعد أن تركوها انطفأت جذوتهم ولم يسمع بهم أحد؛ مع أن المنتظر كان هو العكس بعد التخلص من القيود التي كانت تقيدهم كما يدَّعون!
سادساً: لو أن الأمر كان كما يدَّعي هؤلاء لانزوت الحركة الإسلامية وتفتت تفتتاً ذاتياً، ولما لجأ أعداء الإسلام لمحاربتها بكل أسلحتهم في كل مكان.
سابعاً: إن إنجازات الحركة الإسلامية في مختلف المجالات لهو أبلغ رد على بطلان هذه الاتهامات، ولعل هذا الملف الخاص الذي تقدمه مجلة «المجتمع» في هذا العدد الذي يرصد الخسائر التي مُنيت بها المجتمعات بتغييب الإسلاميين من الشواهد على هذا.
ولعل ما سبق يكون فيه الدروع الواقية للحركة الإسلامية في مواجهة النيران الصديقة التي تنهال عليها ممن كانوا في يوم من الأيام أبناء بررة لها، وكانت تنتظر منهم الدفاع عنها في مواجهة الحملات الشرسة التي تأتيها من كل حدب وصوب من الخارج.