أثارت الاحتجاجات في كازاخستان، قلقاً كبيراً في لدى القادة “الإسرائيليين”، لأن هذه الدولة المسلمة الثرية تعد مرتكزاً أساسياً لاستراتيجية وعلاقة “إسرائيل” بدول آسيا الوسطى، وهي علاقة تحقق لتل أبيب العديد من المنافع الاستراتيجية.
والمعلن في علاقة “إسرائيل” بدول آسيا الوسطى وأذربيجان أقل من الخفي فيها، فهي علاقة اجتمعت فيها أهداف النخب الحاكمة ذات الجذور الشيوعية في هذه الدول مع مصالح تل أبيب.
ومنطقة آسيا الوسطى التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي حتى عام 1991، تتشكل من خمس دول ذات غالبية مسلمة هي: أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمنستان.
والجمهوريات الخمس أغلب سكانها من المسلمين على المذهب السني وتتحدث لغات تنتمي للعائلة التركية، باستثناء طاجيكستان التي تتحدث لغة تعد فرعاً من الفارسية، وهي ذات أغلبية سنية وليست شيعية مثل إيران.
بينما أذربيجان ليست جزءاً من هذه المنطقة بل تقع في القوقاز، ويفصل بينها وبين آسيا الوسطى بحر قزوين من الشرق، وإيران من الجنوب، ولكنها كثيراً ما تربط في الدراسات السياسية والثقافية بآسيا الوسطى بحكم أنها جمهورية إسلامية كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، كما أنها تتحدث إحدى اللغات المنتمية للعائلة اللغوية التوركية أو التركية، وتعد لغتها الأقرب لتركية تركيا، علماً بأن أذربيجان دولة ذات غالبية شيعية مع وجود أقلية سنية كبيرة.
ومنطقة آسيا الوسطى تمثل ساحة للتنافس الاستراتيجي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك نظراً لأهميتها الجيوسياسية الكبيرة، فضلاً عن كونها تطل على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز.
وبعد استقلال هذه الدول إثر انهيار الاتحاد السوفييتي سارعت “إسرائيل” لمحاولة نشر نفوذها في منطقة آسيا الوسطى وأذربيجان والتغلغل فيها، وكانت لديها استراتيجية متكاملة، حيث سخرت كافة الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية وأيضاً الثقافية من أجل النفاذ إلى دول المنطقة لإقامة شراكة استراتيجية معها.
وبينما اهتمت “إسرائيل” منذ وقت مبكر باختراق هذه المنطقة نجد أن الدول العربية قد تأخرت كثيراً في الاتصال والتعاون مع دول آسيا الوسطى، نظراً لعدم وجود رؤية واستراتيجية محددة ومدروسة تجاه هذه الدول، الأمر الذي أفضى في مجمله إلى محدودية الحضور العربي في هذه المنطقة.
علاقة “إسرائيل” بدول آسيا الوسطى تسعى لتطويق العرب
الهدف الأساسي من علاقة “إسرائيل” بدول آسيا الوسطى وأذربيجان، تعود جذوره لاستراتيجية “إسرائيلية” قديمة هي توثيق العلاقات “الإسرائيلية” بالدول المحيطة بالعالم العربي، للقفز على ما تعتبره “إسرائيل” حصاراً عربياً، وذلك بطبيعة الحال قبل أن تتهافت الدول العربية مؤخراً على التطبيع مع “إسرائيل”.
فخلال فترة المد القومي في الخمسينيات والستينيات، أقامت الدول العربية ذات التوجهات القومية الاشتراكية علاقات وثيقة مع الدول الإفريقية، قلصت النفوذ “الإسرائيلي” في هذه المنطقة، وساعد ذلك الدور العربي الذي قادته مصر تحديداً في دعم حركات التحرر، كما كان لدى مصر الناصرية والدول العربية الأخرى ذات التوجهات القومية علاقات وثيقة مع الهند والصين، وحتى بعض دول أوروبا الغربية مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وهي الدول التي لم تنضم لطابور الانحياز الغربي السافر لـ “إسرائيل”.
