يعتبر القرامطة فرعاً من فروع شجرة التشيُّع الغالي، وهم إسماعيليون لحماً ودماً وعقيدةً، والإسماعيليون هم الذين أسسوا الدولة العبيدية (الفاطمية) في شمال أفريقيا ومصر
يعتبر القرامطة فرعاً من فروع شجرة التشيُّع الغالي، وهم إسماعيليون لحماً ودماً وعقيدةً، والإسماعيليون هم الذين أسسوا الدولة العبيدية (الفاطمية) في شمال أفريقيا ومصر، على يد عبيدالله المهدي (إمام الزمان)، وحركتهم في أساسها ليست إلا حركة شعوبية فارسية تبلورت على يد عبدالله بن ميمون القداح؛ بقصد هدم الدين من داخله، ولإرجاع مجد الديانات الفارسية القديمة كالزرادشتية والمانوية والمزدكية، وكلها ديانات وثنية تشترك بالإيمان بإلهين للشر والخير وتقديس النار مع درجات من الإباحية متفاوتة. في بدايات القرن الثالث الهجري، يئس الشعوبيون من الوقوف أمام الإسلام في عقائده وفكره؛ فجاهروا بالزندقة، ولما فشلوا لجؤوا إلى تنظيم الحركات السرية لتبدأ عملية الهدم باسم الدين، من خلال تحريف آيات القرآن الكريم بالتأويل، وإدخال مفاهيم مستعارة من دياناتهم المذكورة آنفاً. التستر بآل البيت نجح الإسماعيليون بإقامة الدولة الفاطمية بين (297 – 567هـ/ 909 – 1171م)، كما نجح القرامطة في تأسيس دولة لهم ذات طابع إباحي اشتراكي على ساحل الخليج العربي، ثم انتهت أواسط القرن الخامس الهجري، وكانت لهم دويلات في خراسان وإيران، أهمها إمارة الحسن الصباح الأب الروحي لحركة الحشاشين، والتي دوخت الشرق الإسلامي بعمليات القتل والاغتيالات لأهم قادته وعلمائه، وما بعض حركات الغلو الموجودة حالياً هنا وهناك إلا من بقايا هؤلاء الحشاشين والقرامطة الذين سقطت دولتهم على يد «هولاكو» عند غزوه للشرق، وأبرزهم في أيامنا هذه «النصيرية» في الشام، والذين سماهم الفرنسيون بـ«العلويين» زوراً وبهتاناً. لقد كان الغطاء لكل هذه الحركات هو التستر بحب آل البيت، والدعوة لهم، ولم يتركوا أي وسيلة غير شرعية، ظاهرية أو باطنية إلا واتبعوها تحت هذا الشعار، وبه صاروا هم المؤمنين وغيرهم من المسلمين مخالفين، ولم يترددوا بوصف زوجات الرسول “صلى الله عليه وسلم” بأسوأ الألفاظ وأقبحها، ولم يستثنوا أحداً من الصحابة كذلك، ومما لا تسمعه في أكثر المواخير عربدة وسكراً حتى صارت حسينياتهم لا تختلف عن المواخير في هذه الناحية ونواحٍ أخرى كممارسة البغاء باسم الزواج المؤقت، أو كما سماهم أحدهم بالزنا الشرعي، ولم يتردد قسم منهم بالتطاول على الرسول “صلى الله عليه وسلم” مما لا داعي لذكره، ومازالت هذه الظاهرة نراها إلى يومنا هذا في وسائلهم الإعلامية كافة، وفي كل فرقهم، فيصنفون أنفسهم على أنهم المسلمون، وينعتون حركتهم «بالثورة الإسلامية» والإسلام منهم براء. لقد وضع القرامطة الإسماعيليون هدفاً مركزياً لهم؛ وهو إسقاط فريضة الحج، فكرياً كما فعل الحلاج، وعسكرياً كما قام به قائدهم أبو طاهر الجنابي بعد أن استلم الأمر من إمام زمانهم عبيدالله المهدي، لأن الحج الحقيقي هو لقاء الإمام والعمل بأمره، وكل فرقهم تشترك في هذه الغاية وإن اختلفوا فهم يختلفون في الوسائل والتكتيك لا غير. سرية «التقية » لقد كانت الإسماعيلية التي نشأت منها (الفاطمية والقرامطة والحشاشون)، حركة بالغة السرية ومنظمة بشكل دقيق، حتى أن المؤرخ الإسماعيلي بندلي جوزي يؤكد أن الجمعيات اليسوعية والماسونية قد أخذت تنظيماتها من الإسماعيلية! ويقول كذلك: إن معظم