لا يزال الجدل مشتعلاً بمصر حول تنازل نظام السيسي عن جزيرتي “صنافير” و”تيران” للملكة العربية السعودية، ويدلي كل طرف بدلوه دفاعاً عن موقف النظام أو معارضة له وهو مؤيد بالوثائق التي تؤيد وجهة نظره، لكن المثير في الجدل أن من يدافع عن مصرية الجزيرتين متهم بأنه “إخواني”، في حين أن من يؤيد تنازل السيسي عنهما يوصف بالوطنية!
الجدل الدائر غارق في التفاصيل بدرجة تربك كل من يريد الغوص في بحر وثائق الجزر، ويمكن أن يخرج منها وهو غير قادر على تحديد موقف واضح، هل الجزيرتان مصريتان أم سعوديتان؟
الارتباك يرجع إلى تضارب وقائع التاريخ مع خرائط الجغرافيا، واحتمالات أن يكون الهوى السياسي قد فعل الأفاعيل فيها، فما بين كتابات محمد حسنين هيكل التي تعترف بملكية المملكة للجزر وتنازلها عنها لمصر، وخطب عبدالناصر الذي يؤكد فيه أنه سيواجه أي أطماع في الجزيرتين، وكتب الدراسات الاجتماعية المدرسية التي توضح للتلاميذ ملكية مصر للجزيرتين.
ومن تعليقات المعلقين المعترضين، لا تنصب اعتراضاتهم على منع المملكة من حقها في الجزيرتين لو كانتا تعودان لها فعلاً، ولكن معارضتهم تنصب على طريقة النظام في التعاطي مع القضية وإدارتها.. فمن ناحية، جاء التنازل عنهما للملكة في توقيت الإعلان عن استثمارات سعودية بخمسة وعشرين مليار دولار في مصر، كما جاء بدون إجراءات حددها الدستور، في مواده كطرح القضية للنقاش العام قبل اتخاذ قرار فيها؛ لأنها تمس أعمال السيادة، وتهم كل المواطنين، كما بدا من سلوك النظام المصري أنه لا يبالي بقرارات المؤسسات الأخرى كالبرلمان، حيث يتصرف وكأنه لا ينتظر موافقته على التنازل عن الجزيرتين أو أن موافقته مضمونة سلفاً، فقد قام بالتنسيق مع “إسرائيل” فيما يتعلق باتفاقية “كامب ديفيد”، ونقل التزامات مصر للمكلة فيما يتعلق بالجزيرتين.
تمهيد السيسي
ويبدو أن رأس النظام عبدالفتاح السيسي كان قد أتم الصفقة وهو يمهد لها بالقول باكياً قبل شهرين: “أنا لو ينفع أتباع كنت أتباع”، وكأنه يستجلب عطف الجماهير في حال تم الإعلان عن التنازل عن الجزيرتين.
ودعت قوى سياسية وشبابية لجمعة غضب ضد قرار السيسي واستخفافه برأي الشعب وهو يتخذ مثل هذا القرار المصيري، فيما فتحت أحزاب مقراتها لتسجيل المواطنين اعتراضهم على التنازل، وقام محامون بدعوة المواطنين لتحرير توكيلات لمقاضاة النظام ورأسه في قضية الجزيرتين، ووقف عملية التنازل عنهما، تحدد لها يوم 17 مايو القادم.
على جانب علماء النظام، قال مختار جمعة، وزير الأوقاف: إن ما يجري من اتفاقيات بين مصر والسعودية مذكور في القرآن قبل 1400 عام، مستشهداً بسورة و”التين والزيتون”، حيث قال في تصريحات خاصة لـ”وكالة أنباء الشرق الأوسط” على هامش المسابقة العالمية للقرآن الكريم بشرم الشيخ الأحد الماضي: إن كتاب الله عز وجل ربط بين البلدين في سورة التين حين قال سبحانه وتعالى: “والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين”، فالبلد الأمين هي مكة المكرمة، وبذلك ربط سبحانه وتعالى بين البقعتين المباركتين طور سيناء وبلد الله الحرام.
تحايل
على جانب المعارضين للقرار، قال د. حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية: ما أن أعلنت الحكومة المصرية إياها عن اكتشافها العبقري بأن جزر المضايق سعودية، وأنها كانت بحوزة مصر على سبيل الأمانة، حتى خرج علينا الإخوة الخبراء الإستراتيجيون، وباعة العلوم السياسية والقانون الدولي، مهللين للقرار، وممتدحين من اتخذوه، باعتباره قراراً حكيماً يرد الأمانات إلى أهلها!
وأضاف: خرج علينا هؤلاء متحررين من كل ما يستر عوراتهم العلمية والتاريخية والوطنية، تماماً كما كان يتحرر من انضموا لموكب الاحتفال بمولد “سيدي العريان” في فيلم “أمير الظلام”؛ وكلما انضم للموكب من يخلع عنه حياءه، استقطب بجرأته هذه آخرين ممن قرروا أن تتحول الدولة المصرية كلها لمقام “سيدي العريان”!
وقال: اجتزأ هؤلاء العرايا الحقائق التاريخية بما يخدم الطرح السعودي الذي “أذعن” له النظام الفاسد الذي يحكم البلاد، وغيبوا ما عداها من حقائق التاريخ والقانون التي تعبر عن أمة كنا نعرفها يوماً بالأمة المصرية، لم يتوقف أي منهم – ولو للحظة – عند كم التناقضات التي امتلأ بها طرحهم وطرح النظام للقرار الصاعق الذي اتخذه عقل مرتبك يحكم دولة أكبر منه ومنهم بكثير، كيف يقولون: إن الجزر سعودية ثم يتحدثون عن قرار بتعيين الحدود البحرية يتطلب موافقة البرلمان؟! لو كانت الجزر سعودية – لا خلاف على سعوديتها – ولو كانت في حوزة مصر على سبيل الأمانة، ما كان قد تطلب الأمر تعييناً للحدود يشترط موافقة البرلمان!
وقال أحمد قناوي، محامي الرئيس محمد مرسي في قضية ما يعرف إعلامياً بالتخابر مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”: بما أن الجزيرتين سعوديتان كما قال بيان مجلس الوزراء، فليس هناك تنازل عن الإقليم؛ وبالتالي الأمر خرج من رقابة مجلس الشعب؛ وبالتالي أمر الاستفتاء ليس له محل، الأمر يشبه الانسحاب من أرض محتلة، وبذلك يخرج النظام من مأزق مخالفة الدستور.