في المقابل، كانت العلاقات العربية مع إيران تحت حكم الشاه، وتركيا في ظل توجهها العلماني الغربي ليست جيدة، تبنت الدولتان قومية علمانية بعيدة عن جذور البلدين الإسلامية، كما رأت في التوجهات الاستقلالية العروبية المعادية للرأسمالية والرافضة للتعاون مع الغرب، خطراً عليها، وهو ما ظهر في معارض الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لحلف بغداد، الموالي للغرب الذي أسس عام 1955 للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة من كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان.
وباستثناء باكستان، استجابت إيران وتركيا، للتحركات “الإسرائيلية” المناهضة لحركة القومية العربية.
ولكن المفارقة أنه بعد الثورة الإسلامية في إيران، تحولت طهران إلى المعقل الأول للعداء لـ “إسرائيل” في المنطقة، كما تحولت تركيا تدريجياً تحت حكم حزب العدالة والتنمية من حليف لـ “إسرائيل” إلى غريم لها، وأصبحت مؤيداً متحمساً للحقوق الفلسطينية وعلى علاقة وثيقة مع حركة حماس.
الخوف من العاطفة الدينية المكبوتة
علاقة “إسرائيل” بدولة آسيا الوسطى وأذربيجان بدأت فور استقلال هذه الدول على إثر انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1991.
وسعت إلى تقوية علاقتها بهذه الجمهوريات لأسباب دينية واقتصادية وسياسية وعسكرية.
كان أولى دوافع هذه العلاقة أن الإسلام هو الدين الغالب في هذه الجمهوريات، ومع أن الدين يلعب دوراً هامشياً في سياسة وثقافة هذه البلاد، بل إن أنظمتها التي يقودها زعماء كانوا قادة إقليميين للحزب الشيوعي السوفييتي السابق المعادي للدين، فإن الدين يظل متغيراً كامناً في هوية هذه البلاد، لا يمكن ضمان استمرار غياب تأثيره، بل يمكن أن يعود للواجهة مثلما حدث في إيران وتركيا.
ولذا كان على “إسرائيل” أن تعزز علاقتها مع هذه الدول من أجل محاولة تقليل تأثير عامل الدين على سياستها، وتقديم إغراءات لهذه الجمهوريات للبقاء بعيداً عن القضية الفلسطينية.
بالنسبة لـ “إسرائيل” أيضاً، كانت هذه المنطقة البكر التي كانت معزولة عن العالم لقرون تحت الحكم الروسي سواء كان في عهد القياصرة أو العهد السوفييتي، تتيح فرصاً اقتصادية وعسكرية لا تعوض.
والوسيلة الأولى إغواؤهم بالعلاقات مع واشنطن
فبالإضافة إلى أن “إسرائيل” تعد بوابة مثالية لأي دولة معزولة أو منبوذة تريد التقرب لأمريكا، فإنها في الوقت ذاته تقدم فرصاً للتعاون للعديد من الدول غير المتقدمة سواء في مجالات الزراعة خاصة في مناطق تعاني من قلة المياه مثل دول آسيا الوسطى.
كما تقدم تل أبيب فرصاً في المجال الأمني والاستخباراتي والتجسسي وهو أمر ملائم تماماً لدول تحكمها أنظمة مستبدة مثل منطقة آسيا الوسطى.
السلاح الأداة الأكثر فاعلية خاصة مع أذربيجان
وإضافة إلى التكنولوجيا، فإن مبيعات السلاح تظل واحدة من أهم أدوات الإغراء “الإسرائيلية”، وهو ما يظهر بشكل واضح في حالة أذربيجان، وهي الجمهورية السوفييتية الإسلامية ذات الصلة الأوثق والأوضح مع إسرائيل.
