يترقب السودانيون المعتصمون أمام مقرات الجيش في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، الخطوات المنتظرة لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الجديد عبد الفتاح برهان، عقب ساعات على تعيينه في منصبه مساء الجمعة.
ويرى مراقبون أن الأمور تتسارع باتجاه التصعيد إذا لم يستجب برهان لمطالب الشعب، رغم مظاهر القبول والرضا التي بدت مساء الجمعة، عقب تعيينه.
وتتمثل مطالب المحتجين في محاكمة رموز النظام السابق، وتسليم السلطة لحكومة مدنية، وحل هيئات وقوات تتبع للنظام السابق، مثل “الدفاع الشعبي، والأمن الشعبي، والأمن الطلابي”، ومحاكمة مرتكبي الجرائم ضد المتظاهرين في الأحداث الأخيرة.
والمعروف أن برهان عسكري لم يُؤطر سياسياً ضمن منظومة حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقاً)، وهو رجل نزيه في ظل حكم اتهم أفراده بالفساد، لكن ذلك قد لا يشفع له كونه لم يتخذ خطوة تجاه الشعب، بحسب “الأناضول”.
ولعل ما ساهم في تأخر تبلور رأي واضح حول برهان، هو أن الأخير غير معروف إعلامياً، وبعيد عن الأضواء، رغم أن تحالفات المعارضة والمهنيين والمعتصمين، أجمعت على أن ما حدث الجمعة، هو “انقلاب جيد” على “انقلاب سيئ”.
ويتضح مما ما سبق، طبيعة الجبهة الأولى التي تواجه الرجل، وهي التحدي الأقوى الماثل أمامه حالياً، وقد يكون لها تأثير في مساره على قمة المجلس العسكري.
ومن المرجح أن تكون استقالة مدير المخابرات والأمن صلاح قوش، اليوم السبت، التي قبلها رئيس المجلس العسكري، “خطوة تمهيدية” لقبول الأخير جماهيريًا.
وقد تكون هذه الاستقالة مرضية للمحتجين والمعتصمين، ولكنها غير كافية لأنهم يطالبون باعتقال قوش ومحاكمته، باعتباره مسؤولا عن مقتل عشرات خلال الاحتجاجات، بوصفه مديرا للأمن السوداني.
لكن المؤكد بحسب كثيرين، أن قبول برهان لدى قادة الجيش والأمن والمخابرات والدعم السريع، هو العامل الذي أسرع من قرار تعيينه في المنصب.
ويرى مراقبون أن مواجهة الدولة العميقة التي كرسها نظام البشير في السلطة من سياسة التمكين لعناصرها، وقيام مؤسسات كبرى وتنظيمات عسكرية تخضع بالكامل للولاء التنظيمي، ستجعل مهمته صعبة.
يضاف إلى ذلك السيطرة الاقتصادية لشركات حكومية لمؤسسات الدولة من أمن وجيش وشرطة، وكذلك الشركات التي يملكها أفراد الحزب الحاكم، قد تعقّد عمل الرجل في الوقت الراهن.
ويرى البعض أن برهان أمام طريقين متوازيين لا يلتقيان، مطالب المحتجين والمعارضة من جهة، وتشبث الإسلاميين والموالين لهم بالسلطة من جهة أخرى.
ويمكن لتقاطع هاتين المجموعتين أن يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء إذا تمسك كل طرف بمطالبه.
فيما يعتقد بعض المراقبين أن الأمر يمكن حله بشكل أكثر سهولة، وهو محاولة الاتفاق على نقاط أساسية تتمثل في تنفيذ بعض البنود التي قد توجد واقعا جديدا يمكن أن يصحبه تغيير شامل في المستقبل.
وذلك من خلال تنازل “تجمع المهنيين” وحلفائه في المعارضة، عن أي نقاط التزمت بمحاولة استقطاب برهان لصالحهم في تحقيق قيام حكومة مدنية، يلي ذلك اجتثاث جذور دولة الرئيس المعزول عمر البشير العميقة.
وفي كل تطورات المشهد، لا يغيب دور مهم آخر قد يعجل بـ “برهان” كسابقيه، ولكن بطريقة أخرى، وهو حدوث انقلاب آخر من أطراف داخل الجيش لا علاقة لها بالقيادة المحسوبة على النظام السابق، ورافضة لـ “برهان” وقادة الجيش الذين صعدوا طوال السنوات الماضية على قمة الهرم العسكري بفضل علاقتهم بالنظام.
وبذلك تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، وهذا ما ستكشف عنه الساعات القادمة، في سودان يشهد تنازعا شديدا بين أطراف وقوى متنافرة في الأغلب، وأخرى تتلاقى في بعض النقاط وتختلف في أخرى.