زعماء الإسماعيلية والقرامطة وقادتهم السياسيين كانوا من الفرس المتعصبين لقوميتهم، والعاملين بكل الوسائل على إحياء ملكهم المندرس، بينما عبرت الفرق الأخرى عن هذه السرية بمبدأ «التقية»، وهو كتمان العقيدة وإظهار ما يموهون به على الناس منها. كان من أبرز قادة القرامطة أبو سعيد الجنابي، وهو فارسي الأصل والذي قُتل في الحمام عام 301هـ، وهو يروم الفاحشة بأحد غلمانه، وكان قد أخذ على عاتقه مهاجمة قوافل الحجيج وقتلهم ونهب ممتلكاتهم، ثم أكمل المهمة من بعده ولده أبو طاهر الجنابي. وكان أول ما نجح فيه أبو طاهر عام 312هـ، عندما هاجم مع «المؤمنين» من أتباعه قافلة للحجاج قادمة من العراق وبلاد الجزيرة، حيث لم يكتفوا بالسلب والنهب بل اتبعوا ذلك بقتل 2200 حاج من الرجال، و300 من النساء، وأخذوا 2200 حاج من الرجال، و500 من النساء أسرى إلى عاصمتهم «هجر» على ساحل الخليج، وكان العالم المحدث الجليل الشيخ الأزهري (ت370هـ) أحد هؤلاء الأسرى! وأما الفاجعة الكبرى، فقد جاءت بعد ذلك بخمس سنوات، حيث كان أبو طاهر الجنابي يعد العدة لتنفيذ أمر جاءه من إمام زمانه عبيدالله المهدي، وكان ذلك الأمر هو انتهاك حرمة الكعبة، وانتزاع الحجر الأسود، ونقله إلى الإحساء، والقضاء على الهالة التي كانت تحيط بالأماكن المقدسة ومن ثم الإجهاز على الإسلام كله. ففي عام (317هـ/ 930م) وفي موسم الحج وتحديداً يوم التروية، دخل أبو طاهر مع «أتباعه» من قرامطته، وامتثالاً لأمر إمام الزمان عبيدالله المهدي، الذي غرس في عقل أتباعه بأنه من نسل الأئمة، والذي أثبتت الدراسات التاريخية الجادة والمحايدة والتي قام بها مؤرخون كبار أمثال «بيرنارد لويس» و«دي خويه» وغيرهما بأنهم دعاة نسب كاذب، وما هم إلا أحفاد عبدالله بن ميمون القداح الثنوي الفارسي المجوسي، وأن جدهم الأعلى قد قتل في زمن الخليفة العباسي المهدي (158 – 168هـ) بتهمة الزندقة. دخل القرامطة مكة واتجهوا رأساً إلى المسجد الحرام، وتلى ذلك مأساة رهيبة لا يمكن وصفها كما يقول المؤرخ الكبير «دي خويه» في كتابه الشهير «القرامطة»، حيث أخذ المهاجمون يقتلون ويدوسون كل شيء ويصيحون بضحاياهم بسخرية «يا حمير ألم تقولوا في هذا البيت: من دخله كان آمناً؟ فأين حرمته وأمنه الآن؟!»، والناس تتعلق بأستار الكعبة والنساء والأطفال يركضون نحو أي مخبأ أو ملجأ ولم تكن في انتظارهم إلا السيوف! وما كان ذلك إلا تعبيراً عن حقد دفين وكراهية عمياء لكل ما يمت للدين بصلة وروحه الوقادة المتمثلة في الحج. تدنيس الحرم وبعد أن قلعوا الحجر الأسود وسرقوا نفائس الكعبة، استمروا بالمجزرة لثمانية أيام، وأرسلوا قسماً من النفائس والمنهوبات إلى إمام زمانهم في القيروان (الخُمس) والباقي جرى توزيعه على «المؤمنين!». في هذه الفترة تحول الحرم إلى إصطبل لخيولهم، ورُدِم بئر زمزم بالجثث، وفرشت باقي الجثث في باحة المسجد حتى تعفنت، وكان مجمل القتلى في مكة وشعابها أكثر من ثلاثين ألفاً، ولم يقف في تلك السنة أحد في عرفة وما بعدها من المشاعر. وكان أبو طاهر يتنقل من مكان لآخر ومن جماعة لأخرى وهو يدعو أصحابه وهم سكارى وفرحون بما غنموه من مال وحلي بعد أن أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار (هكذا يصورون من يطوف حول الكعبة ويقبل الحجر الأسود، الذي قبله الرسول “صلى الله عليه وسلم”)، ودكوا أركان الكعبة حتى لا يبقى منها أثر! وينقل «دي خويه» عن قرمطي بقوله: استعمل أحد الأسرى لخدمته، وبعد أن سكر في إحدى الليالي استدعاه وسأله: ما تقول في محمد هذا صاحبكم؟ قلت: لا أدري، ولكن ما تعلمني أيها المؤمن أقول، فقال: كان رجلاً سائساً، ثم تطاول على الخلفاء الراشدين بدون استثناء حتى على علي رضي الله عنه الذي يدعون حبه وحب آله، عند ذلك قال الرجل: إني أيقنت بأنهم زنادقة ولا يعترفون بأحد، وما هذه الأمثلة إلا دلالة أكيدة على باطنيتهم وكرههم للرسول “صلى الله عليه وسلم” وآل بيته الكرام. ويروي أحد الجرحى الملقى بين القتلى حول البيت، وعندما أحس به أحد القرامطة، سأله: «أتقرأ سورة الفيل؟ فقلت نعم، قال: فأين تلك الطير الأبابيل؟ فقلت: حيث شاء الله تعالى، فقال: يا حمار! تعبدون الحجارة وتطوفون بها وتلثمون أركانها وترقصون حولها، فما بال رؤوسكم إذا سنوا لها سنناً من الأباطيل لم يزلها منها إلا طنين السيوف، فعلمت أنهم زنادقة وبقايا أهل الردة!». لقد غرس دهاقنة الباطنية الإسماعيلية في عقول أتباعهم من القرامطة، أن مناسك الحج هي مناسك وثنية ولا غير، وأنهم هم أهل الحق لأنهم أتباع إمام الزمان! نهج الغلاة خرج أبو طاهر من مكة ومعه الحجر الأسود ونفائس الكعبة وكل ما استطاع حمله من أموال منهوبة وهو ينشد: فلو كان هذا البيت للّه ربّنا لصب علينا النار من فوقنا صبا لأنّا حججنا حجة جاهلية مجللة لم تبق شرقاً ولا غرباً وإنّا تركنا بين زمزم والصفا كتائب لا تبغي سوى ربها ربا ولكن ربّ العرش جلّ جلاله لم يتخذ بيتاً ولم يتخذ حجبا والمتمعن لهذه الأبيات يلاحظ بدون أدنى شك بأن هدف القرامطة كان نسف ركن الحج من أساسه، ولم يكونوا مجرد لصوص كما يحلو للبعض تصويرهم، فقد عملوا على زرع أفكار سخيفة بكون المناسك لا تعدو إلا طقوساً وثنية يجب أن تمحى بالقتل والسيف، وهذا هو نهج كل الغلاة، حيث تحريف المعتقدات هدفهم الأسمى مهما كانت الوسائل، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، وكان فلاسفتهم وتحت غطاء التصوف قد ألغوا ركن الحج كالحلاج (244 – 309هـ) حيث عمل كعبة في داره يطوف حولها، وجعل الحج كله لقاء الإمام ومشاهدته مما لا مجال للخوض فيه. لقد أراد أبو طاهر وهو الواجهة الحقيقية لعبيدالله المهدي – إمام الزمان – أن يثبت بأن الله تعالى لم يتدخل لحماية بيته، وأن عامة المسلمين لن يستنتجوا إلا كون دينهم مجموع خرافات، ولكن هذا ما خاب به ظنه، فلا يعرف التاريخ وإلى يومنا هذا بيتاً تتعلق به القلوب وتهفو إليه الأرواح كبيت الله الحرام في مكة المكرمة. توفي أبو طاهر عام 332هـ بمرض الجدري، وهو لا يدري أنه مات بالأبابيل الجرثومية التي استهزأ بها، فتآكل جسده وهو حي وعانى من سكرات الموت وعذابه، وقد أكل الجدري وجهه وأفقده بصره بعد أن كان قد فقد بصيرته! انكشفت لعبة القرامطة والإسماعيليين، واكتشف المسلمون زندقة القوم، ولهذا فعندما عرض الخليفة العباسي على القرامطة إرجاع الحجر الأسود نظير مبالغ طائلة، أجابوه: «أخذناه بأمر وما نرده إلا بأمر»، عندها رضي المنصور الفاطمي حفيد عبيدالله المهدي بإعطاء الأمر عام 339هـ لرعاياه من القرامطة بإرجاع الحجر الأسود وليبدو في نظر أهل مصر من السُّنة بأنه حامي الدين! إن جميع فروع شجرة الغلو يشتركون بذات الأهداف، ولكن بأساليب متباينة، فهاهم الاثنا عشرية يتكلمون عن مهديهم المنتظر وإمام زمانهم وحول هدفه بإلغاء الحج ولكن بأساليب ملتوية، وهذا