وجاءت هذه العلاقة على خلفية حاجة متبادلة بين البلدين ووجود خصم مشترك، فالعلاقة بين إيران أذربيجان ليست على ما يرام منذ استقلال الأخيرة.
فكلا البلدين لديه ما يخشاه من الآخر، أذربيجان تخشى من نظام إيران الإسلامي الذي يحكم أكبر عدد من الأذربيجانيين في العالم، وطابعه الديني يمكن أن يضعف النظام العلماني خاصة أن أغلب الأذربيجانيين من الشيعة.
في المقابل، تخشى طهران من تأثير باكو السلبي على الأذربيجانيين لديها والذين يعدون ثاني أكبر قومية في البلاد يمثلون نحو 16% من السكان ويحتلون مناطق مهمة ويعيشون في المناطق الأكثر تقدماً وثراء في البلاد.
ومن شأن صحوة قومية أذربيجانية أن تنعكس سلباً على التركيبة الإيرانية الفسيفسائية، خاصة أن الأذربيجانيين يعدون شركاً للفرس في حكم البلاد، وظهر ذلك واضحاً في التأييد الأذربيجاني إيران لباكو خلال الحرب الأخيرة، مع أرمينيا.
كما أن تحالف أذربيجان مع تركيا وعلاقتها الوثيقة مع الغرب و”إسرائيل” أمور كلها تقلق طهران، وتخشى أن تتحول باكو لساحة خلفية للعمل ضدها.
إضافة لذلك على عكس معظم دول آسيا الوسطى، فإن علاقة أذربيجان مع روسيا ليست في أفضل أحوالها، وتظل موسكو أقرب لأرمينيا منها لأذربيجان، وبالتالي تحتاج الأخيرة لمصدر آخر للتسليح رغم استمرارها في شراء الأسلحة من روسيا، ومثلت تل أبيب مزوداً مثالياً للسلاح بالنسبة لأذربيجان، مزود كتوم ولن يستفز روسيا.
في المقابل، كان لدى أذربيجان ما تقدمه لـ “إسرائيل”، بدءاً من أموال النفط مقابل السلاح “الإسرائيلي”، إضافة إلى أنها توفر نافذة خلفية لـ “إسرائيل” والغرب على إيران، حتى لو تفعل باكو هذا الأمر بشكل حاد حتى لا تستفز طهران.
في المقابل، كانت إغراءات “إسرائيل” الأساسية لأذربيجان، السلاح والتكنولوجيا، وكونها جسراً قصيراً لساسة واشنطن.
وظهرت نتائج هذه العلاقة في حرب القوقاز الأخيرة، حيث لعبت الطائرات “الإسرائيلية” المسيرة إلى جانب التركية دوراً حاسماً في انتصار أذربيجان على أرمينيا وتحريرها لمعظم أراضيها المحتلة من قبل يريفان.
التغلغل “الإسرائيلي” في آسيا الوسطى اعتمد في البداية على الاقتصاد
اعتمدت الاستراتيجية “الإسرائيلية” لاختراق دول آسيا الوسطى على التركيز في المرحلة الأولى على التغلغل الاقتصادي، من خلال إقامة المشروعات العملاقة وتقديم المساعدات الاقتصادية وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية معبدة الطريق أمام الشركات “الإسرائيلية” ورجال الأعمال “الإسرائيليين” لدخول تلك الجمهوريات، هذا بالإضافة إلى تقديم “إسرائيل” نفسها كوسيط نشيط لجذب رؤوس الأموال الغربية والأمريكية إلى تلك البلدان، وفتح أبواب واشنطن وغيرها من العواصم الغربية أمامها.
