من أغرب المفارقات في تاريخ البشرية أن الإسلام الذي أنصف المرأة إنصافا كاملا ورد لها حقوقها المهدرة على مدى حضارات الإنسانية الغابرة وفي الأديان السابقة له يتعرض لهجمات شرسة من أعدائه تحت دعاوى زائفة واتهامات باطلة له بأنه يحط من شأن المرأة ويهدر حقوقها ويكبلها بقيود وأغلال صارمة، ومن أمثلة ذلك بهتانهم في مسألة الميراث ودعواهم أن الإسلام يعطي المرأة نصف ميراث الرجل فقط، ومن المدهش أن هذا القول شائع بين عوام المسلمين الذين يقولون بكل بساطة أن الإسلام جعل ميراث المرأة نصف ميراث الرجل وأيضا جعل شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل، وما علم هؤلاء أنهم يرددون أقوال الأعداء والحاقدين بدون وعي ولا علم.
وقد تصدى علماء الأمة في العصر الحديث للذب عن الإسلام فيما يخص قضايا المرأة، ومن ذلك إسهام الدكتور محمد عمارة إسهاما رائدا في قضية الميراث فبين أن الميراث في الإسلام يقوم على فلسفة معينة تفيض بالحكمة والإنسانية ثم أخيرا يأتي الدكتور صلاح سلطان ليقدم أول دراسة علمية دقيقة في هذه المسألة ليثبت بالأدلة والبرهان والأرقام أن مزايا المرأة في الميراث الإسلامي تفوق مزايا الرجل كثيرا، وعندما يتكلم المسلمون بالعلم والوقائع والإحصاءات والأرقام فإنهم يلقمون أعداء الإسلام أحجار الصمت والخزي والاستسلام.
وتأتي مقدمة الدكتور محمد عمارة لتمثل ” نقلة نوعية وتغيرا كيفيا” في قضية ميراث المرأة في الإسلام فيخرج د. عمارة من دائرة الأقوال المرسلة والعبارات الإنشائية عن حقوق المرأة في الإسلام إلى دائرة التفلسف حول نظام الميراث الإسلامي فهو نظام له منطق ويقوم على معايير تتوخى المصلحة والخير العام، وتخلو هذه المعايير من شبهة التمييز بين الذكر والأنثى، وهذه المعايير ثلاثة: ” أولها: درجة القرابة بين الوارث- ذكرا أو أنثى- والمورث المتوفى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث. وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والانوثة للوارثين.. فالبنت ترث أكثر من الأم- وكلتاهما أنثى- بل وترث أكثر من الأب! والابن يرث أكثر من الأب وكلاهما من الذكور! وثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” (النساء: 11) لأن الذكر الوارث هنا- في حالة تساوي درجة القرابة والجيل- مكلف بإعالة زوجة أنثى بينما الأنثى- الوارثة- إعالتها فريضة على الذكر المقترن بها، وحالات هذا التمييز محدودة جدا إذا ما قيست بعدد حالات المواريث. وبهذا المنطق الإسلامي يكون الإسلام قد ميز الأنثى على الذكر في الميراث، لا ظلما للذكر وإنما لتكون للأنثى ذمة مالية تحميها من طوارئ الأزمان والأحداث وعاديات الاستضعاف“
وفي مقدمته لكتابه يتطرق د. صلاح سلطان إلى استغلال أنصار الباطل لموضوع المرأة ليكون مرتعا خصبا لهم للهجوم على الإسلام، لكن آراء هؤلاء من قبيل الزبد الرخيص الذي يزول مع تفنيد أهل العلم الغيورين على الإسلام لتلك الدعاوى والأباطيل بالبراهين الساطعة والأدلة الدامغة ثم يذكر دافعه الأساسي لكتابة هذه الدراسة العلمية الرائدة والدامغة ” ..