الاختلاف في الوسيلة ما هو إلا انعكاس للخلاف القائم بين فرق الغلو على المنصب والمال الذي يجمعونه من السذج والبسطاء والدهماء باسم إمام الزمان، ذلك الإمام الذي يصورونه كمنقذ منتظر، وغالباً ما ينتظر البسطاء منقذاً تتعلق به أحلامهم، فقد قال أحد غلاتهم وهو محمد بن علي الشلمغاني، حيث كان على خلاف مع سفيرهم الثالث الحسين بن روح النوبختي على نيابة المهدي الغائب في سرداب سامراء وخصوصاً بما يتعلق بالخمس: «.. لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف» (بحار الأنوار). وعليه فإمام آخر الزمان المهدي الغائب، هو غير إمام الزمان عند الإسماعيلية، وقد وردت روايات شيعية بشأن مهمته لا تختلف مطلقاً عما قام به إمام القرامطة والإسماعيلية عندما استباح الكعبة، فقد نسبوا روايات وأحاديث بهذا الشأن تدل على شعوبية وكراهية متأصلة للعرب، فعن أبي عبدالله (جعفر الصادق): «ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح، وأومأ بيده إلى حلقة»، (بحار الأنوار «الغيبة» للنعماني)، وهو يقصد أن الكلام منسوب للمهدي الغائب، وقد نسي الشعوبي الذي وضع هذا الحديث أن الأئمة الذين يسعون من أجل إعلاء كلمتهم كانوا عرباً أقحاحاً ويروون: «اتق العرب، فإن لهم خبر سوء، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم أحد» (الغيبة للطوسي). وأما عن نيتهم تجاه الحج وشعائره فقد رووا: «كأني بجمران بن أعين وميسر بن عبدالعزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة، (بحار الأنوار)، وعن أبي عبدالله قال: «القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى أساسه»(الغيبة للطوسي). وكعبتهم المقصودة هي الكوفة، ومسجدهم الحرام هو مسجد الكوفة، وهنالك أحاديث منسوبة زوراً وبهتاناً لعلي رضي الله عنه، حيث يقول بشأن مسجد الكوفة وبحديث طويل: «.. ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه»، وفي سبيل هذه الغاية التي يسعون إليها، لا نشم إلا رائحة الموت والقتل والقسوة متى ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وما حوادث القتل والتفجيرات التي جرت في مواسم الحج عامي 1407 و1409هـ إلا انعكاس لهذه الأخلاق المتدنية والأعمال المشينة التي يمارسونها باسم الدين ولا غير. أصل العلويين إن ما يقوم به «نصيرية» الشام في هذه الأيام من مجازر رهيبة واستباحة في القتل والتشريد ما هو إلا انعكاس لهذه الأخلاق الفاسدة، وأما انتحالهم للقب «العلوية» فهو انتحال مزور كاذب، فهم أتباع أبي شعيب محمد بن نصير النميري، والذي كان يظهر الدعوة لآل البيت، وقال أولاً بنبوة الإمام العاشر علي الهادي (ت 245هـ)، وكان غالياً في شعوبيته، ثم ادعى النبوة في زمن الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر ت 255هـ) وأنه هو الذي أرسله، وكان يقول بإباحية المحارم ونكاح الرجال، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل، ونشر أفكار الإلحاد والحلول وإسقاط التكاليف، كما نشر أفكار التناسخ بين أرواح البشر والحيوانات، فهذه هي أخلاقهم فماذا ننتظر منهم أسوأ من الذي فعلوه في مكة وما يفعلونه اليوم في سورية، وما سيفعلونه في كل مكان وزمان عندما تسنح لهم الفرصة لذلك؟ وعليه لا يجوز مطلقاً تصنيفهم ضمن الفرق الإسلامية وتحت أي تبرير كان طالما استمروا في نهجهم الملتوي هذا وانتحالهم اسم الإسلام وهو بريء منهم.