بعد 48 ساعة من كشف صحف عبرية جريمة قتل وإحراق 80 جنديا مصريا في حرب 67، ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ بأنه تم تكليف السفارة المصرية في تل أبيب بالتواصل مع “السلطات الإسرائيلية لتقصي حقيقة ما يتم تداوله إعلامياً”.
وطالب سفارة مصر في “إسرائيل” بالتحرك لفتح تحقيق لاستيضاح مدى مصداقية هذه المعلومات التي نشرتها صحف “إسرائيل”، وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل.
وأوضحت الخارجية عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مساء الأحد، أن الأمر يأتي رداً على سؤال بشأن ما تردد في الصحافة العبرية اتصالاً بوقائع تاريخية حدثت في حرب عام ،1967 مؤكدة أن “السفارة المصرية في إسرائيل تواصل متابعة هذا الموضوع”.
أيضا أكد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة أن “الرئيس عبد الفتاح السيسي تلقى مساء الأحد اتصالًا هاتفيًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد للتهنئة بالعيد وفي آخر بيانه صرح المتحدث الرسمي أنه “تم التوافق على قيام السلطات الإسرائيلية بتحقيق كامل وشفاف بشأن ما تردد من أخبار في الصحافة الإسرائيلية اتصالًا بوقائع تاريخية حدثت في حرب عام 1967 حول الجنود المصريين المدفونين في القدس”.
وقال: “أكد لابيد أن الجانب الإسرائيلي سيتعامل مع هذا الأمر بكل إيجابية وشفافية، وسيتم التواصل والتنسيق مع السلطات المصرية بشأن مستجدات الأمر بغية الوصول إلى الحقيقة”.
ماذا جرى في محرقة “اللطرون”؟
في الوقت الذي تشهد فيه علاقات مصر مع الاحتلال الإسرائيلي حميمية تطبيع غير عادية، واندفاع في إبرام اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية، كشفت صحف “إسرائيل” عن جريمة جديدة بحق الأسرى المصريين في حرب 1967 تتعلق بقتل وإحراق 70 جنديا، ودفنهم سرا أسفل موقف سيارات.
فقد كشف تقرير لملحق صحيفة يديعوت أحرونوت، 8 يوليو 2022 أن جنود الاحتلال الصهيوني دفنوا أكثر من 80 جثماناً من جثامين قوات كوماندوز مصريين شاركوا في حرب يونيو 1967، كقوة مساندة للقوات الأردنية، تحت ما أصبح اليوم موقفاً للسيارات، في متنزه بلدة ميني إزرائيل في منطقة اللطرون التي احتلتها “إسرائيل” خلال الحرب وقامت بتهجير سكان قراها الثلاث.
ونقل التقرير عن زئيف بلوخ، وهو قائد “إسرائيلي” سابق في الجيش، قوله للصحيفة في هذا السياق، إن جثامين نحو 70 جندياً من الكوماندوز المصري، وربما عشرات الجثامين لجنود مصريين آخرين، دفنوا في هذا الموقع، ولا أحد يعلم عن ذلك، وقد كان بلوخ خلال الحرب مسؤولاً عن هذه المنطقة، وأبقى هذا الأمر في سرّه لخمسين عاماً.
ووفقاً للتقرير، قام جيش الاحتلال بإخفاء البئر (القبر الجماعي) بشكل جيد للغاية، وعلى مدار 55 عاماً أخفت “إسرائيل” هذا السر، وحقيقة دفنها عشرات جثامين الجنود المصريين في قبر جماعي داخل أراضيها، بعد مقتلهم في معارك وادي اللطرون، وتركت جثامين الجنود المصريين تتعفن، ولم يتم إخراجها حتى اليوم، ولم تعد رفاتهم لمصر.
أيضا كشف مراسل موقع “يديعوت أحرونوت”، يوسي ميلمان، 8 يوليو 2022 عن هذا السر الذي ظل 55 عاما قيد الكتمان، مؤكدا مقتل 20 جنديا مصريا من هؤلاء حرقا خلال حرب عام 1967 ودفنوا في مقبرة جماعية لا تحمل أي علامات.
وكتب على تويتر أنه “بعد 55 عاما من الرقابة الشديدة، يمكنني أن أكشف أن ما لا يقل عن 20 جنديًا مصريًا قد أحرقوا أحياء ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية” خلال حرب 1967 والتي تعرف بحرب الأيام الستة.
