وفاء لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، نود الإشارة إلى أن “المجتمع” تعيد نشر كلمات سموه بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك حتى عام 2018، أعدها الكاتب الإعلامي د. عصام الفليج في كتاب ضمن سلسلة “مآثر صباح الخير” (5).
الكلمة السادسة لعام 1432هـ/ 2011م:
بسم الله الرحمن الرحيم..
(إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) صدق الله العظيم.
الحمد لله الذي وفقنا لإدراك شهـــر الصيام والقيام، نحمده فله الحمد والثنــــاء في البدء والختــــام ونصلي ونسلم على نبينا محمد عبده ورسوله خير الأنام، وعلى آله وصحابته الكــــرام متضرعين إلى المولى تعـــــالـــى أن يتقبل صيامنا وقيامنا، وأن يحفظ وطننــــا الكويت، ويجعله بلداً آمناً مطمئناً دائماً وأبداً.
إخواني وأبنائي وبناتي..
أهنئكم بما تبقى من شهر رمضان المبارك وبالعشر الأواخر منه، أعاده الله على الجميع وعلى وطننا العزيز وهو يرفل بأثواب العزة والفخر، وعلى أمتينا العربية والإسلامية بوافر الخير واليمن والبركات، وقد تحقق لهما الرخاء والازدهار.
لقد خص المولى تعالى شهر رمضان الكريم بالتشريف والتكريم، فأنزل فيه كتابه العزيز هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، وفرض صيامه، وحث على اغتنام أيامه ولياليه، فهو شهر القرآن قراءة وتدبراً ينهل منه المؤمنون الرشد والهداية والفلاح، هو شهر الجد والصبر والمواساة، فيه تتواصل الأرحام وتتوثق عرى المحبة والتواد، وتسمو فيه نفوس المؤمنين إلى بارئها خاشعة تائبة منيبة، مستلهمة المعاني الجليلة لهذا الشهر الفضيل.
إخواني وأبنائي وبناتي..
لنتذكر دائماً ما أنعم الله به علينا من نعمه الجليلة، وإحسانه العظيم، حيث منَّ علينا بنعمة الإيمان، وأفاء علينا وعلى وطننا كل خير وعطاء، وأحاطنا بالتواد والإخاء، في ظل وحدتنا الوطنية التي هي معدن وجودنا وهي نعم تستحق الحمد والشكر، وتستوجب المحافظة عليها بمداومة الثناء للمولى جل وعلا، وبالمزيد من العطاء لخدمة وطننا العزيز، والإخلاص له والحفاظ على أمنه واستقراره، وتقدمه وازدهاره.
إن تعاليم ديننا الحنيف، وقيمه السامية، تحثنا على تجسيد فضيلة الأمانة، والمحافظة على قيم الدين وحقوق الوطن وحمايتها من دواعي التفريط والإهمال، والبعد عن مظاهر الهدر والإسراف، إن أهم معاني الأمانة أن يحرص الإنسان على أداء واجبه كاملاً في العمل الذي يؤديه، وأن يسهر على حقوق الناس التي أؤتمن عليها.
إن الحكمة تقتضي منا أن نراقب ونستوعب ما يدور في عالمنا من متغيرات وتطورات، فعلينا أن نستشعر مخاطر الأزمة الاقتصادية العالمية، وانعكاساتها، وآثارها السلبية على اقتصادنا الوطني، وأن نعمل جميعاً يداً واحدة لإصلاح الخلل في وضعنا الاقتصادي، وقد كلفت قبل أيام قليلة مجموعة من الكفاءات الوطنية المتخصصة برئاسة سمو الأخ الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء لإيجاد أفضل الحــــلول العمليــــة الكفيلة بمعالجة الوضع الاقتصادي، وتقوية أركان اقتصادنا الوطني، لتحقيق التنمية الشاملة وتلبية طموحات المواطنين في حاضر آمن، ومستقبل زاهر لأجيالهم القادمة، وما من شك في أن هذا التوجه الوطنـــي مسؤولية الجميــــع “فكلكــم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وهو ما يستوجب التفهم، والتعاون الإيجابي، والعمل الجاد بين الجميع لتحقيق الهدف المنشود.
في هذا السياق، فقد دعوت الحكومة للإسراع في إنجاز مشروع القانون الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإحالته لمجلس الأمة، وتأمين كافة متطلبات نجاح هذه الهيئة للقيام بمسؤولياتها، وضمان انضباط جميع الأعمال والأنشطة الحكومية، وفق أطر ومعايير النزاهة والشفافية، وتكافؤ الفرص التي تحقق العدالة، وتدفع مسيرة العمل الوطني في الاتجاه الصحيح، فالفساد هو الآفة المهلكة لتوجهات الإصلاح والتنمية.
إخواني وأبنائي وبناتي..
لقد أكدت في مناسبات عديدة على أن ثروة الوطن الحقيقية تكمن في شبابه، فهم عدته وعماده وأمله في بناء حاضره ومستقبله، لذا فإن علينا استثمار الطاقات البشرية والإبداعية الواعدة في شبابنا، وصقل مواهبهم، وتحفيزهم على العطاء والمشاركة في تنمية الوطن، ولن يتأتى ذلك إلا بتقويم وتطوير مؤسساتنا ومناهجنا التعليمية، والرقي بنظامنا التعليمي ليتمشى مع متطلبات العصر، فبناء مستقبل الوطن لا بد وأن يواكبه عملية بناء الإنسان الكويتي وإعداده، وعلى أبنائنا الطلبة والطالبات تسخير مواهبهم، وتكريس طاقاتهم، واستغلال أوقاتهم للنهل من العلم والتحصيل، والتزود من معارف وعلوم العصر، وعليهم ألا يلتفتوا إلى ما يروج من دعوات تشغلهم وتبعدهم عن طلب العلم والتحصيل.
