تستخدم الاغتيالات منذ فجر التاريخ في الصراعات السياسية، ولكن اليهود معروفون باللجوء إلى الاغتيال كأسلوب قذر في حربهم ضد خصومهم، بل هم من اغتالوا الأنبياء والرسل كما يخبرنا القرآن الكريم، لأن اليهود يعتبرون في تعاليم التلمود وتفسيراتهم للتوراة أن من حقهم اللجوء إلى أي أسلوب يساعدهم في بسط نفوذهم على الآخرين وتحقيق مصالحهم، منطلقين من تصنيفهم العنصري للبشر، حيث اليهودي هو الأفضل والأرقى (شعب الله المختار)، والآخرون هم «الغوييم»؛ أي الأغيار الذين لا يمتلكون صفة البشرية الكاملة، وليس لهم -بالتالي- حرمة في أرواحهم وأموالهم، ومن حق اليهودي قتل غير اليهودي وسلبه ماله وخداعه، لمجرد كونه غير يهودي.
اغتيال يحيى وزكريا عليهما السلام
لقد قتل اليهود نبي الله زكريا عليه السلام بأبشع صورة، فشقوه نصفين بالمنشار، وقتلوا نبي الله يحيى بن زكريا وهو قائم يصلي في المحراب، فذبحوه وقدموا رأسه على طبق للحاكم الروماني.
محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم
وحاولوا قتل نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان قد توجه إليهم في بني النضير بصدد دية قتيلين، فقال اليهود بمكر: يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، وعندما وجدوا فراغاً أمنياً، إذ كان الرسول وحده، ولم يكن أحد من أصحابه معه، خلوا إلى بعضهم بعضاً، ووجدوا الفرصة مواتية، وقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم متكئ على جدار من بيوتهم، وتآمروا أن يعلو أحدهم سطح ذلك البيت فيلقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم صخرة؛ «فيريحنا منه» كما قالوا، فانتدبوا لذلك عَمْرواً بن جحاش بن كعب، فقال أنا لذلك، وصعد ليلقي عليه الصخرة فيقتله، فأتى الخبر من السماء للرسول صلى الله عليه وسلم فقام من فوره وقفل راجعاً إلى المدينة.
اغتيال شعب وتشريده من أرضه
وفي القرن العشرين، بدأت مأساة شعبنا الفلسطيني الذي تحول أكثر من أربعة ملايين منه إلى لاجئين في ديار الشتات فيما أضحى اليهود البولنديون والروس وغيرهم المالكين الفعليين والمستوطنين القسريين للأرض الفلسطينية، عندما سلط الغرب الاستعماري الصهاينة على الأمة العربية والإسلامية، ليحولوا بدسائسهم ومكرهم وإجرامهم دون التقاط العرب والمسلمين لفرصة التخلص من شرور الاستعمار، وبدأ الصهاينة في التآمر على أمتنا لاغتيال وجودها، ولم تكن حوادث الاغتيال التي نفذوها ضد شعبنا مجرد حوادث اغتيال فردية في سياق الصراع السياسي، ولكنها كانت حلقة من مسلسل اغتيال شعب كامل هو الشعب الفلسطيني، واغتيال هوية أمة هي الهوية الإسلامية العربية.
اغتيال العلماء
وهناك الكثير من الشكوك حول ضلوع الصهاينة في اغتيال بعض العلماء العرب في دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وقد تأكد دور «الموساد» الصهيوني في اغتيال العالِم المصري الشهير يحيى المشد، وهو أحد أبرز علماء الفيزياء النووية، الذي كان يدير صفقة مع مصنع «سارسيل» في باريس لشراء كمية من اليورانيوم لاستخدامها في بناء المفاعل الذري العراقي، إذ استطاع «الموساد» الاطلاع على «تيليكسات» تذكر تفاصيل برنامج سفر المشد والمكان الذي سينزل فيه (الغرفة 9041 في فندق الميريديان بباريس)، مما سهل عليهم وضع أجهزة تنصت في غرفته قبل وصوله، حيث تسلل اثنان من عملاء «الموساد» إلى غرفته وهو نائم وذبحاه، وفي صباح 13/ 6/ 1980 عثر على جثته غارقة في الدماء، وكذلك اغتيال د. سميرة موسى، الخبيرة في أبحاث الذرة، في صباح 25/ 2/ 1952 بحادث سيارة مفتعل على طريق كاليفورنيا السريع في الولايات المتحدة الأمريكية، واتضح فيما بعد أن لـ«الموساد» يداً أكيدة في ذلك.
