لم يَرد ذِكرٌ لهيكل سليمان في القرآن الكريم، وإنما أشار القرآن الكريم إلى قصر سليمان (عليه السلام) المصنوع من القوارير، وهو آية في الإعجاز والجمال، حتى إنّ ملكة سبأ أسلمت لله رب العالمين، بعد مشاهدتها لهذا الإنجاز المعجز، قال تعالى: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٤) ﴾[النمل: 44].
كما أشار القرآن الكريم إلى أنّ الشياطين والجن كانوا يعملون لسليمان (عليه السلام) ما يشاء من محاريب، وهي أماكن العبادة الخالصة لله: ﴿يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ﴾، ونحن نؤمن بأن بناء أماكن العبادة كان بناء في غاية الروعة والجمال والدقة، لا كبناء الآشوريين والبابليين في ذلك الوقت. بنى سليمان دولة قامت بنهضة حضارية شاملة، منها البناء المعماري المتفوق والمتميز في ذلك الوقت، وطبيعيّ أن يبني سليمان (عليه السلام) دور العبادة في دولته الواسعة، وأمّا هيكل سليمان (عليه السلام) المزعوم، والنصوص التي تخيّلها كاتبوا تاريخ اليهود على أن مكانَه المسجدُ الأقصى حالياً، فهذا محض افتراء وتزوير للحقائق.
وهناك تناقض واضح في روايات الأسفار التي تحدثت عن الهيكل، وعن تحديد مكان بيت الله مما يؤكد قضية الهيكل من أوّلها إلى آخرها لا يمكن تصديقها؛ لأن ما ورد عنها في الأسفار من التناقضات والاختلافات لا يمكن أن تكون وحياً سماوياً صادقاً، فإن الوحي لا يتناقض، وهناك خلاف كبير بين علماء اليهود وحاخاماتهم في تحديد مكان الهيكل، وهذا دليل دامغ وقوي على أن هيكل سليمان أكذوبة وأسطورة.
– إن الآثار الأموية والعباسية والعثمانية تدلّ على إسلامية المسجد الأقصى البحتة التي لا يشترك معها أي ديانة أخرى، وينسف الادعاءات الباطلة لليهود بوجود أي أثر لهم في المسجد الأقصى. (هيكل سليمان في عقيدة اليهود، بشير إسماعيل، ص357)
– إن وجود المسجد الأقصى قبل الهيكل المزعوم بأزمان طويلة من أقوى الأدلّة التاريخيّة الّتي تبطل مزاعم اليهود وتكشف مدى مصداقيّة الرؤية الإسلاميّة في حقّ المسلمين بالمسجد الأقصى وفلسطين. (القدس التاريخ المصور، ص43)
1- معنى الهيكل في زعم اليهود:
الهيكل: كلمة يقابلها في العبرية (بيت همقداش) أي: بيت المقدس، أو (هيخال) وتعني البيت الكبير في اللغة السامية، وهو: الطريقة التي كان يشار بها إلى مسكن الإله – على حد زعمهم – ومن أهم أسماء الهيكل: بيت يهوه. والهيكل أعد أساساً ليكون مسكناً للإله. (موسوعة اليهود، 4/159)
ففي سفر الملوك: حينئذ تكلم سليمان: قال الرب إنه يسكن في الضباب إني قد بنيت لك بيت سكني، مكاناً لسكناك (سفر الملوك الأول، 8/12-13).
ويعتقد اليهود أنّ خيمة الاجتماع التي يسمونها (قبة الزمان) كانت موجودة قبل عبادتهم العجل الذي هو متقدم على مجيئهم بيت المقدس، وأنها مسكن الرب، وقد كانت مع بني إسرائيل في التيه، يصلون إليها، وهي قبلتهم، وقد كانت مع بني إسرائيل في التيه، يصلون إليها، وهي قبلتهم، وأن يوشع بن نون لما دخل بيت المقدس نصب هذه القبة على صخرة بيت المقدس، فكانوا يصلون إليها، فلما بادت صلوا إلى ملحقها، وهي الصخرة. ويرون أن أرض المسجد الأقصى هي أرض الهيكل وأن مسجد الصخرة هو: مكان قدس الاقداس، داخل الهيكل (هيكل سليمان في عقيدة اليهود، ص334)
وهنا تكمن خطورة هذا المعتقد، وما يترتب عليه من ضرورة هدم المسجد الأقصى المقام على أرض الهيكل –حسب زعمهم – وذلك لبناء الهيكل المزعوم مكانه.
2- علم الآثار، ودعوى وجود الهيكل تحت المسجد الأقصى:
منذ أن احتل اليهود الشطر الشرقي من القدس عام 1967م إلى اليوم، وهم يحاولون العثور على أي أثر يدل على بقايا الهيكل المزعوم، ويثبت مكانه تحت الحرم القدسي الشريف، وقد قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بإجراء حفريات وأنفاق تحت أسوار جبل بيت المقدس، وتحت أسوار المسجد الأقصى من جانبيها: الغربي والجنوبي وامتدت الحفريات إلى الأرضية الداخلية تحت ساحة المسجد، وتحت مسجد النساء داخل المسجد الأقصى واستمرت الحفريات بشق نفق واسع طويل اخترق المسجد من شرقه إلى غربه، وأقام اليهود في النفق كنيس يهودي صغير، افتتحه رسمياً رئيس الدولة ورئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1986م وفي عام 1981م أعلنت الهيئات اليهودية الدينية عن اكتشاف نفق كبير تحت الحرم القدسي. ولقد مرت عمليات الحفر والتنقيب بمراحل، لأن هدفها هو: تفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجدين: الأقصى وقبة الصخرة، لترك المسجدين قائمين على فارغ؛ ليكونا – لا قدر الله – عرضة للانهيار والسقوط. ولقد افتتحت الحكومة الإسرائيلية تحت جدران المسجد الأقصى الجنوبي نفقين، يمران من تحت المسجد الأقصى، تزعم إسرائيل أنهما كانا يستخدمان لنقل المياه إلى الهيكل المزعوم، افتتح النفق الأول عام 1996م في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو؛ بينما افتتح النفق الثاني بعيداً عن أعين وسائل الإعلام، في عهد رئيس وزراء إسرائيل إيهود بارك. (يكل سليمان في عقيدة اليهود، ص344)
يقول الأستاذ منصور عبد الحكيم: ولقد أبثت علماء الآثار من اليهود والأوروبيين والأمريكان اللذين نقبوا واشتغلوا بالحفريات والأنفاق تحت الحرم القدسي الشريف أنه لا يوجد أثر واحد لهيكل سليمان تحت الحرم القدسي، ولا تحت المسجد الأقصى، ولا تحت قبة الصخرة وشاركهم الرأي كثير من الباحثين اليهود والغربيين مما دفع بعضهم إلى أن يقول إنّ الهيكل قصة خرافية ليس لها وجود، ومن أشهر هؤلاء العلماء اليهود (إسرائيل فلنتشتاين) من جامعة تل أبيب. (سليمان – عليه السلام – النبي الملك، منصور عبد الحكيم، ص142)
إن المسجد الأقصى بني قبل عهد سليمان (عليه السلام) بأزمنة طويلة كما مر معنا، فكيف يكون هيكل سليمان المزعوم تحت المسجد الأقصى –كما يزعم اليهود-.
ويتبين من كل ما سبق:
– أنّ الهيكل عقيدة يهودية وله قدسية خاصة في الفكر اليهودي.
– أن اليهود يعملون ويخططون لإعادة بنائه من جديد في نفس المكان الذي يزعمون أنه بني فيه هيكل سليمان، وهو فوق هضبة الحرم القدسي، حيث مكان المسجدين الإسلاميين؛ الأقصى وقبة الصخرة.
– أنّ الحفريات تحت الحرم القدسي الشريف التي يقوم بها اليهود منذ احتلالهم للقدس، لم تثبت شيئاً من مزاعم اليهود في وجود الهيكل، وأنّ علماء الآثار من اليهود وغيرهم، قد كذبوا مزاعم اليهود في وجود الهيكل تحت الحرم القدسي. (هيكل سليمان في عقيدة اليهود، ص345)
– أحقية المسلمين في حائط البراق: عندما حدثت اضطرابات في القدس بين اليهود والمسلمين وزعم اليهود أنّ حائط البراق جزء من هيكلهم القديم، وحدثت ردود فعل مختلفة فلسطينية وعربية وإسلامية، واستمرت الاضطرابات سنين وفي عام 1930م تم تشكيل لجنة دولية لدراسة المشكلة، وكتابة تقرير عناه ووافق مجلس الأمم في 14 مايو 1930م على تشكيل هذه اللجنة بقيادة (شو) وقد حضرت اللجنة إلى القدس في 19 يونيه 1930م وأقامت شهراً كاملاً، واستمعت لعدد كبير من شهود العرب واليهود كما اطلعت على جميع الوثائق المقدمة إليها من الفريقين، واستمعت إلى مرافعات المحامين والذين أحضرهم الطرفان ثم كتبت الذي كتب فيها تقريرها والذي منه:
– للمسلمين وحدهم تعود ملكية الجدار الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه ولكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك وقف الملك الأفضل ابن أخي صلاح الدين الأيوبي وللمسلمين، وكذلك تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي. فهذا التقرير الدولي يشهد بحق المسلمين بحائط البراق التاريخي والديني والقانوني. (الهيكل اليهودي الرواية اليهودية، ص3272)
– دائرة المعارف البريطانية: فقد جاء فيها: ليس من المؤكد أن الهيكل كان في حرم المسجد الأقصى، خاصة وأن تيتوس عندما هدمه عام 70م لم يترك شيئاً قائماً فيها وطمست سائر معالمها، فالبحث عنه إذاً عبث.