فإن حق المرأة في الميراث لم أقف فيه على دراسة علمية متأنية تعالجه معالجة موضوعية، فانتدبت نفسي تقربا إلى الله تعالى وحمية على هذا الدين المتين، والتماسا للمعذرة بين يدى الله تعالى يوم الدين لأن هذا من فروض الأعيان علينا نحن المتخصصين في الشريعة الإسلامية” ويقسم المؤلف كتابه إلى أربع مباحث كما يلي: المبحث الأول: الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل. المبحث الثاني: حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل. المبحث الثالث: حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل. المبحث الرابع: حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل. ألا يجب أن يثير فينا ذلك التقسيم الدهشة والاستغراب!!! هكذا يتم التركيز على قسم واحد فقط من الأقسام الأربعة وهو الأول الذي ترث فيه المرأة نصف الرجل ليتم تضخيمه وتهويله وتحويله إلى كرة ثلجية تدحرجها أيدي الأعداء والحاقدين لتكسبها مزيدا من الحجم والضخامة ولتكبر الكرة أكثر وأكثر ويصرخ مدعي الإنسانية والمتاجرين بحقوق الإنسان بأن الإسلام يظلم المرأة في الميراث، وتناسى هؤلاء جميعا أن كرتهم المفتعلة هشة مائعة لا وزن لها ولا كيان، وها هو عالم من علماء الإسلام يأتي بالأدلة العلمية من أنصبة المواريث والأرقام والإحصاءات والجداول والأمثلة الحقيقية ليثبت الموقف الحقيقي للإسلام في قضية الميراث وليزيل بصفة نهائية الموقف المفتعل الذي صنعه أعداء الإسلام وأيضا بعض جهال المسلمين.
المبحث الأول: الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل:
1- وجود البنت مع الابن: مصداقا لقوله تعالى ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” (النساء: 11).
2- عند وجود الأب والأم ولا يوجد أولاد للمتوفي ولا زوج أو زوجة: مصداقا لقوله تعالى ” فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث” هنا ترث الأم الثلث ويرث الأب الثلثين.
3- وجود الأخت الشقيقة أو الأخت لأب (غير الشقيقة) مع الأخ الشقيق أو الأخ لأب: وذلك لقوله تعالى ” وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين” (النساء: 176).
4- حالات حظ الأنثيين: لقوله تعالى ” ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين” (النساء: 12) والآية خاصة بالميراث بين الزوجين، فالمرأة ترث الثمن من ميراث زوجها المتوفي إن كان له فرع وارث، وإن لم يكن ترث الربع، أما الرجل فيرث الربع من زوجته المتوفاة إن كان لها ولد فإن لم يكن لها فيرث عنها النصف.
هذه أربع حالات فقط لا غير ترث فيها المرأة نصف الرجل وهي الحالات التي تلقفها أعداء الإسلام وحولوها إلى كرة ثلجية ضخمة ناسين أو متجاهلين هشاشتها وهوانها.
المبحث الثاني: حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل:
أولا: حالات ترث فيها الأم نفس ما يرثه الأب مثل الآتي: – ميراث الأم والأب مع وجود ولد ذكر. – ميراث الأم مع الأب مع وجود بنتين – ميراث الأم مع الأب عن ابنتهما المتوفاة التي لها زوج وبنت – هناك حالات تأخذ الجدة فيها مثل الأب مع كونها جدة لأم
ثانيا: ميراث الإخوة لأم مع الإخوات لأم دائما في الميراث: لقوله تعالى ” وإن كان رجل يورث كلالة أو إمرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث” فلا فرق بين الأخ لأم والاخت لأم فكلاهما يرث السدس.
ثالثا: المسألة المشتركة: ويقصد بها وجود زوج وأم للمورث وأيضا إخوة لأم وأخ شقيق، فالإخوة لأم يأخذون الثلث المتبقي من الميراث سواء كانوا ذكورا أو إناثا ولا يتبقى شئ للأخ الشقيق، وقد عدل عمر وزيد وعثمان هذا التوريث إلى إشراك الأخ الشقيق في الثلث الأخير من الميراث ويقسم بينهم بالتساوي.
