ذكرنا من خلال العنصر أو النقطة الأولى “الحرب خدعة” ذكرنا موضوع خدعة سيدنا محمد بن مسلمة رضي الله عنه لكعب بن الأشرف، واتفاقه مع مجموعته في رسم سيناريو الخدعة وتمثيلها للقضاء عليه من غير خسائر، وبأسرع وقت ممكن إنهاء المهمة.
نعم أيها القارئ الكريم، ومن خلال هذه الحادثة لو كنت مسؤولاً، فهي (الحادثة) تخولك إن كنت مسؤولاً، أن تنشئ فرقاً ومؤسسات إعلامية دائمة تجاري العدو بحربه الناعمة، وأيضاً إنشاء فرقة استخبارات ومتابعة للعدو ورصده، وإرسال التشويشات المعلوماتية له لتشويش معلوماته لتسهيل عملية خداعة، وهذا التشويش يحتاج إلى فنون عدة نفسية، وتقنية، وفنية عالية، ومعرفة لعلم النفس الإعلامي والبرمجة؛ يعني إنشاء مؤسسة إعلامية تشمل الخبر والتحليل، وصناعة الوهم في المقابل، ونفي وهْم المقابل فينا من خلال الفنون الدرامية بالتأثير اللاشعوري العفوي كما تقول علوم الإعلام والدراما، وتكون أرضيتك الشرعية كمسؤول هذه الحادثة المذكورة آنفاً.
والحروب اليوم لا تنحصر في القوة الصلبة فقط، كما نشاهد ونتابع ونعايش؛ بل الحروب الناعمة أكثر منها من الحروب الصلبة اليوم.
لا أريد أن أطيل في هذا العنصر رقم (2)، وأعتقد أننا وفيناه حقه، فلندخل في النقطة رقم (3) التي تقول: “سيناريو وقصص سورة الكهف وفي أشد المواقف كوسيلة لبيان أقدار الله تعالى أنها هي الأفضل وإلى الأحسن تسير وإن كان ظاهرها فيه الخشونة والقسوة أحياناً وحسب رؤيتنا القاصرة كعبيد مخلوقة”.
لا شك القصص في القرآن معروض بشكل مطرد، إلا أنه في سورة الكهف فيه تركيز أكثر، وصياغته وسياقه الدرامي ظاهر بشكل أوضح.
ولا شك أن القصص عامل محوري في المنهج الدعوي القرآني عموماً، قال الله تعالى في كتابه العظيم: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود: 120).
نعم.. أنزل الله تعالى القرآن العظيم، وذكر فيه قصص السابقين لتثبيت نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ومن ثم تثبيت الآخرين من خلال حمل هذا المنهج القرآني الدعوي المؤثر، والقرآن محتواه وأسلوبه منهج لا شك ولا ريب.
نعم.. القصص في القرآن العظيم منهج دعوي، وعلمي، وتاريخي، وتشريعي، وفقهي أيضاً، منهج يبين تفاصيل الدعوة من خلال عرض أحداث السابقين من الأمم والأنبياء والرسل للعبرة والتذكير للتثبيت على الحق ونشر الحقيقة؛ إلا أن هذا القصص في سورة الكهف ظهر من خلالها ما هو أصل علمي وفني من أصول الكتابة الدرامية والسيناريو اليوم، مثل التشويق والتحفيز واستفزاز المشاهد والمستمع بالتساؤلات لمعرفة المجهول وما هو مستغرب!
نعم.. القرآن الكريم غالبية هيكله قصص، والرواية التي فيها العبر والتذكير، والتشريع والمقاصد الإلهية المطلوبة تطبيقاً من الأمة، وها هي سورة الكهف تعرض سيناريو رائعاً؛ لتصل من خلاله إلى الهدف، لبيان أن أقدار الله تعالى هي الأفضل مهما كانت، مع البيان من خلال سيناريو ظاهره فيه الشدة والقسوة غير المرغوب فيها من الوهلة الأولى؛ مثل قتل الطفل، وتشويه سفينة من أكرم الرجل الصالح، وإقامة الحائط في قرية لا كرم فيها ولا عطاء.
نعم.. والقرآن بالنسبة لنا دستور وكتاب مقدس، ومنهج وقصصه نبراس حياة دعوي بالنسبة لنا، ولكن حروفه وآياته تحتاج قراءة وفهماً لتلك القصص.
نعم.. عقول تقرأ بصورة حديثة، ومنفتحة ومتطورة تجاري ما يحدث تطوراً، حتى تعلم بذاتها ولغيرها مقاصد الإله عز وجل، وأن كتابه منهج لكل زمان ومكان، ويحتوي ما لا نتوقع من علوم، كما أنه كتاب أحكام وتشريع لكل زمان ومكان أيضاً، ولا شك فيه الثابت والمتحرك.
ذكرنا آنفاً أن سورة الكهف تحوي من عناصر العلوم الدرامية الحديثة الكثير مثل التشويق والتحفيز واستفزاز التساؤل.
نعم.. فسورة الكهف بذاتها تحمل التحفيز الأول إذا صح لنا التعبير وجاز، وهو التحفيز المطلق عموماً لكل العباد من الإنس والجن، وذلك ظاهر بما جاء فيها في صحيح مسلم: “من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال”، وجاء في روايات أخرى: “من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال”.
ومن المحفزات والمشوقات أيضاً تأخر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم لحكمة من الله تعالى بعد أن سأله المشركون الأسئلة التي ساقها لهم يهود، فكانت سبب نزول سورة الكهف.
نكمل في المقال القادم حديثنا حول القصص، ونتناول القصاصين بإذنه تعالى.
(حاول أن تجمعها ليتكامل الموضوع عندك)
_____________________
(*) إعلامي كويتي.