عاد الجدل حول “فرنسة” التعليم المغربي، ليطل مجدداً بعد تعميم وزارة التربية الوطنية (التعليم) المغربية، تدريس المواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، ومع بدء مناقشة البرلمان مشروع قانون لإصلاح التعليم.
أثار القرار سخطاً كبيراً في صفوف “حماة” اللغة العربية، والمدافعين عنها، في دولة يعتبر دستورها العربية اللغة الرسمية للبلاد، بالإضافة إلى الأمازيغية، فيما يرى المدافعون عن القرار أنه يصب في “مصلحة الوطن”، ويهدف إلى مواكبة التطور التكنولوجي والرهانات الاقتصادية.
وعممت وزارة التربية الوطنية المغربية مطلع الموسم الدراسي الحالي، قراراً بتدريس المواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية بالفرنسية.
وصادق المجلس الوزاري (يرأسه العاهل المغربي محمد السادس) في أغسطس الماضي، على مشروع قانون الإطار للتربية والتكوين (قانون لإصلاح التعليم)، والذي يخضع حاليا للمناقشة داخل مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).
وتعود بداية “فرنسة التعليم” المغربي إلى العام 2015، عندما أصدر وزير التربية الوطنية السابق رشيد بلمختار مذكرة طالب فيها مسؤولي الوزارة الجهويين (المغرب يضم 12 جهة وهي شكل للتقسيم الإداري، ويوجد في كل جهة عدد من الأقاليم والمدن)، بـ”تعميم تدريس المواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية.
وعللت الوزارة آنذاك قرارها بأنه تصحيحا للاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية.
أصل المشكل
وما يزيد الموضوع التباساً، في نظر معارضي هذا المسعى، أن تعميم تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية يتناقض مع مبدأ “التناوب اللغوي” الذي جاءت به الرؤية الاستراتيجية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين (جهاز استشاري حكومي).
ويقصد بالتناوب اللغوي، استفادة المتعلمين من ثلاث لغات: العربية والأمازيغية والفرنسية في التعليم الأولي والابتدائي، تضاف إليها اللغة الإنجليزية ابتداء من السف الأول الإعدادي، ويختار الطالب لغة أجنبية تكميلية في الصف الأول الثانوي.
إلا أن عدداً من الباحثين يرون أن وزارة التربية الوطنية تريد فرض الفرنسية، بمفردها وتدعي أن ذلك في إطار التناوب اللغوي.
وكان رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، قال في تصريحات يوم 17 فبراير الجاري، إن “فرض تدريس المواد العلمية والتقنية بالفرنسية مخالف للرؤية الإستراتيجية التي تسلمها من يد الملك محمد السادس أثناء رئاسته الحكومة 29 نوفمبر 2011 – 5 أبريل 2017، معتبراً القرار “بمثابة لف ودوران ومكر غير معقول وغير مقبول”.
وينص الدستور المغربي في فصله الخامس على أن “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء”.
واعتمد المغرب سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، لكن هذه السياسة ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تدرس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي بالبلاد، إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث تقرر تعريب جميع المواد حتى نهاية الثانوية العامة، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع جامعات المغرب حتى اليوم.
رفض فرض الفرنسية
يقول سلمان بونعمان، الباحث المغربي، لوكالة “الأناضول”: إن رفض فرنسة التعليم لا يتعلق برفض الفرنسية بحد ذاتها، ولكن رفض السياسة اللغوية التي تريد فرض الفرنسية عن طريق القسر والإكراه والثقافة والاقتصاد.
ويوضح بونعمان صاحب كتاب “النهضة اللغوية وخطاب التلهيج الفرنكفوني” أنه :”لا خلاف حول أهمية تعليم اللغات الأجنبية الأكثر تأثيرا وتداولا وأهمية في البحث العلمي، بما فيها الفرنسية، لكن جوهر المشكل هو الانفتاح الأحادي على لغة بذاتها على حساب اللغتين الوطنيتين (العربية والأمازيغية)”.
ودعا الباحث المغربي إلى أن تحظى اللغتين الرسميتين للبلاد بالمكانة اللائقة بهما دستوريا وقانونيا كما تنص على ذلك كل تجارب الأمم التي تحترم لغتها وتعتبرها جزءاً من السيادة.
وتابع قائلاً: نحن لسنا بدعا عن الأمم التي تقدر لغتها وتسعى لتطويرها كي تواكب التحولات والمستجدات، وتنتج بها دون أن تهمل وتعلم أبناءها باقي اللغات بطريقة بيداغوجية وتربوية وعلمية.
وشدد بونعمان على أن “المعركة ليست إبعاد الفرنسية ولكن احترام السيادة والوعي بتحولات العصر.
التسييس والأدلجة
من جانبه، قال الباحث المغربي في قضايا التعليم الحسن حما: إن تقدم ونهضة الأمم يجب ألا يكون خارج منظومتها اللغوية.
وأضاف أن اللغة مدخل النهضة الحضارية ولا يمكن لبلد أن يتقدم بعيدا عن لغته الأم.
إلا أنه تابع مستدركاً: المشكل أن موضوع اللغة في المغرب مسيس بالكامل، فيما النقاش يفترض أن لا يكون فيه مزايدات سياسية.
ولفت إلى تناقض عدد من النخب المدافعة عن العربية، حيث أن أغلبهم يعلم أبناءه في الجامعات والمعاهد الأجنبية.
واعتبر أن الأساسي هو تحقيق العدالة في التعليم، بأن يخضع أبناء الشعب لتعليم بنفس المستوى والمواصفات، خاصة أن المخرجات لها أثر على مستوى الواقع الاجتماعي.
ودعا حما إلى جعل موضوع لغة التدريس نقاشا وطنيا يشارك فيه الجميع، وإخراجه من التسييس والأدلجة.
مدافعون
على الجانب الآخر يقول المدافعون عن تعميم وزارة التربية الوطنية المغربية، إن الكثير من الطلاب المغاربة يتعثرون في دراستهم الجامعية بسبب عدم إتقانهم اللغة الفرنسية، وهو ما دفع الحكومة إلى السعي لإعادة اعتماد الفرنسية لتدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية في المدارس العليا (الثانوية).
هذا الطرح تبناه أيضا رؤساء الجامعات المغربية الذين أوصوا في بيان لهم مؤخرا بتدريس العلوم بالفرنسية من أجل “مصلحة الوطن” ولمواكبة التطور التكنولوجي والرهانات الاقتصادية،
وأبرز البيان ضرورة تعزيز تدريس اللغات الأجنبية، وإعطائها الأولوية منذ التعليم الابتدائي، بغية تكريس التعدد اللغوي المنشود والاندماج المهني.