كانت بغداد على موعد مرة أخرى مع مظاهرات عارمة قادها زعيم التيار الصدري المثير للجدل دائماً مقتدى الصدر؛ إذ أمر أنصاره ومقلديه بالنزول إلى الشوارع والمسير نحو المنطقة الخضراء التي توجد فيها أهم مؤسسات الدولة الرئيسة من رئاسة الجمهورية وحكومة وبرلمان ومقر هيئة المفوضية للانتخابات، فضلاً عن وجود السفارة الأمريكية؛ وذلك بهدف الضغط على حكومة حيدر العبادي والبرلمان بتغيير مفوضية الانتخابات وقانونها واللجنة الانتخابية قبل اقتراع مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في سبتمبر القادم.
وأوصى الصدر أنصاره في بيان صدر من مكتبه بضبط النفس ومواصلة احتجاجاتهم السلمية حتى ترضخ الحكومة لمطالبهم “إذا شئتم الاقتراب من بوابة المنطقة الخضراء لإثبات مطالبكم وإسماعها لمن هم داخل الأسوار بتغيير المفوضية وقانونها حتى غروب شمس هذا اليوم فلكم ذلك”، محذراً إياهم في الوقت نفسه بعدم تجاوز أسوار المنطقة المحصنة والاحتفاظ بسلمية المظاهرة (وخيارنا سلمية حتى تحقيق المطالب، لكن إياكم ودخول المنطقة الخضراء)، ولكن يبدو أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وتحولت التظاهرات السلمية إلى فوضى عارمة ومواجهات دموية بين المتظاهرين الغاضبين الذين رفعوا شعارات “نعم نعم للعراق.. وتغيير المفوضية مطلب عراقي”، والقوات الأمنية التي جابهتهم بقوة وعنف، ومنعتهم من عبور جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، وكسر الطوق الأمني حول المنطقة الرئاسية، ولكن المتظاهرين واصلوا سيرهم نحو المنطقة الخضراء عبر الجسر؛ ما أدى بالقوات الأمنية إلى استعمال القوة لتفريقهم ومنعهم من اجتياز الجسر؛ وعلى إثر ذلك سقط 7 قتلى من المتظاهرين وأكثر من 200 جريح، وما زاد الطين بلة وعمق الفوضى أكثر أن صواريخ مجهولة سقطت داخل المنطقة الخضراء؛ حيث أعلنت قيادة العمليات المشتركة سقوط العديد من الصواريخ على المنطقة الخضراء أطلقت من منطقتين في شمال بغداد دون معرفة الجهة التي أطلقت الصواريخ.
اتهام جهات سياسية بتعكير الأجواء
ففي الوقت الذي اتهم التيار الصدري الحكومة العراقية بتصعيد الموقف وحملها مسؤولية سقوط القتلى والجرحى واصفاً إياها بـ”الفرعونية”، كما جاء ذلك في بيان أصدره، وأضاف: يوماً بعد آخر يثبت المتشبثون بالسلطة أن سلطتهم ومكاسبهم أوهن من بيت العنكبوت، وهي لهم أهم من نداءات شعبهم ودمه المراق في طريق الإصلاح، ويثبتون أنهم لا يستحقون حكم البلاد وإدارتها لأنهم استهانوا بمعاناة الشعب الطويلة وبمطالبه الحقة من أجل حياة كريمة ينعمون فيها بخيرات بلدهم وأمنه وأمانه.
حملت الحكومة بدورها التيار الصدري استعمال العنف وإطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء، بينما نفى التيار هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، ومن جانبها، حملت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية التي يرأسها القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي جهات سياسية لم تسمها، مسؤولية القصف الذي تعرضت له المنطقة الخضراء ببغداد مساء السبت واستهداف متظاهري ساحة التحرير، فيما أشارت إلى وجود “جهات ضبابية” تحاول إسقاط حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، في إشارة واضحة إلى حزب نوري المالكي وائتلافه (دولة القانون).
وقال الزاملي: إن هناك جهات ظلامية وضبابية تحاول إسقاط الحكومة، ورأى الزاملي أن ما حدث في تظاهرة التحرير جاء لإحراج العبادي، لافتاً إلى أن هناك أحزاباً متنفذة لها تأثير تحاول إسقاط الحكومة، ونفس الاتهام وجهه زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى زعيم دولة القانون نوري المالكي، وذلك بالتحريض على ضرب المتظاهرين في ساحة التحرير بصورة غير مباشرة لإحراج حكومة العبادي، مبيناً أن بارزاني مستعد لتقديم أي مساعدة عسكرية لرئيس الوزراء حيدر العبادي لحفظ الأمن في بغداد، وإرسال البيشمركة للمساعدة والتعزيز العسكري.
استجابة لمطالب المتظاهرين
وإزاء تفاقم الأمر وتوسع دائرة الاحتجاجات الجماهيرية، فقد أعلنت رئاسة الجمهورية العراقية عن الانتهاء من إعداد مسوّدة قانون جديد للانتخابات في البلاد، عبرت عن دعمها لأي إجراءات وتشريعات تصب في صالح تعزيز الديمقراطية في العراق، كما دعا رئيس الوزراء البرلمان لممارسة دوره بشأن تشكيل مفوضية جديدة.
كما أشارت اللجنة القانونية في البرلمان إلى أن اختيار مفوضية انتخابات جديدة مطلب دستوري، مشددة على ضرورة أن يكون أعضاؤها مستقلين، وقال رئيس اللجنة محسن السعدون في تصريح صحفي: إن هناك مطلباً بتغيير مفوضية الانتخابات، وهناك مطلبين أحدهما للمتظاهرين والآخر للجنة القانونية، موضحاً أن العمل جار في البرلمان باختيار مفوضية عن طريق اللجنة المشكّلة، فهل يدعو الصدر أنصاره إلى الانسحاب والتوقف عن الاحتجاجات أمام هذه التطمينات الرسمية؟ هذا ما نراه اليوم أو غداً.