يعد المال الذي لم تؤد زكاته مالاً مكنوزاً، أما ما أديت زكاته فيس بكنز، سواء كان بارزاً أم مدفوناً في باطن الأرض، فعن عبدِاللهِ بنِ دينارٍ، قال: سمعتُ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وهو يُسألُ عن الكَنزِ ما هو؟ فقال: هو المالُ الذي لا تُؤدَّى منه الزَّكاةُ.
وقد حث الإسلام على أداء الزكاة على من وجبت في حقه، وحذّر من كنز الأموال، حيث توعد كانزها بالعذاب الأليم، فقد قال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {34} يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة).
الدعوة إلى عدم كنز الأموال
1- فرض الإسلام الزكاة على من تأهل لها، وجعل المقدار المحدد للزكاة منه حقاً للفقير وليس ملكاً للغني، فإذا حبسه الغني فإنه يكون مغتصباً لمال ليس له، ولهذا فإنه يتعرض بسبب ذلك لعقوبة شديدة وعذاب أليم، ويدل على ذلك ما ورد في الآية الكريمة التي سبق ذكرها.
2- منع الإسلام تعطيل نشاط الأموال، فالمال موجود للنشاط والتداول لا الحبس والتعطيل، قال الإمام الرازي: من أسباب تحريم كنز الأموال: أن المال الفاضل عن الحاجات الأصلية إذا أمسكه الإنسان في بيته بقي معطلاً عن المقصود الذي لأجله خلق المال، وذلك سعي في المنع من ظهور حكمة الله تعالى، وهو غير جائز، فأمر الله بصرف طائفة منه إلى الفقير حتى لا تصير تلك الحكمة معطلة بالكلية.
فإذا قام صاحب المال بإخراج زكاته؛ فإن هذا يسهم في تفعيل وظيفة المال، حيث تؤدي الزكاة إلى نشاط التداول النقدي، وهو ضروري لانتعاش الحياة الاقتصادية في كل مجتمع.
ولهذا لم يكتف التشريع الإسلامي بالتهديد والوعيد لمن يكنز المال، بل إنه فرض الزكاة على المال المدخر إذا بلغ النصاب، سواءٌ استثمره صاحبه أم لا؛ لأن النقود مال نامٍ، وإيجاب الزكاة فيها ولو لم يكن لها نماء بالفعل، مدعاة لعدم اكتنازها، بل إنه مدعاة لتوجيهها للاستثمار والتنمية، لكي يكون إخراج زكاتها من النماء، لا من رأس المال، فإذا خاف صاحب المال على ماله من النفاد بسبب الزكاة المفروضة عليه سنوياً؛ فإنه يبادر إلى استثماره وتداوله في الأسواق، مما يؤدي إلى توظيف المال وعدم اكتنازه، ولهذا أمر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من يلي أمر اليتيم أن يتجر في ماله، قائلًا: «اتَّجِرُوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة».
وفيه دعوة إلى استثمار المال، حتى لا تؤثر فيه الزكاة بالتآكل وهو لا يعمل، فالزكاة تحثُّ أصحاب النقود، وتسوقهم إلى إخراجها لتثميرها وتنميتها، حتى لا تأكلها الزكاة بمرور الأعوام عليها، ويعود أثر هذا الأمر على المال بالنماء، وعلى صاحبه بالثراء، وعلى المجتمع بالوفرة ودوام العطاء، فالأموال إذا اكتنزت وادخرت في الخزائن لا تنمو، وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف الأذية عنهم؛ نمت وزكت وصلحت بها العامة وترتبت بها الولاية وطاب بها الزمان واعتقد فيها العز والمنفعة.
وفي هذا دعوة إلى إخراج الأموال، واستثمارها بخير الأعمال، توظيفها في إصلاح الأحوال.
كيف عالجت الزكاة دوافع كنز الأموال؟
لقد واجه الإسلام من خلال الزكاة معظم الدوافع الإنسانية للاحتفاظ بالمال دون استثماره، ومنها:
1- دافع تكوين احتياطي لمواجهة حوادث غير متوقعة، ودافع الاحتراس ضد حوادث متوقعة، مثل الشيخوخة أو تعليم الطفال أو تزويجهم: لقد واجهت الزكاة هذين الدافعين من خلال عاملين، أولهما: أن الاحتفاظ بجزء كبير من النقود لمدة عام كامل يعرضه لفريضة الزكاة، فمن شروط الزكاة أن يحول الحول على المال، والثاني: وجود الزكاة يعتبر عنصر تأمين للفرد ضد أي حدث يلحق الضرر به مستقبلاً، وذلك من خلال سهم الغارمين، والفقراء والمساكين.
2- دافع الحب الطبيعي للمال وإرضاء البخل عند البخلاء: لقد عمل الإسلام على تقويم هذا الدافع، بحيث لا يشارك حب الله في قلب المسلم أي هوى آخر، ولذلك جعل سبحانه إخراج الزكاة برهاناً على الاعتراف بوحدانية الله والانقياد لأوامره، واعتياد المسلم على إخراج الزكاة كل سنة يكسر في نفسه هذا الدافع.
3- دافع حماية الورثة بترك ثروة لهم: إن الحرص على حماية الورثة أمر قائم في الإسلام، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن تكون هذه الثروة في صورة رأس مال عاطل، حيث إن ذلك يعرضها للتآكل بما يدفع عليها من زكاة، فجعل الإسلام الأولى من تعطيل المال أن نعمل على تثميره في وجه من أوجه الاستثمار في المجتمع في تجارة أو غيرها، وعدم توريث الأموال إلى الورثة في صورة نقد عاطل.
4- دافع تحسين الحالة في المستقبل: إن علاج هذا الدافع يظهر في أن الاحتفاظ بالمدخرات في صورة أصول استثمارية، يكفل إشباع هذا الدافع أفضل من رأس المال العاطل، فلا تتعرض للتآكل بالزكاة، وإنما تحقق هدف النمو مما يضمن تحقيق مستوى أفضل من الحياة مستقبلاً، عنه في حالة الاعتماد على الثروة المكتنزة.
وفي هذا دعوة إلى عدم اكتناز الأموال تحت أي سبب من الأسباب، بل يجب دفعها إلى سوق العمل، لتحقيق الفائدة الشخصية لصاحب المال، والمجتمعية لمستحقي الزكاة وعموم الأمة الإسلامية.