الديانة اليهودية ديانة قديمة عريقة، أتباعها في زماننا قلة، لكنهم حيَّروا العالم كله، فهم أصحاب رأي قوي وصناع قرار عالمي، بسطوا نفوذهم السياسي والاقتصادي والفكري على الكرة الأرضية، حتى صارت الكرة في ملعبهم وحدهم يحركونها كيفما شاؤوا وأينما أرادوا!
لذا، كان لا بد لنا من وقفة متأنية مع اليهود، نسبر أغوارهم، وندرس أفكارهم، لنقي أنفسنا أخطارهم.
«بنو إسرائيل» أولاد يعقوب ومن جاء من نسلهم وقد جعل الله فيهم النبوة فترة من الزمن
لكن قبل الحديث عنهم كان لا بد من وقفة مع بعض اصطلاحاتهم ومسمياتهم، فهناك العديد من المصطلحات المتعلقة باليهود، والكيان اليهودي، والديانة اليهودية، التي تلتبس مدلولاتها على كثير من الناس في زماننا، ولا يعرفون الفرق بين معانيها، فلو سألت كثيراً من المثقفين عن الفرق بين بني إسرائيل واليهود، أو بين اليهودية والصهيونية، أو بين الصهيونية والماسونية العالمية، أو من هم العبرانيون؟ ما وجدت جواباً شافياً؛ لذا كان لزاماً علينا أن نحرر مثل هذه الاصطلاحات الشائعة.
أولاً: «بنو إسرائيل»:
ورد مصطلح «بني إسرائيل» في كتاب الله تعالى 41 مرة، وإسرائيل هو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن الخليل إبراهيم عليه السلام، وبنو إسرائيل هم أولاد يعقوب، المشار إليهم بالأسباط الاثني عشر، يوسف عليه السلام وأحد عشر أخاً، ثم من جاء من نسلهم وصلبهم إلى يوم القيامة.
وقد جعل الله فيهم النبوة فترة من الزمن، ابتداء من نبي الله يوسف، ومروراً بموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى.. وغيرهم، ثم نزعها منهم برفع عيسى إلى السماء بعد ما صاروا غير مؤهلين لحمل الرسالات جزاء عنادهم وطغيانهم.
«اليهود» اسم أُطلق على بني إسرائيل بعدما نُزعت منهم النبوة بانتهاء رسالة المسيح
أما دولة «إسرائيل»، فيحرص اليهود على أن يُـضْـفوا على أنفسهم الصبغة الدينية، وأن يظْـهِروا للعالم أنهم «شعب الله المختار»، وأنهم سلائل الأنبياء، وورثة الديانات السابقة، في محاولة بائسة لإقناع العالم أنهم أصحاب هذه الأرض العربية المقدسة -التي كانت مهبط هذه الرسالات- ووارثوها عن أجدادهم.
وقد بدا ذلك جلياً عندما أخذوا الوعد بإقامة كيان لهم عقب شتاتهم الطويل، حيث توجهت أنظارهم إلى فلسطين، فدخلوها غاصبين محتلين، ونسبوا اسمها إلى نبي الله يعقوب، وأطلقوا عليها دولة «إسرائيل»، ونبي الله إسرائيل عليه السلام منهم ومن صنيعهم براء.
ثانياً: «اليهود»:
وردت كلمة «اليهود» في السياق القرآني 8 مرات، وكان يراد بها بنو إسرائيل، فـ«اليهود» هو الاسم الذي أطلق على بني إسرائيل بعدما نزعت منهم النبوة بانتهاء رسالة المسيح عيسى ابن مريم، وحلول نبوة الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم.
أما معنى كلمة «اليهود»، فيرى بعض اللغويين أن كلمة «يهود» أعجمية، وأنها تكاد تكون تعريباً لكلمة «يهوذا» التي هي اسم أحد أسباط بني إسرائيل.
ويرى البعض أنها كلمة عربية مشتقة من «الهَوْدِ»؛ ومعناها التوبة، يقال: تهوَّد الرجل؛ أي تاب ورجع للحق، وهوَّدَ الرجلَ؛ أي حوَّله إلى الملة اليهودية(1)، وفي الحديث الشريف: «فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه»، وقد رجح الراغب في «المفردات»، والعلَّامة فؤاد عبدالباقي في معجمه أنها اسم أعجمي جامد(2)(3).
