لا يمكن بحال من الأحوال غض الطرف عن تراجع دور الأب والأم في التربية، والركون إلى حضن الشبكة العنكبوتية، كبديل تربوي غير آمن، لا يمكن الوثوق فيه.
يزيد الأمر خطورة، تسارع التطور التكنولوجي بشكل هائل، واستحواذ الإنترنت بتطبيقاته ومواقعه على اهتمامات الأطفال، وسلب إرادتهم نحو متابعة ما تفرضه مواقع الإنترنت، ووسائل التواصل، وغيرها.
في المقابل، تزداد وتيرة انشغال الأبوين بالعمل، وتلبية المتطلبات المادية لأسرتهما، مع تنامي الضغوط الاقتصادية والاجتماعية؛ ما يؤدي إلى انسحاب كلا الطرفين من عملية التربية لصالح «الكيبورد، والماوس، والآيفون، وتيك توك..»، وغير ذلك من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة.
الإنترنت يمثل خطراً على مستقبل الأطفال النفسي والاجتماعي
آثار نفسية
ووفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2022، فإن الأطفال الذين يعيشون في بيئة تفتقر إلى الاهتمام العاطفي والدعم النفسي من قبل الوالدين يتعرضون لخطر الإصابة بمشكلات نفسية وتأخر في النمو العقلي والاجتماعي.
ويظهر التقرير أيضاً أن الأبناء الذين يقضون وقتاً طويلاً على الإنترنت دون إشراف الوالدين، يتعرضون للكثير من الأخطار، مثل التعرض لمحتوى غير لائق والإدمان على استخدام الأجهزة الإلكترونية، وهذا يؤثر سلباً على صحتهم النفسية والجسدية.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية ضرورة توجه الآباء للتحدث مع أبنائهم والتواصل معهم بشكل دائم لتعزيز العلاقة الأسرية وتعزيز الثقة بينهم، ومراقبة استخدامهم للأجهزة الإلكترونية وتوجيههم لاستخدامها بشكل صحيح.
وتنصح منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الوالدين بإرساء قواعد بشأن كيفية استخدام أجهزة الاتصال، ومواعيد وأماكن استخدامها، وتفعيل الرقابة الأبوية، بما في ذلك البحث الآمن، وأن يجري تحقيق توازن بين الترفيه عبر شبكة الإنترنت والأنشطة الفعلية، بما في ذلك إمضاء وقت في خارج البيت إذا كان ذلك ممكناً.
الافتقار إلى الاهتمام يدفع بالصغار إلى حضن الشبكة العنكبوتية
تفكك الأسرة
د. محمد عبدالعظيم، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة طنطا (شمال العاصمة القاهرة)، يرى أن ظروف العمل الحالية للأسر جعلت الآباء بالفعل يغيبون لوقت طويل عن المنزل، في وقت يتاح فيه الإنترنت طوال الـ24 ساعة؛ لذا من الضروري أن يجد الوالدان الوقت الكافي للجلوس مع أبنائهما قبل فوات الأوان.
ويحذر د. عبدالعظيم من أن الإنترنت قد يؤدي إلى تفكك الأسرة وضياعها، مؤكداً أن غياب الوالدين عن متابعة أبنائهما من الممكن أن يؤدي إلى إصابتهم بالوحدة والعزلة والاكتئاب، وقد يؤدي إلى تراجع مستوى الثقة بالنفس والتأثير بالسلب على النمو النفسي والاجتماعي لهم.
واستدرك قائلاً: إن الشبكة العنكبوتية لا يمكن أن تحل مكان الأب أو الأم، وحتى الآباء أنفسهم لا يحل أحدهما مكان الآخر؛ لأن كل واحد فيهما له وظيفة معينة، ويجب القيام بها.
خبراء ينصحون بالرقابة وتوفير مصادر مفيدة وممتعة للأبناء
سلاح ذو حدين
وترى داليا الحزاوي، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري، أن الإنترنت سلاح ذو حدين، وقد يؤدي إلى انعزال الأبناء وانطوائهم، وفقد لغة التواصل مع الآخرين، مطالِبة بضرورة أن يكون للأسر دور رقابي وتربوي وإرشادي.
وتشدد الحزاوي على ضرورة إيقاظ الآباء مما وصفته بـ«الغيبوبة»، مشيرة إلى أن هناك أسراً كثيرة سعداء بجلوس أولادهم وقتاً أكبر على الإنترنت، وقد توفر لهم وسائل مساعدة على ذلك.
وتقترح الحزاوي مدونة سلوك لرقابة الأطفال أمام الإنترنت، وتحديد عدد الساعات المناسبة للقيام بالأنشطة الإلكترونية، والحفاظ على توازن الحياة النفسية والاجتماعية للأبناء، وتوفير بدائل مفيدة ونافعة لهم.
وتتابع: نحن في حروب الجيل الخامس، فالإيذاء يكون عن طريق الفكر وليس عن طريق القنابل، فلا بد من مشاركة الأبناء مع الأب والأم والمشاركة في الأنشطة التي تعزز تطوير مهاراتهم.