نجحت حركة «حماس»، فجر السابع من أكتوبر 2023م، في القيام بهجوم مباغت وغير مسبوق على الداخل الصهيوني، في عملية أطلقت عليها اسم «طوفان الأقصى»، لا تشبه بدورها أياً من الحروب الثلاث الكبرى التي خاضتها الحركة في مواجهة الكيان منذ العام 2008م.
استخدام «حماس» عنصر المفاجأة
حققت الحركة نجاحاً كبيراً في بداية العملية، لاستخدامها عنصر المفاجأة، كما جرى في حرب السادس من أكتوبر 1973م، إذ لم يكن متوقعاً، بأي شكل، أن تشن الحركة حرباً ضخمة ضد الكيان الصهيوني في ساعات الصباح الباكر وعلى أكثر من جبهة وموقع؛ براً وبحراً وجواً، وبآلاف العناصر المسلحة.
لم يتوقع الصهاينة تكرار عنصر المفاجأة رغم مرور 50 عاماً كاملة على حرب أكتوبر، حيث يزعمون، دوماً، أن ذلك الأمر لن يتكرر أبداً، فهي تأتي مرة واحدة في التاريخ، ولكنه تحقق على يد منظمة عسكرية صغيرة (حماس)، عدة وعتاداً، وليس عن طريق جيش نظامي، وهي هزيمة مريرة للكيان، بعيداً عن قدراتها العسكرية أو الاستخباراتية، وهو ما يفسر تكرار مصطلح «ضربة مفاجأة للحركة ضد بلادنا» في تحليلات الكُتَّاب الصهاينة.
من الصعب التكهن بموعد نهاية الحرب ومآلها
تمكنت الحركة الفلسطينية الصغيرة من تحقيق نجاحات أولية أمام الكيان حينما اقتحمت الداخل الصهيوني بأعداد كبيرة وبخطوة غير مسبوقة، إلا أن التداعيات الإستراتيجية للهجوم المباغت الذي خاضته «حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، لا تزال غير واضحة المعالم.
يصعب التكهن بالنتيجة التي تنتهي بها المواجهة الدائرة بين الكيان من جانب و«حماس» أو الفصائل الفلسطينية من جانب آخر، بعد اندلاع مجازر صهيونية كاملة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، خاصة مع سريان تيار داخلي جارف يقضي بأن ما بعد عملية «طوفان الأقصى» لن يكون كما قبلها، وفي ظل إعلان نتنياهو «حالة الحرب» للمرة الأولى في بلاده، منذ العام 1973م، نظراً لفجاعة الحدث الذي وقع كالصاعقة على الصهاينة.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
ورغم مرور ساعات طويلة على تدخل القوات الصهيونية ومواجهة العناصر الفلسطينية المسلحة التي تسللت إلى الداخل واختراق الجدار الفاصل، فإن «تل أبيب» لم تعترف بنجاح عملية «طوفان الأقصى» إلا بعد يوم أو يومين من بداية انطلاقها، لتعلن انطلاق عملية «السيوف الحديدية» لإخراج تلك العناصر من الداخل الصهيوني، ثم التوجه نحو تصفية من تبقى منهم في غزة.
لم تعلم «تل أبيب» بفشلها الذريع في مواجهة مجموعة «حماس» المنظمة إلا من وسائل التواصل الاجتماعي، وتداول المستوطنون لحظات دخول العناصر الفلسطينية إلى أماكنهم، بالصوت والصورة، وأدركت أنها أمام لحظة فارقة في تاريخ البلاد، تشبه إلى حد بعيد واقعة «11 سبتمبر» في أمريكا.
وبعد تداول وسائل الإعلام العبرية لقطات فيديو تبيَّن حالة الأضرار الفادحة للوضعين، العسكري والأمني، في الداخل الصهيوني، ربما لا يمكن تجاوزها بسهولة، اتجهت الآلة العسكرية إلى الانتقام والثأر من الفلسطينيين في القطاع، لتتناول التحليلات الصهيونية نفسها، فيما بينها، نجاحات «حماس» الفارقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، مقابل الإخفاق أو الفشل الصهيونيين الواضحين.
الاعتراف بإخفاق استخباراتي
لم يكد يمر على عملية «طوفان الأقصى» سوى ساعات قليلة، حتى طالب البعض داخل الكيان بإجراء تحقيق عسكري موسَّع فيما جرى من إخفاق استخباراتي لم تشهده بلادهم منذ حرب أكتوبر 1973م، ما دفع بنتنياهو إلى تشكيل حكومة طوارئ يجمع فيها أحزاب المعارضة، ويعلن دخول بلاده حالة الحرب بعدها، ليخرج بعدها بعض الجنرالات الصهاينة السابقين بالقول: إن «طوفان الأقصى» سيستغرق من بلادهم سنوات لفهمها وتحليل ما جرى فيها من قدرات استخباراتية وعسكرية لـ«حماس»، حيث افتقرت «تل أبيب» للمعلومات الاستخباراتية من داخل غزة، بشأن مفاجأة «حماس»، وانتظرت لساعات طويلة لتفهم ما يجري على الأرض، نتيجة لنجاح الحركة في إعدام كثير من الجواسيس داخل القطاع.
