في توقيت واحد، صدر تقريران دوليان يؤكدان أن الاستبداد أصبح يتمدد في العالم كله، وأن عدد الدول التي تعاني من تآكل الديمقراطية يرتفع كل عام.
الأول أصدره المعهد الدولي للديمقراطية، ويرصد “حالة الديمقراطية العالمية” خلال عام 2021، ويؤكد حدوث تراجع كبير في الحكم الديمقراطي حول العالم، خصوصاً في العامين الجاري والماضي.
والثاني أصدرته “وحدة الإيكونوميست للاستقصاء”، فبراير 2022، التي تصدر سنوياً ما يسمي “المؤشر العام للديمقراطية حول العالم”، حيث سجل تقرير حالة الديمقراطية في عام 2021 “أسوأ نتيجة منذ بدأت وحدة الإيكونوميست إصداره عام 2006″، حسبما يقول التقرير.
يكفي أن ننظر إلى ترقب العالم غزواً عسكرياً روسياً لدولة أوكرانيا (حدث بالفعل) والحديث عن قتل آلاف واستباحة دولة لمجرد أن دولة أخرى (روسيا) غير راضية عن حرية أوكرانيا كدولة في تقرير مصيرها، وحال مسلمي الهند وفرنسا والغرب الذين يعانون من القمع ومنع طالبات من الدراسة لأنهن يرتدين الحجاب برغم تصنيف فرنسا والهند على أنهما من الديمقراطيات الكبرى شكلياً.
خطورة تقرير “مؤشر الديمقراطية” الأخير لعام 2021م أنه يتحدث عن صورة أكثر سوداوية، وأن الاستبداد يتمدد في العالم والديمقراطية تتراجع في كل الدول ومنها الدول العربية.
التقرير يبين أنه في عام 2020 كان 49.4% من العالم ديمقراطي، ثم تراجع إلى 45% عام 2021، أي أنه يعيش الآن 45.7% من سكان العالم (أقل من النصف) في ظل نظام ديمقراطي.
أما تقرير المعهد الدولي للديمقراطية، فيؤكد أن 70% من البشر يعيشون بأنظمة قمعية، ويتحدث عن “كوكب من الاستبداد”؛ ما يعني أن معايير الديمقراطية تسجل سنوياً تراجعاً جديداً في العالم، ودعماً متنامياً للاستبداد.
تقرير “الإيكونوميست” حول مؤشر الديمقراطية يؤكد أن أكثر من ثلث سكان العالم تحت حكم استبدادي، نسبة كبيرة منهم في الصين.
ترتيب العرب
ولا تزال منطقة الشرق الأوسط (الدول العربية) وشمال أفريقيا “الأدنى” مرتبة بين جميع المناطق التي يغطيها مؤشر الديمقراطية، خاصة في ظل وجود 5 دول من أصل 20 ضمن أدنى مستويات التصنيف بين الدول.
وأشار التقرير إلى أن تراجع مؤشرات المنطقة تأتي نتيجة للاضطرابات الحادة التي تشهدها تونس التي تراجع تصنيفها 21 درجة بعد انقلاب الرئيس قيس سعيد، وأصبحت دول كانت توصف بأنها خليط من الحرية والاستبداد مثل لبنان إلى تصنيف “نظام استبدادي”.
ووفق مؤشر “إيكونوميست” للديمقراطية بشأن 20 دولة عربية، هناك 17 دولة ضمن تصنيف الدول الاستبدادية.
وكان لافتاً أن تونس جاءت في المركز الأول عربياً من حيث مؤشر الديمقراطية رغم انقلاب قيس سعيد، والترتيب 75 عالمياً، تليها المغرب في المرتبة الثانية عربياً، و95 عالمياً، وفلسطين في المرتبة 3 عربياً، و109 عالمياً.
وجاءت الكويت في المرتبة 4 عربياً، و110 عالمياً، ثم لبنان: في المرتبة 5 عربياً، و111 عالمياً، فالجزائر في المرتبة 6 عربياً، و113 عالمياً، وقطر في المرتبة 7 عربياً، و114 عالمياً، العراق في المرتبة 8 عربياً، و116 عالمياً.
