الاستشارة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والداي متزوجان منذ أكثر مِن ثلاثين عامًا، وللأسف مشكلاتهما الآن كثيرة، وهي على أمور تافهة.
حاولتُ أن أهدئ الأمور بينهما لكن لم أفلحْ، وكلاهما مريض بالقلب، ولا أريد أن يزداد مرضهما، فأخبروني كيف أحل الأمور بينهما؟!
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بُنيتي الغالية حياكِ الله.
قد لا يكون مِن السهل تغييرُ بعض الوقائع والأحداث في حياتنا، وقد نعجز مهما فعلنا عن التأليف بين قلوبٍ متنافرة، وقد تبوء محاولاتنا بالإخفاق متى ما بذلنا كافةَ الجهود للإصلاح بين متخاصمين، ولكن يبقى الدرسُ أمامنا لنتعلم ونتعظ، والحياةُ كلها عِبَرٌ ومواعظ، بعضُها صامتٌ وبعضُها له دويٌّ مؤلم كدويِّ النحل ينخر في الآذان فيؤذيها!
مِن أسوأ ما يقع فيه الزوجان أن ينظرَ كلٌّ منهما للآخر تلك النظرة المادية العقيمة، التي لا تلبث أن تتبدَّلَ مع مرور الأيام؛ فتنظر الزوجة لرجل طويل القامة وسيم الملامح سخي البذل عذب الحديث، وينظر الرجل لامرأةٍ جميلة الوجه حسنة الصوت ناعمة الشعر.. إلى سائر الصفات المادية البحتة التي ما إن تُمحَ مع الأيام حتى تتغيَّر نظرتها لذلك الرجل الذي نحل شعره وتغيَّر شكله، ويستقبح منها أن تبدَّلَ عودها بعد الإنجاب، وتغيرتْ نبرة صوتها الرقيق، وينسى كلُّ واحدٍ أنَّ تلك التجاعيد والشعرات البيض تحكي قصة كفاحهما معًا، فتُنبئ الناظر إليهما بجهد السنين وتعب الأيام التي أفنياها في تربية أبناء صالحين يكونون عونًا لهما في حياتهما ويتذكرونهم بدعاء صالح بعد مماتهما.
ولو نظَر كلُّ واحدٍ إلى صاحبه نظرةً أعمق، وفكَّر فيه بصورة أشمل تتخطَّى حدودَ الماديات وتسمو فوق الصور والأشكال، لَمَا تغيَّر الحبُّ وغابت المودة!
بُنيتي، قد لا تتمكنين من إصلاح كلِّ ما بينهما، ولكن بيدكِ أن تقربي الصور، وتَذكُري محاسن كل واحد أمام الآخر، وأنتِ أعلم بشخصياتهما وما يتأثران به.
فحاولي تجنيبهما كل ما يُؤَجِّج المشكلات مِن بدايتها؛ سواء كان يتعلق بكِ أو بغيركِ، وإن لم تفلحي في استئصال الخلاف من بدايته، ورأيتِ الدخان يعلو مُنذرًا باقتراب ثورة البركان؛ فتدخلي في الحديث بلطفٍ، مُذكرة كلًّا منهما بالأسلوب الأمثل للنقاش، أو أن تأخذي والدتكِ إلى غرفة أخرى مُظهرة حرصكِ عليها بعد أن تعتذري لوالدكِ عما بدر منها، ثم تعتذري لها في الغرفة، مُذكرة إياها بأن الوالد صار في عمرٍ يُعذر به في كثيرٍ مِن الأمور؛ فيوحي لها مثل هذا الحديث أنها أصغر منه عمرًا بدرجة تجعلها هي من يَعذر ويتحكم في انفعالاته بصورةٍ أكبر منه، وما أجمل وقْعَ ذلك الكلام على امرأة في عمرها!
ثم لا مانع أن تُحادثي والدكِ على انفراد بِمِثل ذلك، وتذْكُري له أنَّ الله جعل القوامة للرجال لرجاحة عقولهم، ولاعتدالهم في المشاعر ولغيرها مِن حميد الصفات، مما قلَّ أن يوجد لدى النساء؛ مما يحمله على إعذارها والتلطف معها.
ستجدين في ذلك بعض المشقة، ولعلكِ تيأسين أحيانًا، ولكن تذكَّري عظيم الأجر في برهما ومحاولة التقريب بينهما، ولا يخفى عليكِ أجر الإصلاح بين الناس بصفة عامة؛ ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 114).
فاستعيني بالله، وسلي الله لهما التوفيق والهداية وصلاح الحال.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المصدر: “الألوكة”.