رابعا: تساوي المرأة والرجل عند انفراد أحدهما بالتركة: إذا مات المورث عن وارث واحد فقط فإن هذا الوارث- سواء كان رجلا أو إمرأة- يأخذ الميراث كله. مثلا إذا كان الوارث الأب فإنه يحصل على الميراث كله تعصيبا، أما الام فإنها تحصل على الثلث ميراثا والباقي ردا عليها فتكون المحصلة أنها حصلت على الميراث كله، مثال آخر أن الخال يحصل على الميراث كله لأنه من ذوي الأرحام وأيضا الخالة تحصل على الميراث كله لأنها من ذوي الأرحام، وعلى نفس المنوال يتساوى الابن والبنت، والأخ والأخت، والزوج والزوجة، والعم والعمة في حال كون كل واحد منهم وارث وحيد.
خامسا حالات أخرى:
أ- تساوي الأخت الشقيقة مع الشقيق في ميراثهما عن الشقيقة المتوفاة التي لها زوج ب- تساوي الأخت لأم مع الأخ الشقيق دون تشريك في ميراثهما عن الأخت.
ج- تساوي عدد النساء مع الرجال فيمن لا يحجبون أبدا: هناك نوعان من الورثة في مسألة حجبهم من الميراث، فهناك حجب حرمان وهو حجب كلي، وحجب نقصان يؤدي إلى نقص نصيب الوارث، وعلى النقيض هناك ورثة لا يحجبون حجب حرمان أبدا وهم:
الزوج والزوجة
الابن والابنة
الأب والأم
فهم ثلاثة من الذكور وثلاثة من الإناث
د- ميراث ذوي الأرحام وفيه ثلاثة مذاهب: الأول يساوي بين جميع ذوي الأرحام ذكورا وإناثا في أنصبتهم من الميراث، والثاني ينزل ذوي الأرحام منزلة أصولهم، والثالث يعتد بالأقرب إلى الميت من ذوي الأرحام.
المبحث الثالث: حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:
يقوم نظام المواريث الإسلامي على طريقتين: 1-الميراث بالفرض كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية وأنصبة الميراث بالفر ض هي الثلثان أو الثلث أو السدس أو النصف أو الربع أو الثمن.
2- الميراث بالتعصيب وهو ميراث لما بقى بعد الميراث بالفرض، وهناك عصبة بالنفس مثل الابن وابن الابن وإن نزل، والأب وأب الأب وإن علا، وهناك عصبة بالغير وهي الأخت مع الأخ والابن مع الابنة، وعصبة مع الغير مثل الأخت الشقيقة أو لأب مع البنت أو بنت الابن. والتوريث يبدأ بأصحاب الفروض ثم يوزع ما يتبقى على أصحاب العصبات، وباستقراء نظام المواريث وجد المؤلف أن ميراث النساء بالفرض يعطيهن مزايا أكثر بكثير من ميراث الرجال بالتعصيب وقد توصل إلى هذه النتائج الخاصة بالفروض الواردة في القرآن والسنة والتي لا يمكن أن توصف بصفة سوى أنها مدهشة أو مذهلة:
أ- أكبر الفروض هو الثلثان ولا يحصل عليه إلا النساء فقط وهن: البنتان فأكثر، بنتا الابن فأكثر، الشقيقتان فأكثر، الأختان لأب فأكثر، ولا وجود للرجال في هذا الفرض
ب- فرض النصف ويحصل عليه أربع نساء وهن: البنت الواحدة، وبنت الابن الواحدة، والشقيقة الواحدة، والأخت لأب الواحدة. ويحصل على النصف أيضا رجل واحد فقط هو الزوج مع اشتراط عدم وجود فرع وارث معه.
