عانت كوبا من حصار اقتصادي خانق لعقود، وعجزت الحرب الباردة عن إسقاط الحكم الشيوعي الجاثم على صدور الكوبيين منذ 62 عامًا، فهل تنجح جائحة «كورونا» في إسقاطه.
ماذا يحدث في كوبا؟
في حدث اعتبره الكثير من المراقبين نادر الحدوث في هذه الجزيرة التي تقع في منطقة الكاريبي عند مدخل خليج المكسيك، ويحكمها الحزب الشيوعي منذ عام 1959، تظاهر، أمس الأول، عشرات آلاف الكوبيّين الغاضبين على وقع الأزمة الاقتصاديّة الطاحنة بفعل تداعيات جائحة كورونا، في كلّ أنحاء البلاد، مرددين «حرّية!» و«لتسقط الدكتاتوريّة»، في حين أكدت الحكومة الكوبية عزمها الدفاع عن الثورة «بأي ثمن».
وأفاد موقع «إينفنتاريو» للبيانات الصحفية بأن حوالي 40 تظاهرة سجلت أمس الأول في مناطق مختلفة من كوبا، وقد بثت في معظمها مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت مدينة سان أنطونيو دي لوس بانيوس أول تجمع احتجاجي، ووقعت مواجهات خصوصاً في العاصمة هافانا حيث استخدمت القوى الأمنية الغاز المسيل للدموع وأطلقت النار في الهواء وضربت بهراوات بلاستيكية المتظاهرين.
وعمد متظاهرون غاضبون إلى قلب سيارات عدة للشرطة وإلحاق الضرر بها وحصلت توقيفات عدة، ونشرت تعزيزات أمنية وعسكرية كبيرة في العاصمة ومدن عدة أخرى.
شرارة «كورونا»
خرجت التظاهرات في اليوم الذي سجلت فيه كوبا رقماً قياسياً جديداً يومياً من الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، إذ أحصت 6923 حالة ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 238.49 ألف إصابة، فضلاً عن 47 وفاة ليرتفع إجمالي الوفيات إلى 1537 حالة.
منذ بداية جائحة «كوفيد 19» يضطر الكوبيون إلى الانتظار في طوابير طويلة للحصول على الطعام وباتوا يواجهون نقصاً في الأدوية، مما يتسبب في اضطرابات اجتماعية شديدة.
نحن جياع!
الحشود الزاحفة التي تجمعت أمام مقار للحزب الشيوعي الوحيد المرخص له في البلاد دفعها الجوع حيث رددت «نحن جياع» و«كوبا ليست لكم!» وتنادت لأول مرة بـ«الحرية» و«لتسقط الدكتاتورية».
واعتباراً من ظهر أمس الأول، قطعت خدمة الجيل الثالث في جزء كبير من البلاد وأعيد العمل بها مساء.
دعوة الشيوعيين للتصدي
وأصدر الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل الذي فوجئ بهذه التظاهرات العفوية التي خرجت في مدن مختلفة من البلاد «أمراً بالنضال» إلى مؤيدي «الثورة» بقوله «ندعو جميع ثوّار البلاد، جميع الشيوعيّين، للخروج إلى الشوارع حيث ستحدث هذه الاستفزازات الآن وفي الأيّام القليلة المقبلة، وإلى مواجهتها بطريقة حازمة وشجاعة».
وقال نائب وزير الخارجية الكوبي خيراردو بينيالفير: «سندافع عن الثورة الكوبية بأي ثمن!» عارضاً مقطعاً مصوراً يظهر مؤيدين للنظام الشيوعي يتظاهرون حاملين الأعلام الكوبية وهم يهتفون «أنا فيدل» في إشارة إلى الزعيم الشيوعي الكوبي الراحل فيديل كاسترو الذي توفي في عام 2016.
وزار الرئيس أمس الأول مدينة سان أنطونيو دي لوس بانيوس مهد الاحتجاجات قبل أن يتوجه إلى البلاد عبر التلفزيون الرسمي.