«الصهيونية» حركة سياسية متطرفة تهدف إلى حكم العالم بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين
ومن الخطأ أن نسمي يهود أمتنا ببني إسرائيل، إذ إن هذه التسمية تمنحهم ظلالاً دينية وقدسية كما حصل لأجدادهم من الصالحين السابقين، حيث كانوا يرون أنهم ورثة الإيمان والهدى؛ إذ إن النبوة فيهم، أما وإن النبوة قد حُولت إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فإن محمداً وصحبه والصالحين من أمته قد أصبحوا هم الورثة للدين والهدى من يعقوب عليه السلام، وليس اليهود المعاندين الجاحدين لنبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فنحن أولى بيعقوب منهم، فطالما أنهم جحدوا نبوة النبي فإنهم بذلك قد قطعوا ما يربطهم بحبل النبوة، وأصبحوا لا يستحقون النسبة إلى يعقوب (إسرائيل) عليه السلام، ومن هنا نفهم كيف أسقط القرآن عنهم الاسم الأول وأثبت عليهم اسم «يهود».
وقد فرق القرآن الكريم بين مصطلحي «اليهود» و«بني إسرائيل»؛ حيث كان يسميهم ببني إسرائيل في حديثه عنهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يسميهم باليهود عند الكلام عن مواقفهم وأحوالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة.
يقول د. صلاح الخالدي: «يمكننا القول: إن هذا الشعب المعروف في التاريخ كان يسمى «بني إسرائيل» في حياته السابقة منذ يوسف عليه السلام، وانتهاء ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الشعب نفسه فقَدَ هذا الاسم بعد البعثة النبوية وأخذ اسماً جديداً وهو اليهود»(4).
أما علاقة يهود زماننا بيهود بني إسرائيل، فقد جاء في الموسوعة الميسرة للأديان ما نصه: «ومما لا شك فيه أن اليهود الحاليين -إلا قلة منهم- لا يمتون بصلة إلى العبرانيين الإسرائيليين القدماء المنحدرين من نسل إبراهيم عليه السلام، ولكنهم أخلاط من شعوب الأرض المتهوّدين لأهداف استعمارية، أما الذين يرجعون إلى أصول إسرائيلية فعلاً فهم اليوم من الدرجة الدنيا»(5).
«الماسونية» منظمة يهودية سرية مُحْكَمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم
وأما العبرانيون فهم الإسرائيليون الذين يجيدون أركان اللغة العبرية، سماعاً وحديثاً، وقراءة، وكتابة، ويقول د. صلاح الخالدي: ولعل هذا مأخوذ من فعل إبراهيم عليه السلام عندما عبر العراق والشام ليقيم في فلسطين، والله أعلم(6).
ثالثاً: «الصهيونية»:
كلمة «الصهيونية» مشتقة من اسم جبل في فلسطين اسمه جبل «صهيون»، و«الصهيونية»: حركة سياسية عنصرية متطرفة، تهدف إلى حكم العالم كله من خلال إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، وقد تم لهم ذلك بالفعل، تستمد معتقداتها وأفكارها من التوراة المحرفة والتلمود الخبيث، وقد صاغت من خلالهما فكرها الخاص بها في كتاب أسموه «بروتوكولات حكماء صهيون» التي تعتبر بدورها أخطر وأخبث المقررات في تاريخ العالم(7).
فـ«اليهودي» هو من يدين باليهودية، ويعتمد على ما جاء في التوراة التي تمثل أول خمسة أسفار من الكتاب المقدس، أما «الصهيوني» فهو من يدعم الأيديولوجيا الصهيونية التي تؤيد تأسيس حكم يجمع شتات اليهود من جميع نواحي العالم للاستيطان في أرض فلسطين بالقوة، وإقامة دولة يهودية مزعومة بها تسمى زوراً بـ«إسرائيل» وعاصمتها القدس، والصهاينة يقدمون تعاليم الحكماء والتلمود على أسفار التوراة(8).
