شبكات التواصل الاجتماعي فتحت فضاء ومجالاً جديداً للشعوب، غيرت وبدلت معادلات وأنماط كثيرة، وهي بمثابة مجتمع افتراضي وواقعي في ذات الوقت.
الثورة التي أحدثتها التكنولوجيا ربما نقول: إنها أحدثت أيضاً ثورات أخرى في التواصل البشري، وطرح عالم الأفكار والمشاريع الفكرية والمادية، ربما أننا ما زلنا في مرحلة استكشاف التطورات التقنية التي تستجد يوماً بعد يوم، حتى إن الإعلام التقليدي أضحى يخشى على قاعدته التاريخية من الزوال في ظل التطور التكنولوجي الصادم، المنتج الجديد يقود إلى أخلاقيات وظواهر تستجد بسببه، فالتقليد له نمط العلاقات التراتبية التقليدية، أما الجديد فلا قواعد له، هو إنتاج اللحظة وثورة على الواقع، وشبكات التواصل هي كذلك.
المسألة الأخلاقية في الإعلام القديم كانت وما زالت مؤطرة بقوانين وأعراف مهنية من الصعب أن يتم تجاوزها، فعلى سبيل المثال الحوار الصحفي يخضع لعملية من التحرير والتنقيح ولا يخرج إلا بعد سلسلة من المراجعات التي ترضي السيد المسؤول، والتلفاز كذلك بما فيه البث المباشر، كلها تخضع لسيطرة ورقابة صارمة من الصعب كسر قيودها، أما المارد الجديد فلا مكان للمخرج ولا لمقص الرقيب، إنما الرقب هو الذات المجردة من كل سطوة غير سطوة العقل والنفس.
أي مجتمع له سمات ثقافية تتكون بظروف التنشئة الاجتماعية والسياسية التي تؤطر هذا المجتمع وتحاول أن تشذب شكله الخارجي لسياسات وأفكار معينة، منها ما هو صالح للإنسان ومنها ما هو فاسد وفاشل وغير طبيعي أن يكون، حيث على سبيل المثال بعض الشعوب يراد لها أن تكون جلها على قلب وعقل واحد وتتبع رأياً واحداً، وهذا ينافي العقل والمنطق، فالشعوب وإن كانت تتحدث اللغة الواحدة فهي تختلف في لهجاتها، وكذلك الأفكار التي تؤمن بها يختلف شكل هذا الإيمان من عدمه، لهذه الشعوب أو الشعب من الطبيعي أن يختلف في أفكاره وقناعاته وسلوكه.
كما أشرنا في المقدمة أن أي تقنية جديدة تفرض نوعاً جديداً من السلوك الثقافي والأخلاقي، في شبكات التواصل الاجتماعي هناك مظاهر وأفكار منها ما هو صالح للنفس والعقل، ومنها ما هو الفساد بعينه، من الإشكاليات التي تتكرس في شبكات التواصل هو ثقافة الاحتراب والفجور في الخصومة، وأيضاً ثقافة التعامل الدوني مع الخصوم، حيث اختلاف الأفكار يقود بعض الأفراد إلى مستوى من التعصب الذي يصل إلى استدعاء الطرف الأمني أو الجماهيري للقمع، هناك أحداث وقصص تحدث كل يوم، ترى فيها المجتمع كالطوفان يأكل بعضه بعضاً، دون قضية، وتجد في ذات الوقت أن بعض الأفراد “الحسابات” تتخصص في التربص “الإستقعاد” على الآخرين، أي أن هناك مسألة أخلاقية هي إسقاط الأفراد وأفكارهم بطريقة لا أخلاقية.
المجتمع السعودي والعربي زاخر بالإشكاليات السياسية والدينية والتنمية التي لا يمل من طرحها، لكن يتحول هذا في شبكات التواصل إلى حالة من الخوف والريبة والاحتراس والترصد ولدى البعض التربص في ممارسة التنمر الإلكتروني وربما التشبيحة، ربما صدق من قال: إن الجماهير لا عقل لها، وهذا يلاحظ عند قراءة ما يحدث في الهاشتاجات النشطة، في بعض الأحيان يقود هذا التفاعل الجماهيري القضية أو الموضوع إلى مسارات غاية في التعامل اللاأخلاقي، هناك تفاعلات محمودة وإيجابية في نصرة المظلوم وإعانة ذي الحاجة في المجتمع، والكثير من أفعال الخير التي لا تنتهي، وهي ما تجعل من شبكات التواصل في بعض الأحيان شيئاً من التوازن الذي يخفف من حدة السخافات والخصومات التي تحدث في الفضاء الإلكتروني.
من الغرابة أن الخصوصية الذاتية والأسرية أصبحت تفاصيل مجدولة لدى البعض، من الطعام والشراب وحتى أدق اللحظات التي لا معنى لها، يتهافت الجمهور على المتابعة رؤية ماذا يأكل وكيف يأكل، ومن قابل وماذا قال، وتفاصيل لا تنتهي وهي في أغلب الأحيان غير مفيدة في شيء، ربما أن الحالة تحولت إلى ظاهرة يتهافت عليها البعض لكي يكون نجماً اجتماعياً حتى لو تحدث بالتفصيل الدقيق عن جل تفاصيل يومه، ربما يقول البعض: لا شيء لديَّ أخفيه عن الناس! ربما أن الأصل يكون هو لماذا تعلنه لكي تبرر أنه لا شيء يستحق أن يخفى؟
هناك ثمة إشكالية أخلاقية ربما المقال لا يستطيع إيجازها، لكن هي بمثابة ظاهرة تستحق أن تدرس بكافة تفاصيلها، أي أنه يمكن دراسة كيف تؤثر أخلاقيات هذه الشبكات ونؤثر فيها؟ كيف هو التفاعل الأخلاقي مع القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها؟ وكيف وماذا طبيعة الإشكاليات الأخلاقية؟ ربما أن الفضاء الإلكتروني واسع وكبير ومن الصعب رصده، لكن ما لا يُدرَكُ كُلُّه لا يُترَكُ جُلُّه.
المصدر: نوافذ.