كاتب المدونة: محفوظ الرحمن عبدالرحمن (*)
من المعلوم لدى الجميع بأن جمهورية بنغلاديش دولة مسلمة، الأغلبية الساحقة من شعبها وسكانها مسلمون، الإسلام ما زال سائداً فيها منذ قديم الزمان، قبل استقلالها وبعدها، حتى قبل سيطرة الإنجليز عليها.
فهي دولة مسلمة سُنية تتمتع بالجو الديني، وبالثقافة الإسلامية في أغلب أنحائها تبرز الطابع الديني في أكثر سماتها، رغم أنها ليست بإسلامية بجميع أشكالها، ومن كل أطرافها؛ بل هي دولة إسلامية بالنسبة إلى أكثر شعبها من المسلمين، فأجدر بها أن تسمى دولة مسلمة قبل أن تسمى دولة إسلامية، بيد أن تقاليد الإسلام وخصائصها تبرز في جميع أنحائها بشكل يجذب الأنظار ويلفت الانتباه حتى يتأثر بها غير المسلمين، وسنسلط الضوء في هذا المقال على هذا الجانب بالخصوص.
السمة الدينية في المجتمعات
ستلاحظ هذه السمة الدينية في المجتمعات بشكل عام حين يلتقي بعضهم مع بعض فيبدأ بالسلام تحية أهل الإسلام، ويصافح ويبتسم على وجه أخيه حين يلقاه وجهاً بوجه، وقد يلتقون في الملتقى، والمنتدى، والندوات، فيلقي واحد كلمات ويستمع الآخر فيبسمل في بداية كلامه وفاتحته أو يسلم -على الأقل- على المستمعين الحاضرين ويختم كلامه بالتسليم أو بكلمة «الله حافظ»، فتبرز حينئذ السمات الدينية بشكل واضح، وتبدو الخصائص البارزة للإسلام حين اللقاء والزيارة عند التحية والمجاملة، فيسأل أحدهم عن حال الآخر ويجيب بالحمد لله، هذا إن دل على شيء دل على الجذر الإيماني في فطرتهم التي فطر الله الناس عليها.
السمة الدينية في القرى والأرياف
إن أكثر ما تبدو هذه الخصائص بارزة في القرى والأرياف بين أهاليهما من عوام الناس وجهالهم، فحين تتجول وتطوف تشاهد الناس أكثرهم ملتحين، على رؤوسهم القلنسوة يملؤون المساجد، والمحافل، والندوات الإسلامية، فهم مع بساطتهم يتبعون علماءهم في الدين، راجين الخير لأنفسهم في شؤون حياتهم، فرجاحة عقولهم وحصافة آرائهم تساعدهم على اختيارهم السديد للعلماء وأئمة الدين قدوة يحتذون به وأئمة يقتدون بها في مجالات الحياة، فالناس في القرى خاصة يتبعونهم ويقتدون بهم في صلواتهم وفعالياتهم الدينية.
وحين يطلع الفجر ويستيقظ الناس للصلاة تشاهد هناك الأجواء أكثر هدوءاً وطمأنينة، وبعد الفجر يخرج الأطفال إلى الكتاتيب والمدارس أفواجاً معلقين المصاحف على الصدور، مبتسمين بعد أن توقظهم أمهاتهم مبكرين.
وحين تستنشق نسمات الصباح العليل، متجولًا بين الأزقة والحارات، تستمتع بأصوات القرآن التي تترنم من أخدار البيوت، تتلوه النساء والفتيات بعد الصلاة مباشرة، مشهد يأسرك بجماله ويمنحك شعورًا بالسكينة والصفاء وسط عبق الهواء الطلق.
السمة الدينية في سياسة البلاد
وإن كانت سياسة البلاد لا تقوم لصالح الإسلام والمسلمين ولا تمت للإسلام بصلة، غير أن الإسلام والمسلمين لهما دور فعال في تغيير السياسة وتقليبها رأساً على عقب، فلا مساغ لأحد أن ينكر فضله في السياسة والسيادة، من حيث إنه يؤثر على المجتمعات بالنسبة إلى أكثر المتحمسين له، فيضطر أكثر المترشحين قبيل الانتخاب بالبرلماني أن يتزين ويرتدي بأزياء دينية وبألبسة شرعية؛ فيضع القلنسوة على رأسه ويأخذ المسبحات بيديه، ويكثر أن يشهد المساجد والمحافل الدينية والمراكز الإسلامية ويمني الناس الأماني السياسية الباطلة التي لا حقيقة لها، وذلك كلها لتحصيل ثقتهم واعتمادهم على حساب الآخرين.
السمة الدينية في السوق والمدينة
والأسواق والمدن فيها أكثر شيوعاً للسمة الدينية حتى تشاهد الحوانيت تتزين باللافتات القصيرة الإسلامية المكتوبة فيها آيات من القرآن أو الأحاديث القصيرة المترجمة وتستمتع فيها بأناشيد وتلاوات قرآنية -وإن كانت مثل هذه الدكاكين أقل بقليل- إضافة إلى ذلك تجد التجار أكثرهم محبين للدين ولأهله، متبرعين له وللمحتاجين حتى إن الصعاليك يقدم عليهم كل يوم باسطين أكف الضراعة ولكنه لا يزعجهم ولا يملهم رغم أن ما يتبرعون به شيء بسيط.
الأجواء الدينية في المساجد والمراكز والمحافل
دولة بنغلاديش تكتظ بالمساجد والمدارس والمعاهد الإسلامية حتى إن عاصمتها دكا تشتهر بمدينة المساجد، فهذا إن دل على شيء يدل على حب أهلها للإسلام والدين، فهذه المساجد تمتلئ بالمصلين يوم الجمعة في الأسبوع وهم يبكرون إليها ليستمتعوا بالتوجيهات الدينية والإرشادات الربانية من منابر الخطباء فيلقي الخطباء كلمات توجيهية قبل أذان الخطبة على ضوء القرآن والسُّنة، فيصغي الناس إليهم كأنما على رؤوسهم الطير وبعد الصلوات المفروضة يتدرب المصلون على تصحيح القراءة، ويستمتعون بقراءة الكتب الدينية وترى الناس أيام الشتاء يشهدون المحافل والندوات الإسلامية ليلاً، فيذهبون زرافات وأفواجاً مزدحمين على الطرق إليها ليترغبوا إلى الآخرة وليتمتعوا بقسط كبير من الراحة النفسية، فهذا والله من ثقافة بلادنا يدل على الجذور الإيمانية في أعماقها وغورها.
____________________
(*) كاتب ومترجم بنغلاديشي.