أصبحت الكلمات ثقيلة فحروفها عاجزة أن تصف المشهد فهي في حالة صدمة وذهول، فلم تعد للمجزرة جثامين للصلاة عليها؛ إنما أشلاء لشهداء اختلطت بعضها ببعض كما امتزجت دماؤها الطاهرة في المصلى وساحة المدرسة.
في فجر هذا اليوم سمعت قصفاً مخيفاً لم يكن بعيداً، لم أسأل طويلاً عن مكان القصف، فقد جاءت الإجابة سريعة أسرع من صوت البرق.
فملامح الفاجعة لأهل الحي كانت كافية بالإجابة عن حدوث مجزرة مروعة شهدها النازحون في مدرسة التابعين بمدينة غزة.
النازحون كانوا يعيشون في ظروف إنسانية صعبة مثلهم مثل كافة أبناء غزة، فقد قصفت منازلهم فلم يجدوا غير المدرسة مكانا تؤوي ضعفهم داخل جدران فصل دراسي مضطرين له.
مجزرة الفجر
كانت الساعة تقترب من الرابعة والنصف فجراً حيث اصطف النازحون وهم يحملون أوجاعهم التي يشتكون بها إلى الله تعالى، اصطفوا بعد أن تطهرت أبدانهم بالوضوء وأنارت وجوههم إقبالهم للصلاة، وما هي إلا دقائق معدودة حتى اشتعل مصلى المدرسة بنيران حقد صواريخ الاحتلال فجعلت من الإمام والمأمومين شهداء ارتقوا في مجزرة من الصعب وصف ملامحها.
3 صواريخ كانت أكبر بكثير من حجم المصلى وأقوى بكثير من أجساد المصلين، هذه الصواريخ لم تجعل للشهداء جثامين؛ إنما أشلاء عبارة عن قطع من اللحم الصغيرة.
الأشلاء في أكياس!
كان من الصعب أن تجمع الأشلاء وتعرف أصحابها، حيث كانت قطع اللحم صغيرة من المحال أن تعرف ملامحها، الأمر الذي جعل الدفاع المدني والمسعفين في حالة من الذهول! فكيف يمكن أن تجمع هذه الأشلاء؟!
كان من الصعب أن يقال لأم فقدت كافة أبنائها وأحفادها أن هذا الكيس قد يكون أشلاء عائلتك.
ورغم صعوبة الوضع فإنه لا بد من مخرج لرفع هذه الأشلاء، فتم العمل على تجميع قطع اللحم جميعها ثم بعد ذلك كل مجموعة تضع في كيس، فقد قدر أن كل 70 كيلو عبارة عن وزن إنسان يضع في كيس!
أطفال ونساء
المدرسة كان أغلبها أطفال ونساء لا حيلة لهم ولا قوة إلا بالله، لم يجدوا غير المدرسة إيواء لنزوحهم القسري، فعدد منه فقدوا عائلاتهم شهداء في مجازر سابقة، وفي هذا المجزرة فقدوا ليس فقد من تبقى لهم؛ بل فقدوا أنفسهم.
رحلوا وهم يشتكون إلى الله تعالى خوفهم وحرمانهم من الطعام والشراب، فكم طفل فيهم نام ليالي وهو يبكي جوعاً يطلب قطعة خبز ولا يجدها؟!
حتى المصاحف لم تسلم من صواريخ الاحتلال، فقد حرقت بنيران الصواريخ، وما تبقى منها مزج بدماء الشهداء.
تنديد لا أكثر
هذه المجزرة المروعة جعلت من أصوات المنددين لها ترتفع وتطالب بوقف إطلاق النار الفوري في قطاع غزة.
هي الأصوات ذاتها التي نددت سابقاً لمجازر سابقة، لكنها لم توقف صاروخاً واحداً من قبل الاحتلال في وقف المجازر.
هذه التنديدات التي استمرت لشهور الحرب الطويلة لم تقدم شيئاً، فأهالي غزة بحاجة لخطوات فعلية تكون قادرة على إيقاف هذه المجازر وحرب الإبادة.