ما كادت الصحفية بشبكة “الجزيرة” الإخبارية شيرين أبو عاقلة تلقى حتفها اغتيالاً على يد الصهاينة المحتلين، حتى اندلع جدل هستيري قاده كتَّاب النظام المصري وأبواقه، عقب بعض التعليقات من السلفيين المداخلة والرسلانيين التي أشارت إلى أنه لا يجوز الترحم على غير المسلمين، كان يمكن لهذه التعليقات أن تذوب في بحر التعاطف الإسلامي الذي عبر عنه مئات الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي مقدمتهم أهل فلسطين الذين حملوا نعش الفقيدة، وأقاموا صلاة الجمعة في باحة المستشفى انتظاراً لخروج جثمانها وتشييعه، وحضور عشرات المحجبات للمشاركة والتشييع في بيت الراحلة وجنازتها ومقبرتها.
أنصار التهويد والتغريب الذين يسمون أنفسهم بالمستنيرين، لا يطيقون وجوداً للإسلام، وتحدثوا بكراهية مقيتة عن تعليقات الرافضين للترحم، وقال الكاتب خالد منتصر، في “الوطن”، في 12 مايو الجاري: “وجدنا دعاة ومشايخ قرروا احتكار توزيع البشر على الجنة والنار، افتتحوا مكتب تنسيقهم الخاص ووحدة توزيعهم المتميزة، وبدلاً من توزيع صكوك غفران القرون الوسطى قرروا توزيع مساحات أراضي الجنة حسب المزاج ودون قرعة، صاحب فكرة الفرقة الناجية يبتكر سلسلة مفاهيم تجعل من ثقافة الموت وكراهية بهجة الحياة دستوراً لمسيرته وخريطة لطريقه، الولاء والبراء”، كما نشر صورة “مستريح” (نصاب أسوان) وعلق عليها: «إزاي (كيف) هذا البني آدم سواق التوكتوك المسجل خطر يجمع ملياري جنيه من مواطنين في أقل من شهر؟! ويخدعهم كلهم، بمجرد الإمساك بسبحة، وإقناعهم بأنه من سلالة السيدة زينب، وأنه بيتاجر مع ربنا وما بيتعاملش (لا يتعامل) مع البنوك الحرام اللي الشيخ فلان والداعية علان مهدوا له الأرض عبر الإعلام والمنابر، لإقناع الناس أنّ فوائد البنوك ربا!».
وكتب الكاتب سليمان جودة، في “المصري اليوم”، في 13 مايو، تحت عنوان “هذه الضجة حول الجنة!”: البداية من الواضح أنها كانت على لسان شخص وقح! هذا الشخص قال: إن «شيرين» لم تكن مسلمة، وهي لذلك في تقديره ليست شهيدة، ولا هي ستدخل الجنة! ومن بعده سار وراءه أشخاص مُنوَّمون مغناطيسيًّا بالآلاف(؟) يرددون ما قال، ولا يفكرون فيما يقولون ولو للحظة! وأشار إلى ما قاله الشيخ الغزالي حين ضج من سؤال عن العفاريت: “لم أسمع عن إنسان غير مسلم يركبه عفريت، فلماذا تركب العفاريت المسلمين وحدهم؟!”، وأضاف جودة: “منذ متى كان الإنسان المسلم منغلقًا إلى هذا الحد، ومنذ متى كان كارهًا لسواه إلى هذه الدرجة؟!”.
بعد منتصر، وجودة، انطلقت أبواق أخرى تهين المسلمين، وليس المعلقين، في بذاءة ووقاحة وادعاء رخيص بأنها تفقه الإسلام، مع أنهم لا يعرفون طريقهم إلى الوضوء!
المفارقة أن ردوداً علمية وعملية من علماء وكتَّاب مسلمين عالجت الأمر بطريقة موضوعية، من بينها ما كتبه د. محمد العشماوي، أستاذ الحديث بالأزهر، في مقال مطول على صفحته، وضح فيه أن كل جهد يبذله إنسان -أياً كان دينه- لنفع الإنسانية، وخدمة البشرية؛ فهو جهد مقدر في الشريعة الإسلامية؛ إذ هي شريعة شكر المعروف، وعدم جحده، وهي تهدف من وراء ذلك إلى أن يتنافس الناس في فعل الخيرات، وأن يتعايشوا متعاونين على ما ينفعهم، وإن اختلفت أديانهم! وأن الكلام في مصائر الناس الأخروية، بعد موتهم؛ بدعة لم تُعهد عن السلف الصالح رضي الله عنهم، بل قال العلماء المحققون: إنه لا يجوز الجزم لكافر معين بالنار، ولا لمسلم معين بالجنة؛ لأننا لا نعلم ما في الواقع، ولكن التحقيق أن يقال: من مات مسلماً فهو في الجنة، ومن مات كافراً فهو في النار!
واختتم: ليست هذه دعوة إلى تذويب معالم الدين، ولا إلى تهوين الكفر، ولا إلى إعطاء الدنية في ديننا، بل هي دعوة إلى التعقل، فنحن نعيش في عالم شديد التعقيد، لا مكان فيه للسطحيين والسذج، ونحن شديدو الاعتزاز بديننا، الذي أنقذنا الله به من ظلمات الشرك والجهالة، وأمرنا به أن نتعايش مع الجميع، وأن نقدر جهد الجميع، وأن نكِلَ أمر مصائر العباد إلى الله؛ فهو أعلم بها منا!
المفارقة أن المستنيرين والمداخلة يعلمون أنهم مجنّدون معاً لتشويه الإسلام والتشكيك فيه، وأنهم لا يتكلمون عن احتلال فلسطين، ولا المظالم التي تلحق بالأبرياء، ولا يغضبون لله من أجل إهدار قيم الإسلام ومفاهيمه في الواقع والحياة!