والأردن في المرتبة 9 عربياً، و118 عالمياً، وعُمان: في المرتبة 10 عربياً، و130 عالمياً، ثم مصر في المرتبة 11 عربياً، و132 عالمياً، والإمارات في المرتبة 12 عربياً، و134 عالمياً، تليها البحرين والسودان والسعودية واليمن وليبيا وسورية.
ومن المفارقة على صعيد مؤشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط أن تحل “إسرائيل” في المرتبة الأولى، وفي المرتبة 23 عالمياً.
وقال المؤشر: إنه في أوروبا تم خفض تصنيف إسبانيا إلى “ديمقراطية فاسدة”؛ ما يعكس تدهور استقلالية القضاء فيها، بحسب المؤشر.
أما بريطانيا فقد تراجع ترتيبها أيضاً بعد فضائح تتعلق بتمويلات الأحزاب وغيرها، لكنها لا تزال تصنف “ديمقراطية كاملة”.
وقال التقرير: إن الصين لم تصبح أكثر ديمقراطية كما أصبحت أكثر ثراء، بل على العكس من ذلك أصبحت أقل حرية.
وتصدرت النرويج ونيوزيلندا وفنلندا مؤشر الديمقراطية، بينما احتلت كوريا الشمالية وبورما وأفغانستان المراكز الثلاثة الأخيرة.
كوكب يحكمه الاستبداد
وتركز دراسة المعهد الدولي للديمقراطية عن عام 2021 على أن الكوكب بات يحكمه الاستبداد، ورصد أمثلة من ميانمار إلى مالي وتونس وغيرها من دول العالم.
والمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية منظمة دولية على مستوى الحكومات ومقره ستوكهولم، ومتخصص في دراسة وتحليل أنظمة الحكم حول العالم من زاوية الديمقراطية مقابل الاستبداد، ويصدر تقريراً سنوياً.
وتقول الدراسة: إن من أبرز أسباب التراجع الكبير في الحكم الديمقراطي حول العالم وباء كورونا الذي استغلته كثير من الأنظمة الحاكمة لإسكات معارضيها ومنتقديها وتنفيذ سياسات قمعية من خلال خلق حالة من الفزع والتخويف.
وقالت دراسة المعهد الدولي للديمقراطية: إن كثيراً من الدول حول العالم، من آسيا إلى أوروبا والأمريكتين وأستراليا إلى أفريقيا، تستخدم إجراءات مكافحة الوباء لإسكات المعارضين السياسيين وليس فقط لمحاربة الوباء والقضاء عليه.
والسبب الآخر وراء “التآكل غير المسبوق للديمقراطية” حول العالم مرتبط بالسياسات الشعبوية ونزوع دول لتقليد السلوك المناهض للديمقراطية الذي تنتهجه دول أخرى واستخدام التضليل الإعلامي لتقسيم المجتمعات وسعي السياسيين لاكتساب شعبية تبقيهم في المنصب عبر صناديق الانتخابات في ديمقراطيات راسخة كالولايات المتحدة وغيرها من دول أوروبا.
ويعتبر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب واحداً من رموز الشعبوية حول العالم، وتوصف أساليبه السياسية بـ”الترامبية” نسبة إليه، وهي حركة سياسية باتت عنواناً لليمين الشعبوي المتطرف يتبناها عدد كبير من السياسيين والزعماء حول العالم ولم تعد حكراً على دولة بعينها.
وجاءت تونس ضمن أبرز حالات تراجع الديمقراطية في العام الجاري، بحسب دراسة المعهد الدولي للديمقراطية، بعد أن قام الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان وتجميده والانفراد بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أيضاً وفرض حالة الطوارئ في البلاد.
كما رصدت الدراسة كيف أن ديمقراطيات كبرى مثل الولايات المتحدة والبرازيل قد شهدت تشكيك رؤساء في صحة نتائج الانتخابات، فيما شهدت الهند ملاحقة قضائية لمجموعات من الأفراد الذين انتقدوا سياسات الحكومة.
وخلصت الدراسة في هذه الجزئية إلى أن عدد الدول التي تنزلق نحو الاستبداد يتزايد، في حين ارتفع عدد الديمقراطيات الراسخة المهددة إلى مستوى لم تبلغه من قبل قط.
وقالت الدراسة: في الواقع، يعيش حالياً 70% من سكان العالم إما تحت أنظمة غير ديمقراطية، أو في دول تشهد تراجعاً في الديمقراطية.