يفقتر النازحون في مخيم الخازر في العراق (40 كم شرق الموصل) إلى أبسط مقومات الحياة؛ ما دفع نائبة برلمانية إلى وصفه بأنه “مقبرة يقطنها أحياء”، في إشارة إلى سكان المخيم من النازحين من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (شمال)، ومحيطها.
دون حسم عسكري، تقترب المعارك بين القوات العراقية ومسلحي تنظيم “داعش” في الموصل (450 كم شمال العاصمة بغداد) من إكمال شهرها الثاني؛ ما دفع قرابة 90 ألف شخص من أصل نحو 1.5 مليون نسمة من مغادرة الموصل، التي تقطنها أغلبية من العرب السنة؛ هربا من المعارك.
نحو 45 ألفاً من هؤلاء النازحين توجهوا إلى مخيم الخازر (30 كم غرب مدينة أربيل)، الذي أنشأته وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، حيث يعيشون ظروفاً قاسية للغاية؛ في ظل نقص حاد في خيم الإيواء، والخدمات الأساسية الأخرى، ووسط انخفاض كبير في درجات الحرارة، وهطول غزير للأمطار؛ ما غمر الكثير من الخيم بالمياه.
البرد يطارد النازحين
وهي أوضاع دفعت عضوة لجنة المرحلين والمهجرين في مجلس النواب (البرلمان)، مهدي وردي، إلى وصف مخيم الخازر بأنه “مقبرة يقطنها أحياء”، موضحة أن “الجوع والعطش يحاصران سكان الموصل، والبرد يطارد النازحين”.
وردي، وفي تصريحات لوكالة “الأناضول”، أوجزت أوضاع النازحين بقولها: “يوجد أطفال لا يعرفون مصير أهلهم، وهناك حالات مغص معوي بسبب عدم وجود مياه صالحة للشرب، إلى جانب النقص الحاد في الدواء والمحروقات (الوقود) وانعدام التيار الكهربائي.. وقد سجلنا عشرات حالات الوفاة بسبب النقص الحاد في الاحتياجات الإنسانية”.
المخيم بأنه “أطلال يكاد العيش فيها يكون مستحيلاً مع الأجواء الباردة الماطرة الصعبة.. أعين النساء والأطفال تترجم هذا المشهد المأساوي الذي يعيشونه جراء نقص أبسط احتياجات الإنسان”.
ومضت قائلة: إن القصف العشوائي فصل بين أفراد العديد من العوائل؛ ما قاد مئات الأطفال إلى المخيم كملجأ يحميهم من شدة القصف، وهؤلاء يتمنون معرفة مصير ذويهم: هل هم أحياء أم أن القذائف سلبتهم حياتهم كما سلبت حياة العشرات من أبناء مناطقهم في الساحل الأيسر (الجانب الغربيي) للموصل؟”.
الشرب من مياه البرك
مع هذه الأوضاع المتردية، حذر رئيس “منظمة أمل الموصل” (غير حكومية)، شريف الراوي، من “وقوع كارثة إنسانية كبيرة في العراق؛ جراء ما يعانيه النازحون في المخيمات، والأهالي داخل الموصل”.
الراوي، وفي تصريحات لـ”الأناضول”، أوضح أن “مخيم الخازر يتسع لثلاثة آلاف خيمة، ويفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، وقد رصدنا حالات وفاة في المخيم بسبب البرد الشديد والأمطار وتفشي الأمراض الجلدية ونقص الأدوية”.
وبحسب الراوي فأن “الأهالي يشربون مياها ملوثة غير صالحة من البرك؛ ما أصاب عددا كبيرا منهم بالمغص المعوي.. هذا فضلاً عن عدم توافر الكهرباء، والأزمة الكبيرة في المشتقات النفطية (الضرورية للتدفئة)”.
الدفء في حفرة
في ظل نقص وقود التدفئة، “عمدت بعض الأسر النازحة من الموصل إلى إنشاء حفر عميقة، وتغطيتها بقطع من البلاستيك، ثم النزول فيها لتوفير الدفء، لكن هجوما مفاجئا للمطر حول هذه الحفر إلى برك تملؤها المياه، بحسب الناشطة المدنية في الموصل، سناء الأغا.
ووفق الأغا تواجه الجهات الحكومية المختصة، ومنظمات الإغاثة المحلية والدولية تحديات كبيرة في توفير الاحتياجات الأساسية للنازحين، في ظل شح الأموال، وصعوبة الوصول إلى مواقع تجمع النازحين في الخطوط الأمامية للمعركة.