فبعد أقل من ثلاثة أشهر على انهيار الاتحاد السوفييتي كانت “إسرائيل” قد نظمت في طشقند عاصمة أوزبكستان أكبر جمهوريات آسيا الوسطى سكاناً، أول مؤتمر اقتصادي مشترك بينها وبين دول آسيا الوسطى في مارس/آذار 1992 لبحث احتياجات تلك الدول من المشروعات والمساعدات الاقتصادية والدور الذي يمكن أن تقوم به “إسرائيل” في تلبيتها. وخلال الشهور والأعوام التالية كانت هذه المشروعات قد بدأ يجري تنفيذها بالفعل، حسبما ورد في تقرير لمجلة “شؤون عربية” التي تصدر عن الجامعة العربية.
وبعد عام 1992 أبرمت “إسرائيل” مع دول آسيا الوسطى عشرات الاتفاقيات في مجالات: الزراعة والسياحة والثقافة وجذب الاستثمار ومنع الازدواج الضريبي وتخفيض الجمارك، والتعاون الفني… وغيرها، فضلاً عن الجولات الخارجية السنوية التي يقوم بها وزراء خارجية “إسرائيل”، علاوة على قيام “إسرائيل” بتنظيم مؤتمر سنوي يفد إليه وزراء المياه في هذه الجمهوريات للتباحث حول اقتصادات التعاون الزراعي والمائي المشترك مع إسرائيل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الخليج الإماراتية.
كما ركزت “إسرائيل” على إقامة علاقات دبلوماسية مبكرة مع هذه المنطقة من خلال فتح سفارات لها في هذه الدول. هذا بالإضافة إلى تبادل الزيارات الرسمية بهدف ترسيخ العلاقات السياسية بين الجانبين. فعلى سبيل المثال قام “نور سلطان نزار باييف” رئيس جمهورية كازاخستان بزيارة “إسرائيل” في فبراير/شباط عام 1993 بناءً على دعوة من حكومة “رابين” التي سعت إلى إقامة علاقات وثيقة مع جمهورية كازاخستان. وفي عام 1994 قام نائب رئيس الوزراء التركمانستاني بزيارة رسمية إلى “إسرائيل”، وقام وقتئذ “شمعون بيريز” برد الزيارة. كما دأبت “إسرائيل” أيضاً على المشاركة في قمم دول آسيا الوسطى.
وسبق أن زار رئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق بنيامين نتنياهو أذربيجان وكازاخستان
العداء للإسلاميين يجمع بين “إسرائيل” وقادة دول آسيا الوسطى
ولم يقف الأمر عند البعدين الاقتصادي والسياسي فحسب، بل ارتكزت الاستراتيجية “الإسرائيلية” أيضاً في تحقيق أهدافها على البُعد العسكري الذي يصاحبه بُعد استخباراتي، لاسيما أن المنطقة قريبة من إيران العدو التاريخي لـ “إسرائيل”. وقد ساعد على هذا التواجد العسكري والاستخباراتي ما قامت به الإدارة الأمريكية من حروب ضد “الإرهاب” أو ما سمته “الأصولية الإسلامية”، الأمر الذي ساهم في توفير مظلة جديدة لإطلاق يد “إسرائيل” في نشاط عسكري استخباراتي كبير في آسيا الوسطى. في وقت بدأت فيه واشنطن في تأسيس قواعد عسكرية في أوزبكستان وغيرها من الدول ضمن استراتيجية تستهدف توسيع الهيمنة الأمريكية في آسيا وبسط نفوذها.
وعليه فقد سعت “إسرائيل” إلى عرض خدماتها الأمنية والاستخباراتية لمساعدة أنظمة الحكم في تلك الدول لمجابهة الحركات الأصولية، إذ بدأت في عقد التسعينات من القرن المنصرم في تنظيم دورات لتدريب كوادر أجهزة المخابرات في دول آسيا الوسطى على أساليب مكافحة ما سُمي بـ”الإرهاب”. كما قامت الشركات “الإسرائيلية” الضخمة بدور محوري في تزويد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في العديد من دول آسيا الوسطى بالتكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك وضع أنظمة مراقبة حديثة بهدف معاونة الأنظمة السياسية في تلك الدول على تتبع وملاحقة العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين داخل وخارج أوطانهم، الأمر الذي أدى إلى تورط تلك الأنظمة السياسية في انتهاكات لحقوق الإنسان.