ونقل ميلمان عن بلوخ قوله بعد رفع الرقابة العسكرية إن “الصمت يناسب الجميع. وأشار إلى أن الوثائق العسكرية الرسمية غير السرية تحذف مأساة اللطرون”.
وقالت صحيفة هآرتس في تقرير لها، إن هناك مقبرة جماعية تضم 80 جندياً مصرياً حُرق منهم 20 جندياً ولم يُعلن عن مقتلهم خلال حرب الأيام الستة عام 1967.
وذكر التقرير الذي أعدته الصحيفة أن عددًا من الجثث المدفونة يعود إلى جنود من الوحدة ماتوا حرقا: “بعد إشعال النار في الحقول، حيث كانوا محاصرين”، حيث جرى التقرير بناء على شهادات جمعتها الصحيفة عبر مقابلات امتدت لأسابيع.
وأضافت الصحيفة العبرية أن الجرافات دفنت الجثث في مكان قريب من مستوطنة نحشون (وهو الاسم الذي يطلق على المستوطنات الزراعية التعاونية التي أقامها المهاجرون اليهود قبل وبعد إقامة دولة الاحتلال)، ليتم بعدها زراعة بعض الأشجار في المنطقة لكي تغطي على رائحة الجثث.
جرائم بلا عقاب
ومنذ توقيع اتفاقية السلام مع “إسرائيل” جرى الكشف عن عدة مجازر ومذابح “إسرائيلية” ضد الجنود المصريين، خاصة الأسرى منهم، وقتلهم في مقابر جماعية دون تحرك رسمي مصري جاد ومحاولات للتغطية على الجريمة.
كما تم كشف عشرات المقابر الجماعية لأسرى مصريين، ورفع عدد من المحامين وأقارب ضحايا الحرب المصريين دعاوى ضد رؤساء الوزراء الصهاينة، دون جدوى، ولم تتعاون معهم السلطات المصرية ثم تم حفظ أغلب القضايا أو رفضها.
وأقام عدد من الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967، عام 2001 الدعوى القضائية رقم 7691 لسنة 62 قضائية، طالبوا فيها الحكومة بمقاضاة “إسرائيل” دولياً، ومطالبتها بالحصول على حقوقهم المهدرة مما لحق بهم من تعذيب داخل السجون “الإسرائيلية” إبان تلك الحروب.
وقد كشف إرييه يتسحاقي الأستاذ في جامعة بار إيلان في تل أبيب عام 1995 أن “القوات الإسرائيلية أجهزت على ما يقرب من 900 جندي مصري بعد استسلامهم خلال حرب 67″، وأكد في حديث للإذاعة أن أكبر مذبحة جرت في منطقة العريش بشبه جزيرة سيناء حيث أجهزت وحدة خاصة على حوالي 300 جندي مصري.
وكشف الفيلم الوثائقي “روح شاكيد” الذي بثته القناة العبرية الأولى عام 2007، عن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 250 جندياً مصرياً من الأسرى عقب انتهاء القتال عام 1967 في شبه جزيرة سيناء وداخل السجون “الإسرائيلية”، ورفع محامون مصريون دعاوى ضد نتنياهو وأولمرت وغيرهم في المحاكم المصرية دون جدوى.
وظلت هذه القضية ينظرها القضاء المصري منذ نوفمبر 2007 ضد رئيس الوزراء “الإسرائيلي” ورئيس التلفزيون “الإسرائيلي”، وأعطت المحكمة مهلة لإبلاغ المدعين بالطريق الدبلوماسي بواسطة مكتب التعاون الدولي بمكتب النائب العام، وانتهت القضايا بالتجميد.
وروى وزير الدفاع “الإسرائيلي بن أليعازر” الذي شارك بعمليات الملاحقة والقتل للجنود المصريين كيف تمت مطاردة الجنود المصريين بمروحية كانت تنزل جنودا على الأرض فيرمونهم بالنار رغم عدم قدرتهم على القتال بعد انتهاء المعركة ونفاد ذخائرهم، ومع هذا تم استقباله بالترحاب في القاهرة.
ونشر محرر الشؤون العربية بصحيفة “يسرائيل هيوم” شاحر كليمان، مقالًا 7 يوليو 2022 عن دوافع التطبيع مع إسرائيل بالنسبة للزعماء العرب مؤكدا أن “التطبيع مع إسرائيل بالنسبة للزعماء العرب يتعلق ببقائهم في الحكم، وأن المحرك الحقيقي لعملية التطبيع هو “عدوهم من الداخل“.