ج- الثلث ويأخذه الأم والأخت لأم ، ويأخذه رجل واحد هو الأخ لأم
د- السدس ويأخذه خمسة من النساء هن: الأم، والجدة، وبنت الابن، والاخت لأب، والأخت لأم، بينما لا يأخذه سوى ثلاثة رجال هم: الأخ لأم والأب والجد.
و- الربع وتأخذه الزوجة إذا لم يكن هناك فرع وارث للزوج، ويأخذه الزوج إذا كان هناك فرع وارث للزوجة
ي- الثمن وهو للزوجة إذا كان هناك فرع وارث للزوج.
وهكذا نرى أن النساء يرثن في سبعة عشرة حالة بالفرض بينما يرث الرجال بالفرض في ست حالات فقط، فالنسبة 17: 6 لصالح النساء، وفي حال تداخل الميراث بالفرض مع الميراث بالتعصيب في بعض الحالات فإن فرصة المرأة في الميراث بالفرض قد تكون أفضل من فرصة الرجل في الميراث بالتعصيب ويضرب المؤلف عدة أمثلة على ذلك، منها مثال لو توفت إمرأة عن ستين فدانا وكان الورثة زوج وأب وأم وبنتان فسيكون نصيب كل بنت 16 فدانا بالفرض بينما لو جعلنا مكان البنتين ابنين فسيرث كل ابن 2/1 12، اثنا عشر فدانا ونصف فقط.
المبحث الرابع: حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال:
أ- مثال إذا ماتت المرأة عن زوج وأب وأم وبنت وبنت ابن ترث بنت الابن بالفرض، ولو جعلنا ابن الابن مكان بنت الابن فإنه لا يرث شيئا. ب- مثال آخر لميراث الأخت لأب بالفرض بينما لا يأخذ نظيرها الأخ لأب شيئا. ج- ميراث الجدة فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد، وقد ترث الجدة ولا يرث معها زوجها الجد.
النتيجة النهائية لهذا الاستقراء أنه هناك أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل أو ترث أكثر منه أو ترث هي فقط ولا يرث هو شيئا، كل ذلك في مقابل أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف ميراث الرجل.
النتائج المذهلة التي توصلت إليها هذه الدراسة العلمية الدقيقة الشاملة في ميراث المرأة في الإسلام تجعلنا عاجزين في النهاية عن القول أو التعليق بأي شئ، ولن يسعنا سوى التنبيه على ثلاثة أمور:
أولها وأهمها: إن هذه الدراسة الرائدة والعظيمة التي قدمها د. صلاح سلطان تعتبرالقول الفصل والحد الفارق والرد المفحم الشامل في مسألة ميراث المرأة في الإسلام، وأن شبهة ميراث المرأة في الإسلام قد انتهت تماما بلا رجعة.
ثانيها: يحتاج كل بيت مسلم إلى وجود هذا الكتاب ومذاكرته جيدا وقراءته بتمعن واستيعاب ما فيه لكى يكون ذخرا لكل مسلم في ثقافته الفقهية في مسألة المواريث وأيضا في مواجهته الفكرية مع أي دعي حاقد على الإسلام، وليكن أضعف الإيمان أن يشير المسلم إلى هذا الكتاب وبياناته ويحيل مجادله وخصمه إليه لقراءته.
ثالثها: ونشير إلى ما هو أكثر إدهاشا ودلالة وهو أن هذا الكتاب الثمين العظيم يتكون من خمسين صفحة فقط!! بل وأيضا فإنه من القطع الصغير!! فالأمور المتفقة مع قدرات العقل والنور الفطري يكون بيانها يسيرا بسيطا وهكذا هو الإسلام في عقائده وشرائعه، أما الأمور التي تستحيل عقليا فهي التي يحتاج أصحابها إلى آلاف وألاف الصفحات لتبريرها وتسويغها وما زادوا أنفسهم إلا خبالا وظلاما.
—–
* المصدر: المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير (بتصرف)