كما لجأت “إسرائيل” أيضاً إلى أدوات القوة الناعمة وفي مقدمتها التبادل الثقافي، حيث تم افتتاح فرع للوكالة اليهودية “سحتوت” في العاصمة الأوزبكية طشقند لتنظيم هجرة اليهود الأوزبك إلى “إسرائيل”، وكان عدد هؤلاء يبلغ نحو (120) ألفاً، وتم بالفعل تهجير أكثر من سبعين ألفاً منهم. كما تم افتتاح مركز ثقافي “إسرائيلي” في طشقند يعمل بنشاط على الترويج للثقافة “الإسرائيلية”.
النووي الكازاخستاني في مرمى “إسرائيل”
منذ استقلال جمهوريات آسيا الوسطى، كانت المسألة النووية تقلق الاحتلال الصهيوني، فلقد كانت كازاخستان إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي القليلة التي ورثت على أراضيها أسلحة نووية، وهو ما كان يقلق الاحتلال التي تعتبر أي دولة إسلامية تمتلك أسلحة نووية خطراً عليها، وتسربت تقارير أن إسرائيل تعد نفسها لأن تصبح قوتها العسكرية قادرة على الوصول ليس فقط إلى باكستان النووية، بل إلى كازاخستان التي استقلت عام 1991 ولديها ترسانة نووية كبيرة، ولم تكن تعرف تل أبيب بعد موقف الدولة الجديدة من الصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن سرعان ما سلمت كازاخستان أسلحتها النووية إلى روسيا، ولكن عين الاحتلال على قدراتها النووية ظلت مستمرة، فبالبلاد تمتلك واحداً من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم.
وسعت حكومة الاحتلال مباشرة إلى شراء مجمع لمعالجة اليورانيوم في كازاخستان والذي يعتبر من أكبر مجمعات اليورانيوم في العالم وأثناء تلك الصفقة أثير الكثير من التساؤل حول مدى مصداقيتها لأن الأرقام التي ذكرت ثمناً لها هي أرقام قليلة جداً بالنظر لأهمية هذا المجمع.
لماذا يقلق قادة إسرائيل من أحداث كازاخستان؟
تقول صحيفة Haaretz إن القادة الصهاينة ينظرون إلى الاضطرابات والصراعات على السلطة في كازاخستان بقلق، حيث تعد كازاخستان مصدراً مهماً للنفط إلى الكيان الصهيوني وسوقاً مربحاً للأسلحة الصهيونية.
ويقول الخبراء إن كلا الشراكتين تكتنفهما السرية ولكنهما مهمتان من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لتل أبيب.
ويقدر غابرييل ميتشل، زميل السياسة في المعهد الصهيوني للسياسات الخارجية الإقليمية، أنه من 10 إلى 20% من النفط الصهيوني المستورد يأتي من كازاخستان، وكانت هناك أوقات وصلت فيها إلى 25%.
ومبيعات الأسلحة الصهيونية إلى كازاخستان صغيرة نسبياً، لكنها مهمة، وفقاً لصحيفة Haaretz.
فعلى الرغم من أن كازاخستان تشتري أسلحة من الاحتلال أقل مما تفعل أذربيجان، إلا أن ثروة الطاقة في كازاخستان تمنحها المال للإنفاق.
ووقَّعت حكومة الاحتلال وكازاخستان اتفاقية دفاع في عام 2014، لم يتم الكشف عن تفاصيلها مطلقاً، ولكن يبدو أنهما تتعاملان بشكل أساسي مع مبيعات الأسلحة.
وقامت جميع شركات صهيونية الكبرى العاملة في المجال العسكري ببيع منتجات للقوات المسلحة والشرطة في كازاخستان، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ الدقيقة وأنظمة الرادار ومعدات الاتصالات.
