في مقال سابق ذكرتُ كيف يتم التشويه المتعمد لتاريخ العرب وصورة العربي في جزيرة زنجبار بشرق أفريقيا من خلال المتاحف والآثار والمزارات السياحية والكتب المدرسية.
وأستكملُ الموضوع ذاته مع تجربة ثرية جداً من شخصية نادرة ومؤثرة تركت أياديها البيضاء في القارة الأفريقية، وهو الطبيب الكويتي الراحل عبدالرحمن السميط، وتجربته التي أنقلها عنه من دولتي زيمبابوي وملاوي.
في زيمبابوي، وجد -يرحمه الله- أطلالاً من أبنية حجرية ضخمة مبنية بطريقة هندسية فريدة لم تعرفها أفريقيا من قبل، ويوجد بقربها قبور مكتوب عليها باللغة العربية، وآثار عليها نقوش إسلامية، وعملات عربية، وبقرب المكان يوجد قبيلة اسمها “الفارمبا” وتعني بلغة ماتبيلي المحلية “الغرباء”، وحين سأل عن أصول هذه القبيلة، عرف أنها من بلاد العرب، وقال له أحد المسنين من هذه القبيلة: إن أصلها من بلد اسمها “أومن” -يقصدون عُمان- وفي المكان نفسه تم اكتشاف قبر مكتوب عليه باللغة العربية: هذا قبر “سالم بن صالح” مؤرخ بعام 95 من هجرة النبي العربي.
وقد تم نقل بعض آثار تلك الأطلال إلى متحف، وتفاجأ د. السميط بالكتابات التعريفية تحت تلك الآثار؛ فقد وجد أساور نُقش عليها بالعربية “لا إله إلا الله”، وكتبوا تحتها: “هذا دليل على وصول الحضارة الفارسية إلى هذه الأطلال”!
ووجد إصيص زهور كُتب عليه بالعربية “هذا من فضل ربي”، وكتبوا تحته: “إنه دليل على وصول الحضارة الصينية”!
ووجد نقوداً مسكوكة باللغة العربية، كتبوا تحتها: “هذا دليل على عراقة الحضارة السواحيلية”!
وحين أدرك أن هناك تعمداً لطمس وصول الحضارة العربية الإسلامية لتلك الأماكن، سأل دليله السياحي وكان من قبيلة “الفارمبا” عن سبب ذلك، فقال له: “إن المستشار الأوروبي في حكومة زيمبابوي طلب منهم عدم ذكر أي شيء يتعلق بالعرب والمسلمين في هذه المنطقة وعلاقتهم بتلك الأطلال”!
ومن دولة ملاوي، يذكر في السياق ذاته حادثة عجيبة ذكر فيها أن أستاذ التاريخ في جامعة مالاوي -وهو أمريكي مسيحي لا علاقة له بالإسلام- قام بإلقاء محاضرة علمية بحتة في الجامعة، ذكر فيها أكاذيب المبشرين المسيحيين عن قيام العرب والمسلمين بتجارة العبيد من مالاوي إلى منطقة الساحل.. إلى آخره.
فاستغل المبشرون نفوذهم، وأثاروا الحكومة في مالاوي، وتم تسفير هذا الأستاذ الجامعي خلال أربعة وعشرين ساعة من مالاوي!
ومن الآثار والمتاحف والجامعات ينتقل إلى صورة رآها في مناهج الدراسة توضح سفينة عليها مئات العبيد الذين قيدت أيديهم وأرجلهم وكتب عليها: “سفينة من سفن التجار المسلمين تنقل العبيد من مالاوي إلى بلاد العرب”.
يقول: وجدت نفس هذه الصورة في متحف كلية الأطباء والجراحين الملكية البريطانية في “أدنبرة”، كُتب عليها اسم السفينة البريطانية واسم الشركة المالكة لها في مدينة “ليفربول”، وكُتب تحتها أنها تنقل العبيد من غرب أفريقيا إلى أمريكا!
هذه نماذج سبق إليها د. السميط، تضاف إلى ما رأيته بعيني، ونقلته بقلمي في مقالات سابقة، وتوضح وجود خطة استعمارية محكمة لتشويه صورة العرب والمسلمين عند الأفارقة.
تلك الخطة الواضحة تضع مسؤولية كبيرة على البعثات الدبلوماسية العربية في هذه البلاد للقيام بمسؤوليتها في دفع الافتراء وتصحيح الأخطاء بل وممارسة النفوذ لوقف هذا التشويه المتعمد في حق العرب والمسلمين.