لا نريد لقيمات أو دراهم.. نريد موقفاً سياسياً يكسر الحصار
كان اتفاق «خفض التصعيد» الذي أُبرم في القاهرة بين المعارضة السورية، في أواخر يوليو الماضي، وبالاً على أكثر من 370 ألف مدني محاصر في غوطة دمشق الشرقية، بعد أن نكث النظام بالوعود، وغضّت روسيا (الضامن) الطرف عمّا ضمنت.
سجلت الغوطة الشرقية عدة وفيات في صفوف أطفال الغوطة الشرقية نتيجة نقص الغذاء والدواء، والعدد قابل للزيادة، إذ إن نحو 1200 طفل يعاني من سوء التغذية الحاد، بحسب تصريح لـ»جولييت توم» الناطقة باسم «اليونيسف» لـ»BBC”.
وفي حوادث متكررة، سجّلت مدارس الغوطة الشرقية حالات إغماء في صفوف الأطفال، وتبين أن بعض هؤلاء الطلبة لم يتناولوا طعاماً لما يزيد على 24 ساعة، ويلاحظ مدرسون تواصلت معهم “المجتمع” ظاهرة إعياء واضحة وشروداً لدى الطلاب نتيجة الجوع.
حيث بلغ سعر ربطة الخبز (800 جرام) 1200 ليرة سورية (2.20 دولار)، وتخطى سعر كيلو السكر 8000 ليرة (16 دولاراً)، وكيلو الأرز 4200 ليرة (8.40 دولار)، وفُقد زيت الزيتون والنباتي من الأسواق، فيما يبلغ متوسط دخل الفرد في الغوطة الشرقية نحو 75 دولاراً أمريكياً شهرياً.
حصار الغوطة الشرقية ليس جديداً، فالغوطة محاصرة منذ سبتمبر 2012م، أي منذ تحريرها من نظام “الأسد”، وبلغ ذروته عام 2014م، حيث سُجلت وفيات في صفوف المدنيين، وبلغت الحال بالمحاصرين أن يستخدموا علف الأبقار بديلاً عن الطحين في صناعة الخبز، وما يعيشونه الآن من حصار يحاكي حصار عام 2014م إلى حدّ كبير.
ولكن ما يزيد من شدّة الحصار أنه جاء مغايراً لما هو متوقع، فالمعارضة السورية وقّعت اتفاقاً مع الضامن الروسي في القاهرة يقضي بوقف إطلاق النار، وفتح المعبر الوحيد (معبر مخيم الوافدين) أمام الحركة الإغاثية والتجارية والمدنيين، والبنود جميعها لم تُطبق، فخرق وقف إطلاق النار بقصف حصد أرواح العشرات طوال فترة سريان الاتفاق، وأغلق المعبر الوحيد في وجه القوافل المحمّلة بالغذاء والدواء.
“الأسد يحاصر الغوطة” وسْمٌ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مع عشرات الصور لأطفال أشبه ما يكونون بهياكل عظمية، وآلاف الرسائل الداعمة للمدنيين المحاصرين والمناهضين لنظام “الأسد”، ورافق النشاط الإعلامي حملات إغاثية لجمعيات محلية وإقليمية دعماً لصمود المحاصرين.
ولكن ثمّة مشكلة، فأبناء الغوطة لا يستجدون لقيمات أو دراهم معدودة تكفيهم اليوم وتنفد غداً، هم يطالبون بحقهم في الحياة، حقهم في الحصول على الغذاء والدواء الذي كفلته لهم الأمم المتحدة ضمن ميثاقها.
وفي تعليقه على الحملة الإعلامية المناصرة للغوطة الشرقية في حصارها، كتب أبو الحسن الأندلسي: “من ظن أن أهالي الغوطة أرادوا من حملتهم التي تكشف خفايا الحصار المعونة المادية والصدقات فقد أخطأ الظن، أهالي الغوطة شعب قوي متمكن يريد الحياة ليقوى، يحتاج الحياة لينشط ويعمل”.
وتأكيداً على كلمات الأندلسي، قال معروف أحمد، رجل ستيني محاصر لـ”المجتمع”: “أنا ربّ لأسرة مؤلفة من 18 فرداً، هم أولادي وزوجتي، وأحفادي لولدين من أبنائي استشهدا نتيجة قصف النظام، حاجتي من الخبز يومياً ربطتين على الأقل، وثمنهما 2400 ليرة سورية، ولو قُطع عني ما يصلني من مال من أحد أفراد العائلة في الخارج، وهو قليل بطبيعة الحال، لمتنا جوعاً”.
وأردف أحمد: “القهر بالنسبة لي لا يتمثل في الحصار والجوع فحسب، وإنما عدم قدرتي على إيجاد عمل يكفيني سؤال الناس هو القهر بذاته، لم أعهد نفسي طوال سني عمري إلا منفقاً، ولكن الحصار أبدل حالنا ذلاً وقهراً”.
وتساءل أحمد بتهكّم: “هل يعتقد السياسيون من المعارضة السورية أو الدول الصديقة للشعب السوري أننا نناشدهم لأجل طعام وشراب؟ نريد موقفاً سياسياً، واستخدام ورقة ضغط على روسيا الضامن والنظام القاتل ينهي الحصار”.
ومن الواضح أن مطالبة المحاصرين للساسة والدول خوفاً من وقوعهم في مصيدة اتفاق يفضي إلى التهجير، كما حدث مع بلدة مضايا في ريف دمشق الغربي، حيث وقعت اتفاقاً بشروط مشابهة مع المفاوض الإيراني عام 2015م، وكان اتفاق “وقف إطلاق النار” حينها بوابة لتهجير ثوار البلدة وإعادتها – بفعل الحصار والتجويع – إلى سيطرة النظام.