اغتيال الأسرى
بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، شهد قطاع غزة حرب عصابات باسلة شنها مجاهدو شعبنا ضد الاحتلال، وحينها لجأت أجهزة الأمن الصهيونية إلى حرب الاغتيالات ضد المناضلين، في محاولة للقضاء على جذوة الثورة الفلسطينية المتصاعدة، وعمد الاحتلال إلى تصفية الأسرى في مخالفة سافرة لقوانين الحرب الواردة في كل الشرائع السماوية واللوائح الدولية.
وقد أعلنت مؤسسة التضامن الدولي، في بيان لها، وزعته يوم 10/ 12/ 1994، أن عدد المعتقلين الفلسطينيين الذين استشهدوا داخل سجون الاحتلال بسبب التعذيب وقسوة أساليب التحقيق منذ اندلاع الانتفاضة بلغ 35 شهيداً، حيث سجل العام الأول للانتفاضة الأولى أعلى نسبة من الشهداء الذين سقطوا داخل السجون وبلغ عددهم 21 شهيداً.
وفي حرب عام 1967 قام الجيش الصهيوني بتصفية 10 آلاف جندي مصري في سيناء بعد استسلامهم للقوات الصهيونية، وتعد هذه أبشع مجزرة حربية في القرن العشرين، والغريب أن المصريين سكتوا بشكل لافت عن هذه المجزرة، علماً بأن تصفية هؤلاء الأسرى تمت بعلم كامل من الإدارة الأمريكية زمن إدارة الرئيس جونسون، بل إن الدولة العبرية دمرت البارجة الأمريكية «ليبرتي» لأنها اكتشفت عن طريق صور الأقمار والرادارات حقيقة المجزرة الصهيونية، فدمرتها أيضاً بعلم الإدارة الأمريكية. (راجع ذلك في «كتاب كتلة من الأسرار» للباحث الأمريكي جيمس بامفورد- المشاهد السياسي عرض وتلخيص).
اغتيال المفكرين والمثقفين والسياسيين
لم يكن إسماعيل أبو شنب، وإبراهيم المقادمة، وجمال منصور، وجمال سليم الذين اغتيلوا إبان «انتفاضة الأقصى» يحملون رشاشات أو بنادق، وكذلك أبو علي مصطفى، وناجي العلي لم يحملا رشاشاً أو بندقية، ولكنهم كانوا مجاهدين ومناضلين يحملون الحب والخير للناس وللوطن، لم يحملوا سوى الحب الغامر للإنسان ولوطنهم، فبالنسبة لناجي العلي لم يتسع الوطن العربي الكبير لجرأته ورأيه الحر الذي كتبه بريشته في رسومه الكاريكاتيرية الحزينة، فهاجر إلى لندن، وكانت رسومه تعبيراً حياً عن كل ما هو ممنوع ومقموع في قلب كل عربي، ولذلك خافت من رسوماته الأنظمة، وأفزع صوته الصهاينة، لقد كانت رسوماته ثورة، فبدأ «الموساد» يخطط لوسيلة مناسبة لتنفيذ عملية اغتياله، ونجحوا فعلاً في ذلك.