أوضاع النازحين المتردية ترجعها الناشطة المدنية العراقية، في حديث مع الأناضول، إلى أن “الجهات المعنية وضعت خطة استيعاب للنازحين على أساس بقاء معظم سكان الموصل في مناطقهم”.
قبل أن تستدرك: “لكن توالي تدفق موجات النازحين، مع استمرار تقدم القوات العراقية في عمق الموصل، أربك هذه الخطط، لاسيما في ظل نقص التمويل؛ ما جعل الكثير من النازحين يواجهون البرد والمطر دون مأوى.. ومن يقرر من سكان الموصل البقاء في بيته، عليه مواجهة شبح الجوع والعطش ونقص الأدوية”.
وكانت الحكومة العراقية، برئاسة حيدري العبادي، أعلنت أنها تتوقع القضاء على “داعش” في الموصل قبل نهاية العام الجاري، لكن، ورغم إعلان القوات العراقية تحرير عشرات القرى والبلدات، بل وأجزاء من الموصل، فإن “داعش” يبدي مقاومة شرسة في شوارع بالمدينة التي يسيطر عليها منذ يونيو 2014م.
مناطق محررة
للحصول على وقود للتدفئة، يقف النازحون في طوابير وصفها رئيس لجنة المرحلين والمهجرين في مجلس النواب، رعد الدهلكي، بــ”المذلة”.
ومقابل من فضلوا النزوح من الموصل، آثر آخرون البقاء في منازلهم بالمناطق التي جرى استعادتها من تنظيم “داعش” منذ بدء العملية العسكرية الحالية في 17 أكتوبر الماضي.
وهؤلاء قال الدهلكي، في تصريحات لـ”الأناضول”: إنهم “يعانون أيضاً من ظروف قاسية، فهم يفتقدون كذلك أبسط مقومات الحياة الإنسانية، لا ماء لا دواء ولا طعام”.
وأوضح أن “سعر برميل النفط الأبيض (يستخدم لغرض التدفئة) وصل 600 ألف دينار (400 دولار أمريكي) وسعر كيس الطحين تجاوز 200 ألف دينار(150 دولاراً أمريكياً).. ناهيك عن هطول الأمطار الغزيرة”.
وتعرضت البنى التحتية الخاصة بالكهرباء والمياه والصحة والتعليم إلى التدمير في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من “داعش” في أطراف الموصل.
مناطق “داعش”
ووفق الفريق رائد شاكر جودت، قائد الشرطة الاتحادية، فإن “السكان الذي يعيشون في مناطق “داعش” بالموصل يعانون أوضاعاً مأساوية”.
جودت تابع، في تصريح مكتوب ورد “الأناضول”، أن “المواطنين يعانون من شح وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وانعدام الخدمات الطبية”.
ومضى قائلاً: إن “سعر برميل النفط الأبيض بلغ 550 ألف دينار (نحو 400 دولار)، بينما كان سعره نحو 40 دولاراً.. وكذلك ارتفاع أسعار الغاز المنزلي والطحين والمواد الغذائية الأخرى لعدة أضعاف.. “داعش” كدس عشرات الأطنان من الحنطة والمواد الغذائية في مسقفات (أماكن للتخزين) على طريق (قضاء) تلعفر – الموصل، ويرفض توزيعها على المواطنين انتقاماً منهم”.
وبشأن الوضع الصحي، قال قائد الشرطة الاتحادية: إن “الأدوية نفدت من صيدليات المدينة، وتوقفت عيادات السونار والأشعة عن العمل بسبب انعدام الكهرباء، وخرجت مستشفيات الجانب الأيسر من المدينة من الخدمة.. يوجد مستشفى أو اثنتان في الجانب الأيمن، لكنهما تفتقدان لمعظم العلاجات والفحوصات”.
ووفقاً لتقارير منظمات دولية متخصصة، انقطعت المياه الصالحة للشرب عن 650 ألف شخص، أي 40% من إجمالي سكان الموصل، فيما تنفد الاحتياطيات الغذائية تدريجيا مع استمرار المعارك.
ولاستيعاب النازحين، أنشأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مخيمات قرب الموصل، منها مخيم ديبكة (115 كم جنوب شرق الموصل)، فضلاً عن مخيمات أخرى أنشأتها وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، منها مخيم منطقة الخازر، ومخيم الشيخان في قضاء الشيخان (45 كم شمال الموصل).