ما من أمة في الأرض إلا وتاريخها ينطوي على الأبيض والرمادي والأسود، لا يشذ عن هذا أحد.. فالإنسان هو الإنسان في كل زمن ومكان، وهو مفطور على الخير والشرّ معاً. ومنذ لحظات الخلق الأولى قالت الملائكة لرب العزة:
ما من أمة في الأرض إلا وتاريخها ينطوي على الأبيض والرمادي والأسود، لا يشذ عن هذا أحد.. فالإنسان هو الإنسان في كل زمن ومكان، وهو مفطور على الخير والشرّ معاً. ومنذ لحظات الخلق الأولى قالت الملائكة لرب العزة:
{ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}(البقرة:30)،
وكان رده عليهم: { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”30″}(البقرة).
فهو جل في علاه يريد حياة حركية غير ساكنة، تتمخض باستمرار، ويلتقي في ساحاتها الحق والباطل، والخير والشرّ، ويكون الصراع الذي يتميز من خلاله الأصيل من الدخيل، والذهب من التراب.
إن مغزى القيم الخلقية يرتكز في أساسه على هذا.. على قدرة الإنسان على مجابهة قوى الشرّ والضلال، ومدّ مساحات الخير والهدى، وكلما ازداد حجم هذه المساحات وضيّق الخناق على بؤر الشرّ والضلال، مضت الجماعات البشرية إلى الأمام، وقدرت على تنفيذ المهمة التي عهد بها إليها، والأمانة التي حملتها، وكانت صادقة مع نفسها، ومع منطق الحركة التاريخية.
ما من أمة في الأرض إلاّ وتاريخها ينطوي بالضرورة على الأبيض والرمادي والأسود.. والمهم هو كم هي مساحة الأبيض في تجارب كل أمة؟ وما مدى قدرته على الاستمرار؟ وما مقدار فاعليته في صيرورة الحركة التاريخية؟
تاريخنا الإسلامي – على ما فيه من سوء – من مساحات سوداء وأخرى رمادية – وبخاصة في حلقته السياسية – فإنه في الحلقات العقدية والدعوية والحضارية يشع تألقاً وبياضاً، ويؤكد قدرة هذا الدين على التماسّ مع الواقع وإعادة صياغته من جديد..
كما أنه – في الوقت نفسه – يعد بتقديم الخلاص للبشرية التي تفرّقت بها السبل، وسدّت أمامها المنافذ والطرق.. وهي عبر اللحظات الراهنة تعاني من ألف مأزق ومأزق، ولن يكون خلاصها – كما يؤكد الغربيون أنفسهم قبل المسلمين – إلاّ بهذا الدين وبمشروعه الحضاري الذي ينطوي على كل قيم ودوافع التقدم المادي، ولكنه يمنحه عمقاً روحياً يجعل من الحياة الدنيا حياة تستحق أن تعاش.
المعطيات كثيرة، وهي تتدفق كالسيل لمن يعرف كيف يقرأ صفحات التاريخ الإسلامي.. هنالك حرية الاعتقاد وإنسانية التعامل مع الآخر.. وهناك احترام الإنسان من حيث هو إنسان.. وهناك أخلاقية التعامل الحضاري وتقديم الثمار اليانعة لكل من يريد.. هناك – أيضاً – سلوكية القوة المنضبطة بالحكمة، ومنعها من أن تنفلت من عقالها وتضرب بوحشية وقسوة على غير هدى. لقد تعاملنا طويلاً مع «الغربي» وخبرناه جيداً..
إنه يصادر معتقداتنا ويعلن الحرب عليها.. وهو لا يكنّ أي قدر من الاحترام للإنسان خارج الدائرة الغربية من حيث هو إنسان.. وهو يمارس أبشع صيغ الأنانية في تعامله مع الكشف العلمي وبخاصة في مجال القوة..
وها هنا بالذات فإنه لا يتورع عن استخدام أقصى درجات البطش لسحق خصومه، بعيداً عن منظومة القيم الخلقية والدينية والإنسانية. ثم إن تاريخ الشعوب والأمم الإسلامية هو أقل التواريخ البشرية سوءاً اجتماعياً: على مستوى الجريمة المنظمة، والإباحية، والشذوذ الجنسي، ودمار الأسر، والإدمان على المخدرات والمغيبات، والانتحار، والتفرقة العنصرية، وابتزاز الفقراء والمستضعفين. الأبيض والأسود هما قدر التاريخ البشري..
والعبرة في قدرة الأمم والجماعات على توسيع دائرة الأبيض وتضييق الخناق على الرمادي والأسود.