إن عالم اليوم تتناوله الأهواء، وتتجاذبه الآراء، خاصة في ظل ما نشهده من انفتاح وتطور إعلامي، وهو الأمر الذي يتوجب معه النصح والتوجيه لأبنائنا حتى يسلكوا الطريق الذي يكفل لهم الارتباط بوطنهم والتمسك بعقيدتهم.. فالكويت اليوم أحوج ما تكون لأبنائها من أي وقت مضى، فبارك الله فيهم وبعلمهم ونفع بهم الأوطان.
إخواني وأبنائي وبناتي..
إن التعاون بين سلطات ومؤسسات الدولة المختلفة هو أساس لأي عمل وطني ناجح، وهو الأسلوب العلمي الأمثل لإنجاز كافة القضايا المهمة التي تهم الوطن والمواطنين، إن التعاون المنشود بين هذه المؤسسات هو ما يقوم على الحوار، وتبادل الآراء، والتشاور بروح ديمقراطية بعيداً عن التطاول والتشاحن وصولاً إلى بلوغ الرأي الأصوب، والغاية المثلى لمصلحة الوطن في حاضره ومستقبله.
إنني لعلى ثقة بأنكم، إخواني وأبنائي المواطنين، ستكونون خير عون لمواجهة كافة معوقات التنمية في البلاد، التي نتطلع لتحقيقها، وتعملون كل ما فيه خير ومصلحة للوطن، والحفاظ على ثرواته ومكتسباته لتحقيق الرخاء للجيل الحاضر، وللأجيال القادمة.
إخواني وأبنائي وبناتي..
إذا كانت حرية القول والتعبير مكفولة للجميع، فان ذلك لا يعني استخدامها للمساس بوحدتنا الوطنية وبالثوابت التي تعارفنا عليها، وسار عليها الآباء والأجداد.
وإنني أدعو القائمين على كافة وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة أن يتقوا الله تعالى في وطنهم، وأن يمارسوا دورهم الإعلامي بوعي ومسؤولية، دون تضليل أو تهويل أو إساءة للوطن.
إخواني وأبنائي وبناتي..
لقد آلمنا أشد الألم مأساة المجاعة التي تشهدها دول القرن الأفريقي، ولا سيما الصومال الشقيق نتيجة الجفاف والقحط، والتي شردت الآلاف من الأطفال والنساء والرجال، وأودت بحياة الكثير منهم.
ولقد تفاعلت الكويت كعادتها مع هذه المأساة الإنسانية، فكانت في طليعة الدول التي أرسلت المساعدات إلى هؤلاء المنكوبين، متعاونة مع المنظمات الإقليمية والدولية لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية، والتخفيف من آثارها.
وإنني أحيي كل من شارك وساهم في إنجاح حملة الإغاثة التي دعونا إليها لمساعدة منكوبي المجاعة في الصومال، سائلين المولى تعالى أن يجعل ما قدموه في موازين أعمالهم في هذا الشهر الفضيل.
إخواني وأبنائي وبناتي..
إننا نجتاز مرحلة مليئة بالأحداث والمتغيرات سريعة الإيقاع، شديدة التأثير، في خضم منطقة تحولت إلى مسرح للصراعات، تعصف فيها العصبيات والمصالح والأهواء، وأحسب أننا لسنا بمعزل عن تداعياتها، وكلنا نتابع ما تشهده دول شقيقة من أوضاع مؤسفة ومقلقة، نتألم إزاءها أشد الألم جراء ما خلفته من دمار وخراب، وخسائر في الأرواح، والإمكانات والطاقات، نسأل الله جلت قدرته بأن تعم السكينة، ويعود الاستقرار والأمان لأشقائنا في هذه الدول، وأن يحقق لشعوبها آمالها وتطلعاتها.
ومع إيماني الراسخ بأهمية حرية التعبير كمبدأ نحرص على تكريسه والدفاع عنه، حيث إنه سمة مميزة لمجتمعنا الكويتي نعتز بها، إلا إني أدعو إخواني وأبنائي المواطنين، ووسائل الإعلام المختلفة، إلى ترك ما يتعلق بموضوع العلاقات مع الدول الأخرى لجهات الاختصاص للتعامل مع كل ظرف وفق القنوات الدبلوماسية، وما تفرضه طبيعة العلاقات والمصالح المشتركة مع كل دولة، تحقيقاً للمصلحة الوطنية وصيانتها، التي نحرص جميعاً على المحافظة عليها.
ندعو المولى جلت قدرته، في هذه الليالي المباركة التي شرفها سبحانه بليلة القدر، أن يوحد قلوبنا وغاياتنا، ويزيدنا محبة وتراحماً، لنظل إخوة متحابين، ومتعاضدين في السراء والضراء، وليكن رائدنا حب الكويت، والعمل المخلص من أجلها، والتحلي بالإيثار والتضحية لهذا الوطن العزيز، والحفاظ على أمنه وسلامته، كما حافظ عليه الآباء والأجداد.
كما نستذكر في هذه الليالي المباركة أميرنا الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وأميرنا الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراهما، رافعين أكف الضراعة والدعاء إلى المولى تبارك وتعالى أن يسبغ عليهمـــــا مغفرته ورحمتـــــه، ويسكنهما فسيح جناته، وأن يتغمد بفضله ومنته شهداءنا الأبرار ويعلي درجاتهم في جنات النعيم.
“ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.