أعلنت الحكومة السودانية، الثلاثاء، التزامها وموافقتها على تسليم أشخاص صدرت بحقهم أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكابهم “جرائم حرب” في إقليم دارفور غربي البلاد، دون أن توضح صراحة فيما إذا كان الرئيس المعزول عمر البشير، المطلوب للمحكمة، من بينهم.
جاء ذلك في تصريحات إعلامية أدلى بها محمد الحسن التعايشي، المتحدث باسم وفد التفاوض للحكومة السودانية في مفاوضات للسلام، تجري في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان.
كما تأتي التصريحات عقب جلسة تفاوض بين الحكومة السودانية وحركات مسلحة في دارفور، في إطار “مسار دارفور” التفاوضي في جوبا.
وقال التعايشي، إن “قناعة الحكومة التي جعلتها توافق على مثول الذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية، ناتجة عن مبدأ أساسي مرتبط بالعدالة وعدم الإفلات من العقاب، ولا نستطيع مداواة الحرب وآثارها المدمرة إلا إذا حققنا العدالة”.
وأصدرت المحكمة الجنائية أمرين باعتقال البشير، عامي 2009 و2010، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور، فيما ينفي الرئيس المعزول صحة الاتهامات، ويتهم المحكمة بأنها مُسيسة.
وتتهم المحكمة الجنائية أيضا، ووزير الدفاع السوداني الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، ووالي جنوب كردفان الأسبق، أحمد هارون، والزعيم القبلي، قائد إحدى المليشيات في دارفور، علي كوشيب، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وأضاف: “ركزنا في جلسة اليوم (الثلاثاء) على ورقتي العدالة والمصالحة، والأرض، وفي ما يتعلق بالورقة الأولى، سأتحدث بكل وضوح: نحن اتفقنا على المؤسسات المنوط بها تحقيق العدالة في الفترة الانتقالية، وهذا يأتي من قناعة تامة بأننا لا نستطيع أن نتصور بأي حال من الأحوال أن نصل إلى اتفاق سلام شامل دون أن نتفق على مؤسسات تنجز مهمة العدالة الانتقالية، ونتفق على مبادئ عدم الإفلات من العقاب”.
وتابع التعايشي، “التزمنا واتفقنا اليوم على مثول اللذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية، ثم اتفقنا على المحكمة الخاصة لجرائم دارفور، وهي محكمة خاصة منوط بها التحقيق وإجراء المحاكمات في القضايا بما في ذلك القضايا الجنائية الدولية”، دون تفاصيل أكثر حول فحوى الاتفاق.
وأردف: “اتفقنا على قضايا رئيسية لتحقيق العدالة في دارفور، منها مثول الذين صدرت بحقهم أوامر قبض لدى المحكمة الجنائية الدولية، ولا نستطيع أن نحقق العدالة إلا إذا أشفينا الجراح بالعدالة نفسها، ولا نستطيع أن نهرب مطلقا من مواجهة أن هناك جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، ارتكبت بحق أبرياء في دارفور ومناطق أخرى، دون مثول هؤلاء الذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا نستطيع أن نحقق العدالة ونشفي الجراح”.
ومضى قائلا: “نريد تحقيق السلام الشامل في السودان ونريد معالجة جذور الحرب فيه، ولكن لا بد أن ننتبه أن إفرازات الحرب الطويلة في دارفور، وفي مناطق أخرى من السودان، خلفَّت ضحايا تحت طائلة كل التجاوزات الإنسانية، ومهما اجتهدنا لمعالجة جذور الأزمة في السودان لعدم تكرار نفسها، لا نستطيع أن ننتقل إلى الأمام دون تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا”.
جدير بالذكر أن عدة حركات سياسية ومسلحة بالإضافة إلى “هيئة محامي دارفور”، طالبت بعد سقوط نظام البشير، بتسليم الأخير إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن المجلس العسكري والحكومة تحفضتا حينها على هذا الأمر.
ويشهد إقليم دارفور، منذ 2003، نزاعًا مسلحًا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وتركز مفاوضات جوبا على خمسة مسارات، هي: مسار إقليم دارفور (غرب) ومسار ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، ومسار شرقي السودان، ومسار شمالي السودان، ومسار وسط السودان.
وإحلال السلام في السودان، أحد أبرز الملفات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، خلال مرحلة انتقالية، بدأت في 21 أغسطس/ آب الماضي، وتستمر 39 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، قائد الحراك الشعبي في البلاد.