فرق واضح بين الإسلام والشريعة الإسلامية والحركة الإسلامية.
فالإسلام عقيدةً هو دين الله الذي أرسله إلى كل أنبيائه منذ أن خلق الإنسان الأول وأنزله إلى هذه الأرض.
والإسلام شريعة هو أحكام الله التي فرضها على الفرد وعلى الأمة، وأرسل بها خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلها شريعة للناس كافة إلى يوم القيامة. وبالتالي فشريعة الإسلام هي جزء من الإسلام وليست كل الإسلام.
والحركة الإسلامية هي مجموعة من المسلمين اجتمعت على رباط جماعي تنظيمي فيما بينهم من أجل العمل على إنجاح المشروع الإسلامي، وهو مشروع يتمثل في إقامة الدولة الإسلامية التي تتخذ من شريعة الإسلام شريعة حاكمة لها في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بإدارة شؤون الحياة في كافة المناحي.
فأما عن الإسلام فقد تكفل الله بحفظه إذ يقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]
والذكر هو القرآن الكريم، وحفظه كما قال العلماء يقتضي حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم المبيّنة والمفصّلة والشارحة والمضيفة.
وأما عن شريعة الإسلام فهي كذلك محفوظة بحفظ الإسلام؛ لأنها جزء منه، لكن بقاءها حاكمة فاعلة فهو ما يتوقف على درجة إيمان المؤمنين بها وقدر جهدهم من أجل إعلائها، وهو ما يزيد وينقص، فتعلو شريعة الإسلام في زمن ما، وتتنحى عن المشهد الحياتي في زمن آخر، غير أنها تبقى محفوظة في كتاب الله وسنة نبيه تنتظر اليوم الذي يعود فيه أبناؤها إليها مؤمنين مجاهدين ظافرين.
والحركة الإسلامية حركة بشرية يسري عليها ما يسري على حياة البشر، ففيها الولادة والبداية ثم الشباب والقوة ثم الهرم والموت ثم التغيير والاستبدال، إلا أن يقضي الله لها بعقول وجهد أبنائها، فتدب الحياة فيها من جديد، وتجري الدماء في عروقها، وتكون دورة أخرى لها من العمل والإنتاج والإنجاز، ويفتح الله لها ما كان قد عزّ عنها من قبل.
لما جاء الربيع العربي، وجاء بنسيمه الإسلامي الظاهر، بدا أن المستقبل القريب هو للمشروع الإسلامي ولحركته التي ظهرت في أوج قوتها وحضورها وهيمنتها.
لكن بعد تآمر الداخل والخارج على هذا الربيع، ولما انقلبت الصورة، دخل المشروع الإسلامي وحركته في قلب محنتهم التاريخية، فتعرضت الحركة الإسلامية إلى تآمر إقليمي ودولي لم يحدث من قبل، وتطاولت عليها يد الأنظمة فدبرت لها المجازر واعتقلت عشرات الآلاف، وقامت بتصفية أفرادها في منازلهم وحقولهم.
وأدركت بقية فروع الحركة في البلاد المختلفة للّحظة الراهنة ومعطياتها وحجم التآمر فيها، فتراجعت خطوات إلى الوراء، ورضيت من الغنيمة بالإياب؛ حفاظا على بقائها ووجودها.
وقد أكدت نتائج الربيع العربي بعد فشله الكبير على صعوبة التغيير السلمي في الوطن العربي والكلفة الباهظة للتغيير المسلح، حتى أصبح البعض يظن باستحالة التغيير مطلقاً.
لكن، لا يستحيل على الله شيء، ولا يستحيل على طالبي الحرية أن ينالوها يوماً وإن طال الزمان.
وإن هذا الربيع الثائر وما حدث فيه ليؤكد تأكيداً بالغا على هشاشة هذه الأنظمة التي تحكم بلادها بالحديد والنار، وتساقطها في لحظات الفوران الثوري في أقل ما يُتخيل من الزمن.
ولقد نجحت ثورات الربيع في إسقاط الأنظمة، لكنها فشلت بعد ذلك في التعامل مع حجم التآمر والتخطيط على النتائج والمآلات، ولعله يكون التنبّه والتدبير في الجولة القادمة، وهي ليست جولة مستحيلة ولا بعيدة، بل إن المؤشرات تقول إنها قادمة لا محالة، وإن تأخرت فلن تتأخر كثيراً.
لذا فالمستقبل للإسلام ديناً لا يقلق عليه أحد ولا يجادل فيه أحد، فهو مستقبل قد أخبرنا به الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول فيه كما رواه أحمد “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله في هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام وذلاً يذل به الكفر”.
والمستقبل لدولة الإسلام القائمة القوية ولشريعة الله الحاكمة فيها مستقبل لا يقلق عليه أحد ولا يجادل فيه أحد، فهو مستقبل قد أخبرنا الله به أيضاً على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول فيه كما رواه أحمد “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت”.
أما مستقبل الحركة الإسلامية، وهي تلك الحركة البشرية التي اجتهد المجتهدون فيها بناءً وتشييداً وجهداً وجهاداً، فهو مستقبل يدعو للقلق والجدال حوله، فهي حركة بشرية ومستقبلها ليس فيه أي موعود إلهي، وبالتالي فمن الوارد جدا أن يسري عليها قانون الاستبدال، وهو قانون إلهي يطال تلك الحركات والجماعات والمؤسسات والدول التي تُحرّف وتُبدّل، وتضرب فيها معاول الخلاف والهرم والضعف والذبول، فيستبدلها الله بغيرها وتدور دورة أخرى.
وقد ظهرت على الحركة الإسلامية في بعض الدول بعد هذا الربيع العربي أمارات الهرم والشيخوخة، وضربتها في بعض المناطق الخلافات والانشقاقات كما لم تضربها من قبل، وبات السؤال ملحاً حول مستقبلها وبقائها.
مستقبل الدين الإسلامي مستقبل مشرق بموعود إلهي، ومستقبل المشروع الإسلامي مستقبل مشرق بموعود إلهي، ومستقبل الحركة الإسلامي مستقبل ليس فيه أي موعود إلهي، ولن يكون مشرقاً إلا بجهد أبنائها في لملمة الخلافات ورأب الصدع وتجديد الأفكار والوسائل والأُطر، حتى تكون انطلاقة جديدة وبعث جديد، لعل الله يكتب فيه لهذه الحركة وعلى يديها المستقبل المشرق للإسلام دينا ودولة وشريعة.
المصدر: موقع “بصائر”.
(*) كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية.