أعطى كفار قريش الشاعر حسان بن ثابت مبلغاً من المال، وذلك قبل إسلامه، ليهجوا النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف حسان رضي الله عنه على ربوةٍ ينتظرُ مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، لينظر إلى صفة من صفاته السلبية فيهجوه بها، فلما مرّ الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ورآه حسّان، رجع إلى قريش، فرد لهم المال، وقال: هذا مالكم.. ليس لي فيه حاجة، وأمّا هذا الذي أردتم أن أهجوه، الّلهم إني أشهد أنه رسول الله.
فقالوا: ما دهاك؟ ما لهذا أرسلناك!
فأجابهم بهذا الشعر:
لمّا رأيتُ أنواره سطعت
وضعت من خيفتي كفّي على بصري
خوفاً على بصري من حسن صورته
فلستُ أنظره إلا على قدري
روح من النور في جسم من القمر
كحلية نسجت من الأنجم الزهرِ
فيا سبحان الله! فقد كاد أعداء الإسلام لهذا الدين بصور شتى، والشعر -وهو ما يوازي الإعلام في عصرنا هذا- أحد أكبر الوسائل التي يستخدمونها في تشويه هذا الدين، من خلال إبراز المنحرفين عقيدة، والشاذين فكرياً، والمرجفين والموتورين ومن في قلوبهم مرض، والذين سقطت بسببهم الخلافة الإسلامية، بدءاً من الخلافة الراشدة ثم الأموية ثم العباسية.. حتى آخر قلاع الخلافة العثمانية.
الإعلام سلاح خطير في كل الاتجاهات، ما لم نحسن استخدامه، فقد حاول البعض استخدامه لضرب فئات معينة، فدارت عليه الدوائر فناله منها نصيب، وإن كان في ذلك خطر على الأفراد والمؤسسات، فخطره أعظم على الأوطان والدين.
فلنحذر في استخدام هذه الوسيلة، ولنحذر أيضاً في التعامل معها، بعدم الانسياق العمياني دون التبصر والتأكد من النقل، وكم من كلمة قالت لصاحبها: دعني!
٭٭٭
يقول أحد الشباب: حدث خلاف بيني وبين والدتي، حتى وصل إلى اعتلاء الأصوات، وكان بين يدي بعض الأوراق الدراسية، فرميتها على المكتب غضباً، وذهبت إلى سريري والهم تغشى على قلبي وعقلي، ووضعت رأسي على الوسادة كعادتي كلما أثقلتني الهموم، حيث أجد أن النوم خير مفر منها.
وتوجهت في اليوم التالي إلى الجامعة، فأخرجت هاتفي وأنا على بوابة الجامعة، فكتبت رسالة أداعب بها قلب والدتي الحنون، فكان مما كتبت: سمعت أن باطن قدم الإنسان ألين وأنعم من ظاهرها، فهل يأذن لي قدمكم بأن أتأكد من صحة هذه المقولة بشفتاي؟
فلما وصلت إلى البيت وفتحت الباب، وجدت أمي تنتظرني في الصالة ودموعها على خدها، وقالت لي: لا.. لن أسمح لك بتقبيل قدمي، وأما المقولة فصحيحة، وقد تأكدت من ذلك عندما كنت أقبل قدميك ظاهراً وباطناً يوم أن كنت صغيراً، ففاضت عيناي بالدموع.
نعم.. انهم الآباء، سيرحلون يوماً بأمر ربنا، فَتقربوا لهُم قبل أن تفقدوهم، وإن كانوا قد رحلوا فترحموا عليهم وادعوا لهم.
هذه من لطائف الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله -بتصرف- وكم نحن بحاجة للذكرى، لعل الذكرى تنفع المؤمنين.
٭٭٭
«لم أجد في وصف الحياة إلا أنها تجارب، فإن لم تتعلم من الضربة الأولى، فأنت تستحق الثانية!» (علي الطنطاوي).
__________________
المصدر: «الوطن».