فوضى شاملة
وتنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي الدعوات والنداءات الموجهة إلى الحكومة الكوبية لتسهيل إرسال التبرعات من الخارج بما في ذلك من الجاليات الكوبية الكبيرة في أمريكا وغيرها، ودعت مجموعة من المعارضين السبت إلى إقامة «ممر إنساني» وهي مبادرة رفضتها الحكومة.
وقال مدير الشؤون القنصلية والمكلف ملف الكوبيين المقيمين بالخارج في المستشارية الكوبية إرنستو سوبيرون: إن «مفاهيم الممر الإنساني والمساعدات الإنسانية مرتبطة بمناطق النزاع ولا تنطبق على كوبا»، ونددت السلطات بـ«حملة» تسعى إلى «تقديم صورة فوضى كاملة في البلاد لا تتوافق مع الوضع الراهن».
أمريكا والتظاهرات
في حين أقر كانيل بشعور بعض الكوبيين «بعدم رضا» بسبب النقص في الأغذية والأدوية مع انقطاع يومي للكهرباء، اتهم أيضاً الولايات المتحدة بالوقوف وراء ما يحدث وهي عادة متأصلة لدى الحكم الشيوعي في إلقاء اللوم على واشنطن في كل شيء.
وأكد أن «ثمة مجموعة من الأشخاص من المناهضين للثورة، من المرتزقة الذين يتلقون المال من الحكومة الأمريكية بطريقة غير مباشرة عبر وكالات للحكومة الأمريكية، لتنظيم تظاهرات كهذه»، مستحضراً بذلك الأحداث التي شهدتها الثورة الكوبية تاريخياً.
واشنطن تراقب
وفي واشنطن، علقت الإدارة الأمريكية على الوضع في كوبا محذرة السلطات الكوبية من أي استخدام للعنف ضد «المتظاهرين السلميين».
وحضّ الرئيس الأمريكي جو بايدن «النظام الكوبي على الإصغاء لشعبه وتلبية احتياجاته»، في بيان أصدره البيت الأبيض، مضيفاً: «نقف بجانب الشعب الكوبي وندائه المدوي من أجل الحرية».
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان، في تغريدة: «الولايات المتحدة تدعم حرية التعبير والتجمع في كل أنحاء كوبا وستدين بشدة أي عنف أو استهداف للمتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقوقهم».
وحذر السناتور الأمريكي بوب مينينديس: «يجب أن يدرك النظام الدكتاتوري أننا لن نسمح باستخدام العنف لإسكات تطلعات الشعب الكوبي».
وغرد لويس ألماغرو، الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية: «نؤيد مطلب المجتمع الكوبي المشروع للحصول على أدوية وأغذية وحريات أساسية».
وأضاف: «نندد بالنظام الدكتاتوري الكوبي لأنه دعا مدنيين للجوء إلى قمع ومواجهة الذين يمارسون حقهم بالتظاهر».
العقوبات الأمريكية في خلفيات المشهد
باتت العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة بعد مصالحة قصيرة بين عامي 2014 و2016، في أدنى مستوى لها منذ ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الذي عزز الحصار المفروض على الجزيرة في عام 1962 مندداً بانتهاكات حقوق الإنسان ودعم هافانا لحكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا.
وأغرقت هذه العقوبات، فضلاً عن غياب السياح بسبب جائحة “كوفيد- 19″، كوبا في أزمة اقتصادية عميقة وأدت إلى استياء اجتماعي قوي تتابعه واشنطن والقارة الأمريكية عن كثب.
روسيا تحذِّر
حذرت روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي الحليف الأكبر لكوبا، أمس، من أي «تدخل خارجي» في هذا البلد الشيوعي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، في بيان: «نعتبر أنه من غير المقبول أن يكون هناك تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة أو أي أعمال مدمرة من شأنها تشجيع زعزعة الوضع في الجزيرة».
التوقعات
وفيما يتعلق بمستقبل هذه التظاهرات غير المسبوقة في تاريخ كوبا لاسيما في ظل سطوة الحكم الشيوعي يعتقد مراقبون أن ميغيل دياز كانيل، أول رئيس بعد حكم الأسطورة فيديل كاسترو، وشقيقه راوول، سيقمعها بأي ثمن لإثبات قوته.