ومع هذه الحقائق التاريخية الدامغة إلا المتابع لحركة اليهود المعاصرة يشير إلى جديتهم لهدم المسجد الأقصى وفق عقيدتهم المسيطرة عليهم ومحاولة الارتباط التاريخي بسليمان (عليه السلام) الذي هو في الحقيقة نبي من أنبياء الله دعا إلى التوحيد وحكم بين الناس بالعدل، بعيداً كل البعد عن العنصرية والأباطيل التي يدعو إليها الاحتلال الصهيوني وممارسته الظالمة والجائرة؛ فكل الممارسات العنصرية التي مارسها شارون أو بن غوريون أو نتنياهو أو ليبرمان أو باراك أو أي سياسي صهيوني لا علاقة له بمنهج سليمان (عليه السلام) ولا عقيدته ولا سلوكه.
إن من حقنا كمسلمين، صادقين الدفاع عن الحقيقة التاريخية والسيرة العظيمة، والقدوة الحسنة لكل من داود وسليمان وتخليصهم مما نسب إليهم من أكاذيب وعقائد باطلة لا دليل عليها ولا برهان إلا الأوهام والخرافات والأساطير، ومن حقنا الدفاع على نبوتهم وتخليص ما نسب إليهم من طعون وافتراءات في سيرهم، فعقيدتنا الإسلامية الصافية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة توجب علينا ذلك.
إن القرآن الكريم بين أكثر الحقائق الدامغة لسيرة داود وسليمان عليهما السلام، فرد على التشويه اليهودي لهذين النبيين العظيمين، لقد شوهوا سليمان (عليه السلام) واتهموه بالكفر بالله، وأنه انحاز وراء الأصنام وقالوا: إن سليمان ما حكم ملكه إلا بالسحر والاستعانة بالشياطين، وكذلك شوهوا صورة أبيه داود (عليه السلام) ، وقالوا إنه استعبدهم وجعل السيف فوق رقابهم، وتناسوا أنه نبي مرسل وحفيد أنبياء مرسلين، وقالوا عنه أنه استدان الأموال وأرهق الناس بالضرائب؛ ليبني هيكلهم المزعوم، ويا للعجب! فأين هو هذا الهيكل الذي بناه النبي سليمان على حساب أموالهم والضرائب التي فرضها عليهم؟
يا للعجب العجاب منكم يا يهود تقولون ذلك، ثم تدعون أن الهيكل رمز وجودكم ودولتكم الغابرة، فما بالكم تكفرون بالنبي سليمان وتلبسونه لبوس المجرمين المشركين السحرة، ثم تقولون: إن الهيكل الذي بناه رمز وجودكم في فلسطين.
إننا نخالفكم إلى ما ذهبتم إليه من هذا التشويه المبني على الأكاذيب، وإنما نقول أن النبي سليمان (عليه السلام)، نبي مرسل على نهج من سبقه من الأنبياء والمرسلين كنوح وهود وصالح وإبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وغيرهم (عليهم الصلاة والسلام)، أرسله الله ليقيم العدل بين خلقه وعمارة الأرض على شرعه وهو هبة من الله لأبيه داود عليهما السلام، والنبي سليمان (عليه السلام) دعا الناس ملوكاً وأناساً إلى عقيدة التوحيد وعبادة الله عز وجل، وكوّن علاقته بملكة سبأ، ليثنيها وقومها عن عبادة غير الله، وليدلهم إلى الصراط المستقيم، وكتابه الذي أرسله إليها بدأه (باسم الله الرحمن الرحيم) ولم يبدأه باسم (يهود) أو باسم (رب الجنود) أو باسم (الإله) القومي لبني إسرائيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- هيكل سليمان في عقيدة اليهود، بشير إسماعيل، رسالة علمية، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية – غزة، 2021م.
- فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، شركة الإبداع الفكري، الطبعة الأولى، 2011م.
- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، طبعة 1999م.
- هيكل سليمان في عقيدة اليهود، بشير إسماعيل، رسالة علمية، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية – غزة، 2021م.
- سليمان النبي الملك، منصور عبد الحكيم، دار الكتاب العربي، دمشق – القاهرة، الطبعة الأولى، 2020م.
- الأنبياء الملوك داود وسليمان عليهما السلام، د. علي محمد الصلابي.