كان غريباً في بلد الأزهر الشريف أن يجاهر إعلامي ونائب برلماني باعتراضه على فكرة تحفيظ القرآن الكريم لتلاميذ المرحلة الابتدائية من أجل حماية اللغة العربية، بعد فترة من امتعاض إعلامي آخر من قراءة صيدلي للقرآن في صيدليته، ورغم أن الاثنين لاقياً هجوماً واستنكاراً واسعين يجسدان لسان حال صورة إيجابية نرصدها لمدى التمدد البارز والانتشار لمنابع حفظ القرآن في أرجاء مصر.
وانتقد الإعلامي النائب يوسف الحسيني تحت قبة البرلمان قبل أيام فكرة تحفيظ القرآن الكريم لتلاميذ المرحلة الابتدائية بعد فترة من انتقاد الإعلامي إبراهيم عيسى لقراءة صيدلي القرآن في مقر عمله.
ووفق مختصين بالملف الإعلامي والديني تحدثوا إلى “المجتمع”، فإن هذه الأصوات نشاز تعبر عن دوائر دفع مالي ضيقة لا تلقى صدى مجتمعياً في ظل إقبال الشعب المصري على المدارس القرآنية ومكاتب التحفيظ ودعم القراء.
1095 مدرسة قرآنية و2290 مكتب تحفيظ في أنحاء الجمهورية
عدوان ولا مهنية
ويرى الكاتب الصحفي الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة بمصر قطب العربي، في حديث لـ”المجتمع”، أن هذا التجرؤ على حفظ القرآن يأتي من أصحاب خلفيات فكرية علمانية متطرفة، وجدت فرصتها في أجواء ما يسمى بتجديد الخطاب الديني، وهي تحاول تقديم وتسويق رؤيتها العلمانية المتطرفة والرافضة لمظاهر الالتزام الإسلامي باعتبارها تجديداً للخطاب الديني، بينما لا تستطيع أن تنطق بكلمة على أي دين غير الإسلام.
ويضيف أن هؤلاء يدركون أن هجومهم على المظاهر الإسلامية سيعلي قيمتهم لدى بعض الأطراف خاصة في دوائر الدفع المالي حتى وإن جاء ذلك مخالفاً للرأي العام الذي لا يعيرونه اهتماماً؛ لأنه ليس مصدراً للتمويل ولا مصدراً للنجومية.
ويشدد العربي على أن هذا الموقف يتنافى مع المهنية، بل هو عدوان على مقدسات يوجب الدستور والقوانين ومواثيق الشرف الإعلامية احترامها.
العربي: عدوان على المقدسات والمهنية الإعلامية
أصوات نشاز
ويشير الباحث في الفكر الإسلامي محمد فتحي النادي، في حديث لـ”المجتمع”، إلى أن هذه الأصوات التي لا تفتأ تهاجم القرآن تحفيظًا وتدريسًا للصغار تنطلق من منطلقات علمانية كلية شاملة، تعمل على إقصاء الدين من الحياة، وليس الدين بعمومه، ولكنه الدين الإسلامي بالخصوص.
ويضيف أن هذه الأصوات النشاز صوتها عال إعلاميًّا، في مصر؛ لما تملكه من منابر لها انتشار بين الناس، وهي لا شك تعلم على أقل تقدير أنها لن يمسها سوء، موضحاً أن مهاجمة القرآن، ومحاولة التقليل من تأثيره موجود من فترات بعيدة، إذ كان هناك تضييق على عمل مكاتب تحفيظ القرآن، تحت دعوى الخوف من أن تكون بابًا للجماعات الدينية المتشددة لاستغلال هذه المهنة في تربية النشء بالشكل الذي يحقق لهم أهدافًا خاصة بهم.
ويشير النادي إلى أن هذه الأصوات مهما تعالت فهي كالوعل الذي ينطح الجبل، فالأمة مهما بلغت من الضعف إلا أن القرآن يمثل عندها الزاد الروحي والبركة ومصدر التشريع، حتى إنك لتجد الرجل الذي لا يصلي يدفع أولاده لحفظ القرآن، والمرأة المتبرجة تذهب بأولادها للمساجد لتحفيظهم القرآن، فالصلة لن تنقطع.
أرقام مهمة
وتكشف أرقام رسمية، رصدها مراسل “المجتمع”، مدى الانتشار الأفقي والرأسي لخارطة حفظ القرآن الكريم في مصر، في صورة تؤكد أن الأصوات الإعلامية التي تخوض في القرآن الكريم في واد آخر.
ووفق إحصائيات رسمية حديثة لوزارة الأوقاف المصرية، يبلغ إجمالي عدد المدارس القرآنية بالمساجد الكبرى 1095 مدرسة قرآنية، فيما يبلغ إجمالي عدد مكاتب تحفيظ القرآن الكريم 2290 مكتب تحفيظ.
النادي: أصوات هباء كالوعل الذي ينطح الجبل
والمدارس القرآنية تكون في المسجد الجامع وتضم 3 محفظين، أما مكاتب التحفيظ فيمكن التقدم بها من خلال وزارة الأوقاف أو مشيخة الأزهر، ويقوم عليها محفظ واحد فقط.
وتتصدى الإدارة العامة لشؤون القرآن الكريم، التابعة لقطاع المعاهد الأزهرية، لمسألة تنظيم فتح مكاتب أهلية لتحفيظ القرآن الكريم تحت إشراف الأزهر الشريف، وتجري اختبارات دورية لفتح مكاتب جديدة، وآخرها في يونيو الماضي.
وتشرف وزارة الأوقاف على مراكز لإعداد محفظي القرآن الكريم وعددها 70 مركزاً على مستوى الجمهورية، وجرى في نوفمبر الماضي إعادة افتتاحها بعد توقف دام عاماً ونصف عام بسبب إجراءات مواجهة فيروس “كورونا”.
من جانبه، ينظم قطاع المعاهد الأزهرية مسابقة سنوية تحت عنوان “مسابقة شيخ الأزهر للقرآن الكريم”، وأعلن مؤخراً عن المسابقة السنوية للعام الدراسي 2021/ 2022، برعاية شيخ الأزهر د. أحمد الطيب.
وتنظم وزارة الأوقاف المصرية تحت رعاية رئاسة الجمهورية مسابقة سنوية عالمية تحت مسمى “المسابقة العالمية للقرآن الكريم”، وشارك فيها هذا العام 74 متسابقاً من 42 دولة، وذلك في احتفال كبير، في 11 ديسمبر الجاري، فضلاً عن مسابقات القرآن الكريم في شهر رمضان.
وتعتبر مصر دولة مشاهير القراء على مستوى العالم العربي والإسلامي منذ عقود، وفي مقدمتهم الراحلون المشايخ محمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، وعبدالباسط عبدالصمد، والحاليون كالشيخ محمد جبريل.
وبرزت في الفترة الأخيرة أسماء لأطفال نوابغ في حفظ القرآن الكريم، حظوا باهتمام رسمي، باستضافتهم في المؤتمرات الرسمية كالنابغة الزهراء لايق حلمي، والطفل المعجزة أحمد تامر، اللذين جرى تكريمهما رئاسياً.