العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم نجوم يُهتدى بهم في الظلمات، ومعالم يُقتدى بهم في البيداء، أقامهم الله تعالى حماة للدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولولاهم – بتوفيق من الله لهم – لطمست معالمهم والدين، وانتكست أعلامه بتلب
العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم نجوم يُهتدى بهم في الظلمات، ومعالم يُقتدى بهم في البيداء، أقامهم الله تعالى حماة للدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولولاهم – بتوفيق من الله لهم – لطمست معالمهم والدين، وانتكست أعلامه بتلبيس المضلين، وتدليس الغاوين.
ولهذا، كان من أعظم المصائب التي تبتلى بها الأمة موت العلماء؛ لأن موتهم سبب لرفع العلم النافع، وانتشار الجهل الناقع.
يقول الشاعر:
تعلم ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقْدُ حرٍّ يموت بموته بشر كثير
فهذا الحدث الجلل شرط من أشرطة الساعة كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويثبت الجهل»(متفق عليه).
والمراد برفعه هنا موت حملته، فإن العلم لا يُرفع إلا بقبض العلماء. (انظر الفتح 1/213)، وبقبضهم يقبض العلم كما في الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»(متفق عليه).
قال النووي يرحمه الله: «هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم ليس هو محوه من صدور حفّاظة، ولكن معناه: أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون. (شرح مسلم 223/1)، ومن محاسن التفسير في هذا الصدد ما ورد عند قول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) (الرعد:41).
قال الحافظ ابن كثير يرحمه الله في تفسيره للآية: «قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها، وكذا قال مجاهد أيضاً: هو موت العلماء.
فضل العلماء
1- العلماء شهادتهم مقدمة:
قال الله تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18}) (آل عمران).
فأهل العلم شهادتهم مقدمة على غيرهم من الناس، فهم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود، وهو توحيده تبارك وتعالى.
2- تزكية الله عز وجل للعلماء:
وقد أثنى الله على العلماء في صدورهم لأنهم لا يحملون إلا آياته سبحانه، وجعل الله صدورهم مطمئنة.
قال الله تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ {49}) (العنكبوت).
3- العلماء ورثة الأنبياء:
وقد أوجب الله سؤال أهل العلم، وهم أهل الذكر، كما قال الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {43}) (النحل).
4- رفع الله قدر العلماء:
قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11).
وهذه الرفعة تكون في الدنيا والآخرة.
5- لا ينقطع عمل العالم بموته:
فالعالم يتعدى نفعه للآخرين بخلاف غيره ممن يعيش ويموت ولا ينفع إلا نفسه، وأما العلماء الربانيون الذين ينتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في والأجر عند الله تبارك وتعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(أخرجه مسلم).
6- العلم يبعدك عن لعنة الله:
كل ما في الدنيا هالك وزائل لا قيمة له، والمستثنى من ذلك صنفان من الناس: العالم والمتعلم، والذاكرون الله سبحانه وتعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالما أو متعلماً»(إسناده حسن، أخرجه الترمذي 2322، انظر: «صحيح الجامع» برقم 1609).
7- بالعلم تصيب السُّنة ويكثر الأجر:
فبالعلم تصيب السُّنة، وتصح النية، فيحسن العمل، فإن فضل العلم على المال أعظم، فقد قسم رسول الله الناس على أصناف أربعة.
فعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه. قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها. وأحدثكم حديثا فًاحفظوه. قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاًًًً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاًً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بني ته فوزرهما سواء»(إسناده صحيح أخرجه الترمذي 2325).
8- استغفار كل شيء للعلماء:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر» (إسناده صحيح، أخرجه أبو يعلى).
9- طلبة العلم أهم وصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم»، قلت للحكم: ما أقنوهم؟ قال: علموهم (إسناده صحيح، أخرجه ابن ماجة برقم 247).
10- إشراقة وجوه العلماء ونضارتها:
وأهل العلم هم الذين يبلغون الناس شرع الله تعالى، ولذلك نضر الله وجوهم وجعلها مشرقة، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
قال صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، رب حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه»(إسناده صحيح، أخرجه ابن ماجة 230).
11- منة الله على أنبيائه بالعلم:
ومن شرف العلم وفضله أن الله امتنّ على أنبيائه ورسله بما آتاهم من العلم، فذكر نعمته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً {113})(النساء).
وقد منّ الله أيضاً على أنبيائه فقال لإبراهيم عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {120} شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ)(النحل).
12- شرف الانتساب إلى العلم:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ومن شرف العلم وفضله أن كل من نسب إليه فرح بذلك، وإن لم يكن من أهله، وكل من دفع عنه ونسب إلى الجهل عز عليه ونال ذلك من نفسه، وإن كان جاهلاً».
13- العلماء هم أكثر الناس خشية من الله تعالى:
قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)(فاطر:28).
ولذلك تجدهم يتورعون ويخافون ويبكون كما كان فعل السلف الصالح يرحمهم الله تعالى.