وهناك من المفكرين من يفرّق بين اليهودي والصهيوني؛ إذ يوجد من اليهود من يعارض الفكر الصهيوني، وإقامة دولة اليهود على أرض فلسطين العربية المسلمة، ويرى الشيخ محمد الغزالي أنه لا فرق بينهما، حيث إن تعاليم التلمود في أساسها مستمدة من التوراة المحرفة، فكلاهما راجع إليها قائم عليها.
«التلمود» ليس وحياً ولا كتاباً سماوياً وإنما هو كتاب يحتوي على شروحات التوراة المحرَّفة
رابعاً: «الماسونية»:
في اللغة معناها: البناؤون الأحرار، واصطلاحاً: هي منظمة يهودية سرية هدَّامة، إرهابية غامضة، مُحْكَمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد(9).
والماسونية تجعل من الجنس والمال والإعلام أداة لتحقيق مآربها الخبيثة، وتدعو إلى الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والأديان وما يتصل بهما من خلال إقامة المحافل والنوادي الخاصة بهم كأندية «الروتاري» و«الليونز»، ويتسترون تحت شعارات إنسانية خداعة، مثل الحرية والإخاء والمساواة.
خامساً: «التوراة»:
وهو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام، وقد أخبر الله سبحانه بوقوع التحريف في نصوصه، والتوراة خمسة أسفار تمثل نصوص الشريعة اليهودية (التكوين، الخروج، اللاويون، العدد، التثنية).
سادساً: «التناخ»:
وهو الكتاب المقدس عند اليهود، حيث يجمع بين صفحاته ثلاثة أقسام، هي: قسم الشريعة (توراة)، قسم الأنبياء (نيفيئيم)، قسم الأدبيات (ختوفيم)(10).
سابعاً: «التلمود»:
في اللغة العبرية مشتق من كلمة «لامود»، ومعناه التعاليم، وهو ليس وحياً ولا سماوياً، وهو مقسم إلى قسمين:
1- «المشنة»: معناها القانون الثاني، وهي تعاليم سرية يزعمون أنها تتضمن التفسير الصحيح لما في التوراة، واليهود يزعمون أن هذه التقاليد أعطيت لموسى على الجبل، وتداولها من بعده هارون، وأليعازر، ويشوع، وانتقلت شفهياً إلى من بعدهم من أنبياء، ثم أعضاء المجمع العظيم، حتى دوَّنها يهوذا هانا سي بعد نحو قرنين من الميلاد خشية الضياع(11).
«بروتوكولات حكماء صهيون» وثيقة شهيرة تُنسب لليهود تتحدث عن خطة لغزو العالم
2- «الجمارة»: أي التفسير، فهي مجموعة المناظرات والتعاليم والتفاسير المتعلقة بشرح المشنة.
فالتلمود في أصله ليس وحياً ولا كتاباً سماوياً، وإنما هو كتاب يحتوي على شروحات التوراة المحرّفة.
ثامناً: «بروتوكولات حكماء صهيون»:
هي وثيقة شهيرة تنسب لليهود تتحدث عن خطة لغزو العالم، وتتضمن 24 بروتوكولاً، ظهرت أول نسخة منها في عام 1901م، ويرى الباحث المصري د. عبدالوهاب الميسري، صاحب الموسوعة الشهيرة «اليهود واليهودية والصهيونية»، أن هذا الكتاب خرافة مضللة، وأن الترويج له مضر بالعرب قبل غيرهم، وأن الإصرار على نسبتها لليهود لا يخدم القضية العربية(12).
_______________________________________
(1) لسان العرب، ابن منظور.
(2) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني.
(3) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، محمد فؤاد عبدالباقي.
(4) الشخصية اليهودية، د. صلاح الخالدي.
(5) الموسوعة الميسرة في الأديان والملل والمذاهب المعاصرة، مانع الجهني.
(6) الشخصية اليهودية، د. صلاح الخالدي، مرجع سابق.
(7) الموسوعة الميسرة في الأديان والملل والمذاهب المعاصرة، مرجع سابق.
(8) المرجع السابق.
(9) المرجع السابق.
(10) موقع الكنيسة.
(11) معركة الوجود بين القرآن والتلمود، عبدالستار فتح الله.
(12) مدونة الجزيرة، مقال للكاتب علي ميلودي بعنوان «البروتوكولات حقيقة أم خيال؟».