وخرج برلمانيون صهاينة للاعتراف بأن عناصر المقاومة الفلسطينية علموا جيداً ما فعلوه وماذا أرادوا من عمليتهم الناجحة، معتبرين أنهم لم يأتوا للعب مع الجيش الصهيوني، ولكن لتحقيق أهدافهم، وأكدوا أن إنفاق «تل أبيب» مليارات الشواكل على جُدر فاصلة على الحدود مع غزة لم يؤتِ بثماره، في ظل اختراق تلك الجدر عبر الشاحنات والدراجات النارية البسيطة وبأقل التكاليف الممكنة، إذ رأت صحيفة «هاآرتس» أن الغضب الفلسطيني لا يعرف حدوداً، فـ«حماس» جاءت لتقتل الحلم الصهيوني بالشاحنات والدراجات البخارية، وعدد قليل من الطائرات الشراعية وصواريخ بسيطة محلية الصنع.
«تعري» قوة الردع الصهيونية
لم يفق الصهاينة من هول ما جرى إلا بعد مرور يوم كامل على اختراق مستوطناتهم، ولم يتدخل الجيش إلا بعد ساعات طويلة؛ ما يؤكد تعري قوة الردع الصهيونية، ليس أمام جيش نظامي، ولكن أمام منظمة فلسطينية صغيرة؛ ما دفعها إلى الهرولة في طلب النجدة من الولايات المتحدة، وإسراع الأخيرة في تلبية طلبها، بإرسال بوارج حربية، ووصول وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين للإشراف على إدارة الحرب أمام المنظمة الصغيرة «حماس».
تلك المنظمة التي رأت فيها صحيفة «معاريف» أنه لو لم تكن غزة محاصرة لأعادت «حماس» الحقوق الفلسطينية كاملة، ودمرت الدولة الصهيونية التي أنشئت في العام 1948م؛ إذ كان غريباً على الكيان الصهيوني باحتمال دخول «حماس» في حالة عسكرية مفاجئة، قبل ساعات قليلة من انطلاق «طوفان الأقصى»، دون التحرك، بل والانتظار للمفاجأة الفلسطينية، وهو ما ذكرته القناة الـ«13» العبرية في تحليل مطول لها.
جيش «مرتزقة»
ليعود بعدها وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت، ويشير إلى تعرض بلاده لضربة «حمساوية» ناجحة، في اعتراف واضح وصريح بالقدرات الاستخباراتية للحركة الفلسطينية، تلك القدرات التي ظهرت حينما تبين أن هناك جنوداً يحملون الجنسيات الأمريكية والفرنسية بين صفوف الجيش الصهيوني، واكتشفتها الحركة بنفسها خلال معاركها أمام هذا الجيش «المرتزق»، حتى إن يعقوب بيري، الرئيس السابق لجهاز «الشاباك»، قد طالب بلاده بتهدئة «حماس» حتى يمكنهم المطالبة بإعادة أسراهم «المختلطين» لديها، معترفاً بقلة المعلومات حول المفقودين والأسرى الصهاينة، بل أضاف أن «تل أبيب» تعاني من حالة إرباك شديدة، جراء واقعة، فجر السابع من أكتوبر، واصفاً ما جرى بـ«المؤلم والقاسي جداً».
الثابت أن أغلب تحليلات الصهاينة نشرتها أو تبنتها الإذاعة العبرية، حتى إنها نقلت عن مستوطني الغلاف عدم قدرتهم على النوم لأيام طويلة تخوفاً من خروج عناصر المقاومة من غرف مجاورة أو من تحت الأسِرّة وربما من داخل الأدلبة، باعتباره «بعبعاً» يمكنه الظهور في أي مكان وزمان؛ حتى إن القناة الـ«12» العبرية نشرت صورة لجنود صهاينة وهم يأخذون قسطاً من استراحة الحرب أمام عناصر «حماس»، داخل أحد المتاجر أو المولات، وليس داخل قواعدهم العسكرية، المفترض أن تكون حاضنة الأمن والأمان للمستوطنين أنفسهم!
مستشفيات صهيونية للعلاج النفسي أمام زئير المقاومة الفلسطينية
بمرور الوقت، تتوالى الاعترافات الصهيونية بأن ما واجهوه من قوة لعناصر المقاومة الفلسطينية لم تشهده بلادهم من قبل، إذ يسود الصمت الحذر مستوطناتهم، في اللحظات الراهنة، لكنهم موقنون بأن «البعبع» يمكنه الخروج في ثوانٍ، ليقضي عليهم، مع يقينهم الذي بات حقيقياً أن استخبارات الكيان لم ولن تعلم قدرات المقاومة الفلسطينية، ولن يثقوا بها أبداً.
والثابت أن المستوطنين الصهاينة سيحتاجون إلى تدشين مستشفيات عامة متعددة للعلاج النفسي، جراء ما شاهدوه من هول مفاجأة حركة «حماس»، إذ لم تحمهم منظومات الدفاع المختلفة، سواء صواريخ «القبة الحديدية» أو «مقلاع ديفيد» أو «حيتس» بأنواعها الثلاثة، من قوة وزئير أصحاب الأرض الفلسطينيين؛ فيما أوضح مستوطنون آخرون أنهم لن يعودوا إلى تلك المستوطنات مرة أخرى، بعدما عاشوا كابوساً أسود وجحيماً لم يروه من قبل، وسيبحثون عن بلد ثانٍ بعيداً عن الكيان الصهيوني.
ونهاية، يرى الكيان الصهيوني أنه أمام مرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني، سيترك نتائجها ليس على بلادها وحدها، وإنما على منطقة الشرق الأوسط ككل، وربما العالم أجمع.