حمّل عدد من الأطباء والقانونيين الحكومة المصرية مسئولية ما يجري جراء جائحة كورونا بسبب التقصير الواضح في معالجة الأزمة في الموجة الثانية، سواء بغياب الشفافية أو بعدم توسيع المسحات أو التقصير في حماية الطاقم الطبي، رافضين أن يكون فرض غرامات مخالفات ارتداء الكمامة هو الحل الوحيد والأسهل، معتبرين ذلك نوعا من الجباية بالمخالفة للقانون.
وطالبوا في تصريحات لـ”المجتمع” بضرورة محاسبة أي مسئول يخالف اللوائح والقوانين، ولا يمثل القدوة الصحيحة، كما جرى مؤخرا من جانب وزيرة الصحة التي خالفت قرارات مجلس الوزراء، وحضرت أحد الأفراح دون مراعاة الإجراءات الصحية المطلوبة في أحد الأماكن المغلقة، فضلا عن عدم محاسبتها فيما جرى مؤخرا بمستشفى الحسينية وزفتى؛ حيث توفي عدة أشخاص من مرضى فيروس كورونا.
ومؤخرا أصدر مجلس الوزراء قرارا بتحصيل غرامة فورية تبلغ خمسين جنيها مصريا لمن يخالف ارتداء الكمامة في الأماكن المحددة لذلك، ومنح الضبطية القضائية لأكثر من جهة لتحصيل الغرامة الفورية.
وفي أحدث إحصائية أعلنت الحكومة أنها حصلت أكثر من مليون جنيه في يوم واحد نتيجة مخالفات عدم ارتداء الكمامة، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء عن تحرير 21 ألف محضر غرامة فورية لمخالفي الإجراءات الاحترازية في يوم واحد أيضا.
الغرامات وحدها لا تكفي
من جانبه اعتبر أمين صندوق نقابة الصيادلة الأسبق أحمد رامي الحوفي أن كل ما يتخذ من إجراءات هي أمور شكلية، ومحاولة لتسجيل موقف، وهذه القرارات هي معالجة العرَض وليس المرض، وإن كان يبدو هذا الأمر مهما –وهو كذلك بالفعل- فإنه كان يجب اتخاذ قرارات أخرى بالتوازي، من قبيل توسيع عدد المسحات، وحماية الطاقم الطبي، ومنع التكدس، ووضع حد للتجمعات الكبرى وغيرها من الإجراءات الأخرى، وكل هذا كان سيحد من تفاقم انتشار الفيروس ويحافظ على المواطنين، ولكن إطلاق حرية التحرك، وترك الأمور بهذه الخفة والاستسهال مؤشر خطير، ولا يعالجه مجرد غرامة كمامة.
وطالب الحوفي في حديثه لـ”المجتمع” الحكومة المصرية بالشفافية والوضوح، وعدم التكتم على الحقائق بشأن هذه الجائحة، مشيرا إلى واقعة الحسينية وزفتى مؤخرا، والتي راح ضحيتهما مرضى الفيروس جراء عدم وجود الأكسجين، وقبلهما قضى آخرون من مرضى كورونا حرقا بسبب حريق بأحد المستشفيات، مؤكدا أن هناك أمورا كثيرة وقرارات أخرى يجب اتخاذها، بالإضافة إلى غرامات الكمامات التي لا تصلح وحدها.
جباية بالمخالفة للقانون
أما المحامي والباحث القانوني أحمد العطار فيقول: إن المتتبع للإجراءات التي تقوم بها السلطات المصرية منذ سنوات بفرضها ضرائب وغرامات وتحميل أعباء جديدة على كاهل المواطن المصري، بالتأكيد سيتشكك في أي إجراء ستقوم به هذه السلطات، ونحن مع كل إجراء من شأنه أن يحافظ على صحة المواطن المصري، ويقلل من حدة انتشار فيروس كورونا، وقرار ارتداء الكمامة أراه قرارا وإن كان سليما ومطلوبا، لكنه أتى متأخرا كثيرا؛ فأعداد الإصابات والوفيات المعلنة من قبل وزرارة الصحة بالتأكيد لا علاقة لها بالواقع الفعلي؛ فالأرقام في تصاعد مستمر وانتشار الفيروس في زيادة.
وحول الشق القانون فيما يخص الغرامات والضبطية قال العطار لـ”المجتمع”: “فرض الغرامات على المخالفين أراه غير قانوني لأن مجلس الوزراء لم يحدد لنا على أي قانون استند في فرض هذه الغرامات الفورية، وأين تذهب الغرامة المدفوعة”، مؤكدا أن الحكومة المصرية استعدت لفرض مثل هذه الجبايات أو الغرامات أو الضرائب من خلال توسعها في التعديلات في القانون الخاص بمنح جهات عديدة لحق الضبطية القضائية؛ وهو ما سيؤدى بالتأكيد إلى غلو جهات وتجبرها في طريقة تعاملها مع المواطنين باعتبارهم أصحاب الكلمة الأولى في تحصيل الغرامات المفروضة.
وأضاف العطار: السلطات المصرية بصفتها هي التي تدير المنظومة بأكملها، فهي مسؤولة مسئولية كاملة عن هذه الكارثة البشرية التي حدثت، والمستمرة في الحدوث، وأرى أنها تحاول أن تشتت (بطريقة الإلهاء المعروفة) وتلغي أو تتهرب من مسؤولياتها عن التقصير الحادث عن طريق إلصاق التقصير بالشعب وحده، وكأن الواقع الذى رأيناه جميعا في الفيديوهات الكثيرة المنتشرة على السويشيال ميديا كأن الشعب هو المسؤول عنه، وما رأيناه من تصرف وزيرة الصحة أثناء حضورها أحد الأفراح؛ حيث إنها كان من المفترض أن تكون قدوة ومثالا لتطبيق القرارات والالتزام بها، لكن وجدناها تتعامل بمنطق الحكومة نفسها.
محاسبة الوزيرة
أما الطبيب بوزارة الصحة محمود المنياوى فقد انتقد الإجراءات الفاشلة التي قامت بها السلطات المصرية منذ بداية تعاملها مع الفيروس، والتي دفع ثمنها الأبرياء ومنهم المئات من الأطباء والأطقم الطبية من أعمارهم، نتيجة فشل الدولة في توفير إجراءات ووسائل حماية لهم، وكذلك الأمر يتعلق بالإجراءات التي يقوم بها المواطنون، ومنها بالتأكيد عدم ارتداء الكمامات في وسائل المواصلات والأماكن المغلقة، وهو ما حاولت قرارات مجلس الوزراء معالجته مؤخرا بفرض غرامة على المواطنين غير الملتزمين، وإن كان هذا إجراء جيدا إلا أنه تأخر كثيرا.
ووجه الطبيب بوزارة الصحة اللوم لوزيرة الصحة لمشاركتها في أحد الأفراح، بعد أن كانت قد شاركت في اجتماع للحكومة قبيل ما جرى، اتُّخذ في عدة قرارات، منها المنع الكامل لسرادقات الأفراح والعزاء وأي تجمعات، ولكن الوزيرة خالفت ذلك بوضوح وهنا كان يجب مساءلتها ومحاسبتها على ذلك، وهنا يمكننا القول بأن الأمر لا يعالج بالغرامات فقط ولكن بالتوعية والقدوة الصحيحة.