رأى باحثان أميركيان من جامعة ستانفورد أن العقيدة النووية الأميركية الحالية التي صيغت في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تتيح لرئيس الدولة خيار توجيه ضربة نووية لأي بلد -مثل روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية- إن تأكد تصميمه على شنّ هجمات سيبرانية كبيرة على الولايات المتحدة، وفق تحليل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” (The Washington Post).
وذكر الباحثان في القانون الدولي والعلوم السياسية، ألين وينر (Allen Weiner) وسكوت ساغان (Scott Sagan)، أن هذا الخيار العسكري أصبح ممكنا بعد أن وسعت إدارة ترامب عام 2018 دور الأسلحة النووية من خلال إعلانها أول مرة أن الولايات المتحدة ستنظر في إمكانية الردع النووي في حال تعرضها “لهجمات إستراتيجية مهمة غير نووية”.
ويندرج ضمن هذا الإطار تعرض “السكان أو البنى التحتية للولايات المتحدة أو شركائها وحلفائها” لهجمات مماثلة، كما يمكن استخدام المبدأ نفسه لتسويغ رد نووي على ضربة مدمرة بالأسلحة البيولوجية.
إجراء غير قانوني
ولكن الباحثين يعتقدان أن لجوء الولايات المتحدة إلى الأسلحة النووية من أجل الرد على هجمات بيولوجية أو سيبرانية سيكون إجراء “غير قانوني” بموجب القانون الدولي في جميع الحالات تقريبا.
فالتهديد برد نووي غير قانوني -يضيف الباحثان- يضعف قوة الردع لأنه تهديد يفتقر إلى المصداقية، كما أن هذه السياسة قد تدفع رئيس الدولة بالعكس تماما في نهاية المطاف إلى إطلاق هجوم نووي في حال إخفاق مقاربة التلويح بالردع.
وقد يكون الجمهور الأميركي راغبا بالفعل في الانتقام بعد ضربة مدمرة من قبل العدو، ولكن قانون النزاعات المسلحة يتطلب استبعاد بعض الخيارات العسكرية من فوق الطاولة، ومنها خيار الانتقام النووي بسبب “هجمات إستراتيجية مهمة غير نووية”.
وتجري إدارة بايدن حاليا مراجعتها الخاصة للوضع النووي للولايات المتحدة، إذ تعدّ تعديلات ترامب لعام 2018 نقطة إعادة تقييم مستعجلة تم تجاهلها بوجه عام حتى يومنا هذا.
ويؤكد وينر وساغان أنه في حين يعكف المسؤولون على مراجعة هذا المسار، أمامهم الآن فرصة ليأخذوا بالاعتبار وبشكل كامل ما يمكن تسميته بـ”ثورة القانون النووي”، وهو اعتراف متزايد عالميا بأن قيود القانون الدولي على الحرب، بخاصة تلك التي تحمي المدنيين، تنطبق حتى على الحروب النووية.
ويدرك معظم الأميركيين “الثورة الإستراتيجية” التي دشنتها الأسلحة النووية إذ جعل الدمار الهائل الذي تخلفه مسألة الردع أولوية قصوى للأمن القومي الأميركي.
وبعد مدة وجيزة من قصف هيروشيما عام 1945 على سبيل المثال، كتب برنارد برودي (Bernard Brodie)، وهو أحد الخبراء الإستراتيجيين البارزين في بداية الحرب الباردة، قائلا “حتى الآن كان الهدف الرئيس لمؤسستنا العسكرية هو كسب الحروب.. من الآن فصاعدا، يجب أن يكون هدفها الرئيس هو تفاديها”.
وكانت الفكرة المتأصلة في منهجية الردع الأميركي على مرّ عقود هي أن الولايات المتحدة ستلحق “دمارا مؤكدا” بمدن أي دولة تهاجمها أو تهاجم حلفاءها بالأسلحة النووية.
وثائق سرية
وفي ذروة الحرب الباردة على سبيل المثال، وُضعت خطط الحرب النووية الأميركية بغرض تدمير “ما لا يقل عن 70% من المراكز الصناعية الحضرية للاتحاد السوفياتي والصين الشيوعية”، و”قتل 30% من سكانها”، وفق وثائق استخباراتية تعود إلى ما بين 1969 و1971 خلال إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، رُفعت عنها السرية حديثا.
ولكن الواضح -يختم الكاتبان- أن خططا كهذه لا يمكن التوفيق بينها وبين المبادئ الأساسية للقانون الدولي في النزاعات المسلحة، وهو ما يفسر تأكيد الحكومة الأميركية في السبعينيات أن “البروتوكول الأول” الإضافي لعام 1977 من اتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 لا ينطبق على الأسلحة النووية.
وقد نص هذا البروتوكول اللاحق على إلزامية أن تتبع جميع الدول خلال الحروب “مبادئ التمييز” (رسم خط بين الأهداف العسكرية والمدنية)، و”التناسب” (التثبت من أن الضرر المدني غير المقصود أو الجانبي الناتج عن هجوم مشروع لا يتجاوز الإطار العسكري للهجوم)، و”الاحتياط” (القيام بكل ما يمكن لتجنب قتل المدنيين أو على الأقل تقليل أعداد الضحايا)، وهي قواعد لم تلتزم الولايات المتحدة بأي منها خلال تلك المدة.