نفرح لصمود المقاومة وثباتها ونشعر بالغصة للجراحات النازفة من أتون المواجهة ولحجم التآمر الدولي
ربما مثلي كثيرون يتابعون الشأن الغزي وتداعياته الإستراتيجية أكثر من انعكاساته الآنية على منطقتنا العربية والإسلامية، نفرح لصمود المقاومة وثباتها ونشعر بالغصة للجراحات النازفة من أتون المواجهة ولحجم التآمر الدولي والتواطؤ “الشرق أوسطي”!
حين نقلب منجزات المقاومة في غزة يأخذنا الحنين لانتصارات التاريخ, واستصحاب بطولات الفتوحات, ودحر الغزاة محاولين إسقاطها على واقع غزة بكل ما فيه من تحديات وتعقيدات.
وحين نحاول سبر مشهد الأحداث في غزة تتكشف لنا عمق المواجهة الدائرة التي تمثل ذُرا محاولات الإجهاز على نموذجها بكتم صوتها وخنق أنفاسها وحرمانها من الحد الأدنى للحياة حتى ترضخ لجلادها وتستكين –كما استكان غيرها– لإملاءات سيدها ومُنعمها الذي يسومها سوء العذاب إن حادت عن إرادته أو تجردت من عبوديته!.
لا عجب إذا ردد أحد الرؤساء في خلوة مع قادة فصائل المقاومة الفلسطينية يبلغهم بأنهم على خير درب ويحثهم على المضي في طريقهم, ويقسم لهم أنه لا يجرؤ على فعلهم دول مجتمعة بل يخشى حتى أن يصرح بدعمهم!
كان غريباً حين نشاهد هذا الاستبسال الذي أدته –وما زالت- فصائل المقاومة الفلسطينية في معركة العصف المأكول, والتي هالتنا كمحبين ومتابعين كم المفاجآت وحجم الصعقات التي منيت بها أجهزة العدو وحلفائه الظاهرين والمستخفين، تذكرت هذه الإرادة حين دقت أجراس كلمات وزير حكومة غزة “حماد” .. كرر مرات شعار المرحلة على وفدنا الزائر “نغزوهم ولا نغزونا”, كان تعبيراً واثقاً وتوصيفاً صدّقته الأيام, برغم أني فسرت حينها خطابه كلغة استعلاء يعيشها الحر المجاهد دون تحسب لحجم الصراع وطبيعة المتغيرات.
يثبت رجال غزة وحركة المقاومة الإسلامية حماس أنهم أمل ساقه الله على قدر منه، كيف حُولت دفة قلوب الجماهير المنهكة وعقول الحائرين في بلاد الشتات وأوصال الضفة المفككة؟!، بفعل الاحتلال تارة والخذلان تارات أخرى، لتتحول إلى هدير ينشد التحرير بسواعد مُتقدة وأفئدة مُلهِمة.
لقد حرّك صمود غزة في الأمة ما عجزت عن تحريكه قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمرات القمم الإسلامية بل والأمم المتحدة مجتمعة، لا أقول هذا على سبيل المبالغة فأكثر من 500 قرار تنقضه الولايات المتحدة بالفيتو الأعمى أصاب هذه المنظومة بشلل أمام “عجرفة” آخر استعمار يجثم في قلب العالم, ويهتك ما تقرر من اتفاقيات أممية وأعراف دولية تماهت أو تواطأت على خذلان شعوبنا المغلوبة، والتي يخرج من بين ركامها ورمادها اليوم جيل غزة ليعيد رسم المشهد وصياغة المعادلة بأسلوب جديد.
يقول الحكماء العارفون: ” المصيبة التي لا تقصم ظهرك فإنها تقويه”! وأحسب أن ما أصاب أهلنا في غزة وكل المحبين والناشطين من لأواء وإيلام لا يعد إلا فرصة تبعث في الأمة الأمل حين راهنت على خيار مقاومتها واستثمرت في تربية جيل لا يرى إلا التحرير سبيلاً للعتق من ربق الطغاة ونير الاحتلال.
نعم لم يكتمل المشهد بعد ولم تتكلل مطالب الغزيين حتى الآن لكن الوعد قريب بالنصر المبين والله معنا جميعاً ولن يترنا أعمالنا.