راوحت عقود النفط الخام بين 61 – 72 دولاراً بالنسبة لخام برنت، منذ مايو الماضي حتى تعاملات الأربعاء، لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة، تشترك في معظمها الولايات المتحدة.
ومنذ أزمة هبوط أسعار النفط الخام منتصف عام 2014، نزولاً من 112 دولاراً للبرميل، كانت عوامل العرض والطلب والتغيرات الاقتصادية العالمية، هي المتحكم الأبرز في أسعار الخام.
إلا أن تولي رجل الاقتصاد دونالد ترمب إدارة البيت الأبيض مطلع عام 2017 بعد فوزه بالانتخابات، جعل الحضور الأمريكي في غرفة قيادة أسواق النفط لافتاً.
الحرب التجارية
بعد 14 شهراً من توليه منصب رئيس الولايات المتحدة، بدأ ترمب بفتح ملفات بلاده التجارية مع الصين، وبالتحديد في مارس 2018، عبر تهديدها بفرض رسوم ما لم توقع معه اتفاقاً يقلص من عجز التجارة المشتركة.
وتُعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط 11.8 مليون برميل يومياً، وثاني أكبر مستورد له بـ6.8 مليون برميل، بعد الصين (9 ملايين برميل يومياً).
ومع تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين عالميين، وتبادل فرض الجمارك والرسوم، شهدت أسعار النفط تراجعات حادة، إذ هددت الحرب باحتمالية تراجع الطلب على الخام من جانب المستورد الأكبر.
كذلك، كانت نتيجة تهديدات ترمب بحرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي والمكسيك منذ عام 2018 حتى اليوم، أن ضغطت على سعر البرميل عالمياً.
في عام 2018، زاد عجز تجارة الولايات المتحدة مع الصين بـ43.6 مليار دولار إلى 419.2 مليار، بهبوط الصادرات الأمريكية بمقدار 9.6 مليار دولار إلى 120.3 مليار دولار، وارتفاع وارداتها منها بمقدار 34 مليار دولار إلى 539.5 مليار.
تراوح سعر برميل برنت بين 52 – 85 دولاراً للبرميل، منذ إطلاق شرارة الحرب التجارية في مارس 2018 حتى اليوم، رغم أنها (الحرب) لم تكن اللاعب الوحيد في تذبذبات الأسعار الحادة.
حساب ترمب على “تويتر”
وتحول حساب الرئيس الأمريكي على موقع “تويتر” منذ عام 2018، لأداة ضغط على أسعار النفط العالمية، بإطلاق اتهامات لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، بالتسبب في زيادة الأسعار.
ووفق رصد أعدته “الأناضول”، غرّد الرئيس الأمريكي 11 مرة لمطالبة “أوبك” بتخفيض أسعار النفط الخام، وتحفيز النمو العالمي.
وأدت تغريدات ترمب إلى إحداث حالة من الارتباك في أسواق النفط العالمية، وفقاً لمراقبين في سوق النفط، بعد أن تسببت في عدم اليقين وتضارب الرؤى لدى المتعاملين.
ولأول مرة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، يكون لتغريدات “تويتر” تأثير جوهري ضمن أدوات الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية، التي تستخدمها لتحقيق مصالحها النفطية.
عقوبات إيران وفنزويلا
أيضاً، تسبب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، في مايو 2018، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية ونفطية على طهران، إلى تراجع إنتاج الأخيرة من الخام.
وتسببت العقوبات النفطية التي دخلت حيز التنفيذ في 5 نوفمبر 2018، بتراجع إنتاج طهران، من متوسط 3.83 مليون برميل يوميا كمتوسط في عام 2018، إلى 2.5 مليون برميل يومياً في أبريل 2019.
ونفس سيناريو تراجع الإنتاج، طرأ على فنزويلا، التي تواجه ضغوطات وعقوبات أمريكية، ارتفعت حدتها في عام 2019، أفضت إلى تراجع إنتاجها النفطي لمتوسط 900 ألف برميل، من 1.6 مليون برميل كمتوسط يومي في عام 2018، الأمر الذي هدد بتراجع الإمدادات للسوق العالمية.
ولتجنب ارتفاع أسعار النفط عالمياً، بفعل العقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا، طلب الرئيس الأمريكي في أكثر من مناسبة من “أوبك” زيادة الإنتاج.
وأعلنت كل من السعودية (تنتج 10 ملايين برميل يومياً) والإمارات (3 ملايين برميل يومياً) والعراق (4.5 مليون برميل يومياً)، في أكثر من مناسبة، استعدادهم لتلبية إمدادات الطاقة عالمياً.
عوامل أخرى
إلى جانب الولايات المتحدة، فإن تقارير النمو العالمية، خاصة تلك الصادرة عن الاقتصادات الرئيسة كالصين، ومؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، لها تأثير متفاوت على سعر البرميل.
وخفضت الصين، خلال وقت سابق من العام الجاري، توقعاتها لمعدل نمو اقتصادها إلى 6 و6.5% في عام 2019، مقابل 6.6% في عام 2018.
ويؤدي تباطؤ اقتصاد الصين إلى إلحاق ضرر بمصدري السلع الأساسية، مثل روسيا وسنغافورة وهونج كونج وتايوان وتايلاند ودول أخرى.
واقتصاد الصين البالغ 12 تريليون دولار، يشكل ما يقرب من ثلث النمو العالمي سنوياً، ويساهم نموه في خلق فرص العمل عالمياً.
ورغم نجاحهم في زيادة سعر برميل النفط منذ مطلع عام 2019، فإن كبار المنتجين في “أوبك”، والمستقلين بصدارة روسيا، لم يحققوا الفائدة القصوى من اتفاق خفض الإنتاج الأخير.
وبدأ تحالف “أوبك +” الذي يضم الدول الأعضاء في “أوبك”، إضافة إلى منتجين مستقلين بقيادة روسيا، خفض الإنتاج النفطي بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، لمدة 6 أشهر، اعتباراً من مطلع العام الجاري، وسط احتمالية تمديده حتى نهاية عام 2019.
ورغم اتفاق سابق لخفض الإنتاج بدأ مطلع عام 2017 وانتهى في ديسمبر 2018 من جانب “أوبك +”، إلا أن سعر البرميل لم يتجاوز 86 دولاراً، وكان ذلك في أكتوبر 2018، أي أقل بنسبة 25% عن ذروته منتصف عام 2014.