بإيجابية واضحة لخص رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية نتائج زيارة وفد الحركة ومباحثاته مع المسؤولين الروس، وعلى رأسهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، ولا سيما حرصه على الإشارة إلى “التوصل إلى قرارات بشأن عدد من القضايا في الشرق الأوسط“.
وتشكل زيارة وفد الحركة إلى موسكو مطلع الأسبوع الجاري حلقة جديدة في سلسلة اللقاءات التي بدأت منذ سنوات تتخذ الطابع الدوري والثابت بين الجانبين رغم الاعتراضات المتكررة والانتقادات من جانب تل أبيب.
بيد أن ما يميز الزيارة الحالية أنها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الروسية “الإسرائيلية” أسوأ مراحلها منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، بسبب انتقادات تل أبيب للحرب في أوكرانيا، ودعمها لكييف بالأسلحة والمقاتلين حسب وسائل إعلامية روسية، فيما لم تجد موسكو في المقابل أي حرج من إغلاق مقر الوكالة اليهودية فيها تحت مسمى ارتكاب انتهاكات إدارية.
حسابات قديمة
يضاف إلى هذا التوقيت إعادة إثارة الكرملين ملف كنيسة ألكسندر الواقعة في البلدة القديمة للقدس، وطلبها تسجيل ملكية أرض مجمع الكنيسة الذي يعتبر مقر البعثة الكنسية الأرثوذكسية الروسية.
وبقي سجل ملكيتها يعود لروسيا إلى أن تغير الوضع مع احتلال “إسرائيل” المدينة المقدسة في عام 1967، حيث لا تزال المحكمة المركزية في “إسرائيل” ترفض الطلب.
علاقات فوق الطاولة
ولا يخفى على المتابع للشأن الروسي أن موسكو بدأت قبل الحرب في أوكرانيا بسنين بمحاولات لمنع استفراد واشنطن بملف القضية الفلسطينية، واهتمت بالحفاظ على علاقاتها مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ولكن الأبرز كان فتحها قنوات اتصال مباشرة مع الفصائل “المثيرة للجدل” وفق مراقبين غربيين، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين ترفض موسكو تصنيفهما حركتين إرهابيتين.
وتزامن الانفتاح الروسي على هذه الفصائل بعد أن كانت موسكو تعطي الأولوية للعمل الجماعي في التسوية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” من خلال “اللجنة الرباعية الشرق أوسطية”، وهي الآلية التي بدأت منذ عام 2002 بممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، قبل أن يصل قطار المفاوضات عبر هذه الآلية إلى طريق مسدود.
تشاور دائم
بدوره، يقول عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق إن علاقة “حماس” مع روسيا ممتدة منذ أعوام، وهي على صلة وتشاور مستمرين مع المسؤولين الروس.
وتابع أبو مرزوق في تصريح خاص للجزيرة نت أن الزيارة تأتي في ظل جملة من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، ولـ”وضع الجانب الروسي في صورة تطورات القضية الفلسطينية على المستوى الوطني، وانتهاكات العدو الإسرائيلي ضد الأرض والإنسان والمقدسات، وكذلك تبادل الآراء والمواقف حول المستجدات الإقليمية والدولية”.
ووفق المسؤول في حماس، فإن “ما يميز موسكو أنها على صلة مع جميع الأطراف الفلسطينية، وهي قادرة على أداء دور إيجابي في لمّ الشمل والوصول إلى وحدة وطنية، والدور الروسي في الشأن الداخلي الفلسطيني مقدر، ونحن نلمس دوما حرص روسيا على إنهاء الانقسام الفلسطيني“.
ورأى أن “وجود صلات روسية مع جميع الأطراف وفهم الفريق الروسي تعقيدات المشهد الفلسطيني وكذلك الإقليمي إضافة إلى مكانتها الدولية يجعل منها لاعبا قادرا على ممارسة دور إيجابي ومطلوب في الحالة الفلسطينية“.
وحول إغلاق الوكالة اليهودية، قال أبو مرزوق: “نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفي الوقت ذاته نرفض عمل هذه الوكالة في مختلف بلدان العالم لأنها لعبت وتلعب دورا في تعزيز الوجود الصهيوني في فلسطين، وهو دور أساسي في المشروع الصهيوني، وهذا على حساب حق الفلسطيني في أرضه ومقدساته، وندعو جميع بلدان العالم لوقف أعمال تهجير اليهود إلى فلسطين“.
أوراق قوة
من جهته، يرى الخبير الروسي في الشؤون الشرق أوسطية أندريه أونتيكوف أن توقيت زيارة حماس لموسكو التي بدأت السبت الماضي -ولا سيما في ظروف الحرب بأوكرانيا، وتردي العلاقات الروسية “الإسرائيلية”- يمكن أن يعكس مساعي روسيا لكسب أوراق قوة جديدة في الوقت الذي تراهن فيه دوائر غربية وغير غربية على سقوطها في فخ العزلة.
ويتابع أن مجرد وجود اتصالات بين موسكو والفصائل الفلسطينية -ولا سيما مع حركة “حماس”- هو ورقة قوة لكلا الجانبين، فروسيا يمكن أن تلعب دورا في المساهمة بتخفيف الحصار “الإسرائيلي” على قطاع غزة، وحضورها في المحافل الدولية قد يشكل عامل قوة للفلسطينيين، وهي الدولة العظمى الوحيدة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الجانب الفلسطيني كسلطة وفصائل.
ويشير أونتيكوف إلى أن موسكو لم تتراجع عن مواقفها في تأييد حل الدولتين والموقف من وضع مدينة القدس، وهو ما برز في إدانتها الشديدة لقرار واشنطن نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة، مما يجعلها طرفا إيجابيا ولاعبا مهما بنظر الفلسطينيين.
تموضعات جديدة
إلى جانب هذه الاعتبارات يلفت أونتيكوف إلى أن ما وصفهما بـ”تعاظم الدور الروسي في المنطقة وبداية انهيار الأحادية القطبية” يفترضان عملية إعادة تموضع واصطفافات جديدة مع البلدان والقوى والتيارات الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي.
وحسب الخبير الروسي، تأخذ هذه العملية في الاعتبار الاحترام المتبادل وتلاقي المصالح المتبادلة، وهو ما قد يحمل في المستقبل مستوى وشكلا جديدين للعلاقات بين موسكو والقوى المؤثرة في المنطقة، بما فيها حركة حماس.
من جانبه، لا يرى المختص في العلاقات الدولية سيرغي بيرسانوف غرابة في تعزيز موسكو وتكثيف اتصالاتها مع كافة الدول والحركات، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تلتقي معها في مقاربة القضايا الدولية والإقليمية.
ويعتبر بيرسانوف أن أهمية زيارة وفد حماس إلى موسكو تتجاوز بعدها التقليدي المألوف -كملف المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني- إلى الانتقال لعلاقات أكثر تقدما في “التفاهم المتبادل” بين الجانبين، ولا سيما “على ضوء تشابك العلاقات الإقليمية وتراجع الدور الأميركي”، مرجحا في الوقت ذاته أن تبقى علاقة حماس مع روسيا محصورة في إطار الصراع بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.