في مايو/أيار 2021 الماضي، بدأ مصنع ومركز خدمة تديرهما شركة صناعة الطيران الكازاخستانية في إنتاج طائرات مسيرة إسرائيلية بموجب ترخيص من شركة Elbit Systems الصهيونية، حسب Haaretz.
وعلى عكس أذربيجان وتركمانستان، لا تحد كازاخستان الحدود مع إيران، وبالتالي فهي أقل أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل في هذا الملف.
إنها تساعد الحكومة الكازاخستانية على التجسس على معارضيها
كما برزت كازاخستان أيضاً كسوق لأدوات الأمن السيبراني – وأشهرها تلك الخاصة بمجموعة NSO الصهيونية، صانع تكنولوجيا برامج التجسس الذي تعرض لانتقادات دولية وأمريكية مؤخراً.
في الشهر الماضي، وجد تحليل الطب الشرعي الذي أجراه مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية أن الهواتف المحمولة لما لا يقل عن أربعة نشطاء ينتقدون الحكومة في كازاخستان قد ثبت أنها مصابة ببرنامج NSO.
قامت شركتان صهيونيتان أخريان، هما Verint Systems و Nice – في الماضي على الأقل – ببيع أنظمة المراقبة لوكالات الأمن في آسيا الوسطى، بما في ذلك الشركات الكازاخستانية.
يقول كيفين ليم، محلل مخاطر الدول الرئيسي في الشرق الأوسط في IHS Markit، إنه من الناحية الدبلوماسية، تحتاج كازاخستان إلى الاحتلال أقل مما كانت عليه في الماضي.
في التسعينيات، لعبت حكومة الاحتلال دوراً مهماً في جهود الدولة التي كانت المستقلة حديثاً لترسيخ نفسها في المجتمع الدولي بسبب علاقات تل أبيب القوية مع الولايات المتحدة والقوة المتصورة للوبي والأعمال اليهودية.
وتظل كازاخستان وخاصة أذربيجان الركائز المزدوجة للانخراط الصهيوني في الفضاء الإسلامي للاتحاد السوفييتي السابق، حسبما يقول كيم.
لماذا فشلت تل أبيب في توثيق العلاقات الاقتصادية مع كازاخستان؟
ورغم ذلك لم تطور علاقات صهيونية التجارية كما كان متوقعاً مع كازاخستان، خاصة في ضوء فشل طموحات كازاخستان المبكرة في التنويع بعيداً عن النفط، والتي كان من الممكن للاحتلال أن تلعب دوراً فيها من خلال نشر التقنيات الزراعية وغيرها، إلى حد كبير.
وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، بلغت التجارة البينية بين البلدين حوالي 370 مليون دولار العام الماضي، بانخفاض عن 1.6 مليار دولار في عام 2014، مع نصيب الأسد من هذا يأتي من النفط.
يقدر دانيال تارتاكوفسكي، المدير التنفيذي لجمعية الأعمال الكازاخستانية الصهيونية، أن هناك حوالي 140 شركة تضم صهاينة مسجلين في كازاخستان، وتعمل بشكل رئيسي في الزراعة والأدوية والطاقة والبناء.
ويقدر حجم الاستثمار الصهيوني في البلاد بنحو 220 مليون دولار.
يقول تارتاكوفسكي في رسالة بريد إلكتروني لصحيفة هآرتس: “بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة، لم يكُن السوق مشبعاً، وبالتالي كانت فترة التسعينيات وقتاً مناسباً للأعمال التجارية السريعة، والصفقات السريعة مع أرباح عالية وسهلة نسبياً”.
ولكن اليوم تعد كازاخستان سوقاً تنافسية راسخة تتطلب استثمارات طويلة الأجل، ووجوداً محلياً مكثفاً وعملاً شاقاً يومياً لمن يرغبون في تحقيق النجاح.