وقبلها كان «الموساد» قد أرسل رسالة مفخخة لأنيس الصايغ، مؤسس ورئيس مركز الدراسات الفلسطينية، الذي كان أهم مركز أبحاث فلسطيني، ولكنه نجا بأعجوبة، كما تم اغتيال كمال ناصر، وغسان كنفاني، وعبدالوهاب الكيالي الذي ترأس مركز الدراسات الفلسطينية بعد أنيس صايغ، وكذلك اغتيال العالم الباحث إسماعيل راجي الفاروقي، وزوجته لمياء الفاروقي، الذي يعد من أكبر الباحثين في اليهودية، وكذلك اغتيال المفكر جمال حمدان المصري الذي ألّف كتباً مهمة عن اليهود، كذلك حاولوا اغتيال د. عبدالوهاب المسيري، صاحب موسوعة «اليهودية والصهيونية»، ولكن الله نجاه منهم، كما هددوا الإمام العلَّامة د. يوسف القرضاوي لفتاويه ودوره البارز في دعم «انتفاضة الأقصى» مما جعل الإسلاميين في فلسطين يلقبوه بـ«شيخ الأقصى»، وغيرهم من العلماء والمثقفين والخطباء لا يتسع المجال لذكرهم.
ومع اشتداد حدة «انتفاضة الأقصى» وثقل وطأتها على الكيان الصهيوني بادرت حكومة الاحتلال بتصعيد عدوانها وإرهابها وتشديد ضرباتها وجرائمها بحق الفلسطينيين وخاصة رموزهم القيادية التي قادت الشعب الفلسطيني بحكمة وتبصر، وذكاء ووعي في مواجهة المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، فكان اغتيال المفكر د. إبراهيم المقادمة، أحد أبرز القادة السياسيين لحركة «حماس»، وأحد أعمدة وركائز الحركة الإسلامية في فلسطين، والمفكر المهندس إسماعيل أبو شنب الذي يشكل مدرسة سياسية وحدوية ويقود تياراً وسطياً عريضاً على الساحة الفلسطينية، كان له أبلغ الأثر في نزع فتيل الكثير من الأزمات التي كادت تعصف بالوحدة الوطنية الفلسطينية وتهدد استقرار وتماسك الشعب الفلسطيني.
ولم تفتأ المحاولات الصهيونية تصاعداً واستعاراً ليستهدف القائد د. عبدالعزيز الرنتيسي، أحد أبرز قادة حركة «حماس» السياسيين ورجل المواقف الصعبة فيها وأحد أكثر الشخصيات تمتعاً بالثقة والتأييد بين قادتها، إلا أن إرادة الله شاءت له النجاة، ليبلغ الإرهاب الصهيوني ذروته باستهداف الشيخ أحمد ياسين، مؤسس وزعيم حركة «حماس»، والشيخ إسماعيل هنية، أحد قادة الحركة في محاولة للقضاء على رأس المقاومة التي يقودها الشيخ ياسين بما له من مكانة رمزية ووطنية وتنظيمية واعتبارية على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، إلا أن مشيئة الله أرادت شيئاً آخر لينجو الشيخ ياسين ومن معه ويواصل مسيرته المشرقة المجللة بالبذل والتضحية والعطاء في سبيل خدمة قضية شعبه ووطنه ومقدساته.
وما كاد الصهاينة يتجرعون كأس فشلهم وخيبتهم في النيل من الشيخ ياسين حتى صدموا بخيبة أخرى، إذ قامت طائراتهم المقاتلة بدك منزل د. محمود الزهار فأحالته إلى كومة من الحجارة والركام، ورغم الحجم التدميري الهائل للقنبلة التي ألقيت على المبنى والبالغة طناً من المتفجرات إلا أن مشيئة الله اقتضت أن يخرج الزهار حياً من وسط الدمار لم يصب إلا بجروح طفيفة.
____________________________
المصدر: سلسلة انتفاضة الأقصى.. الاغتيالات الصهيونية ضد رموز الشعب الفلسطيني (3).
فبراير 2004م.