كانت المرأة المسلمة في عصر النبوة تتمتع بمكانة سامية، وأعطاها الإسلام الحق في التفكير وإبداء رأيها كما الرجل.
وبدأت المرأة تاريخها النضالي والجهادي باكتساب الوعي السياسي من خلال وجوب العمل التغييري والدعوة إلى الله تعالى وتربية بنات جنسها وتوعيتهن بقضايا الأمة.
وجعل الإسلام للمرأة الحق في أن تجاهد أعداء الله بلسانها وسِنانها، وجهاد المرأة القتالي ثابت في السُّنة، فقد شاركت النساء في بعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، منها غزوتا «حنين»، و«الحديبية».
وقد جاهدت المرأة الظالمين بيدها ولسانها وقلبها ومالها، وتعرضت لما تعرض له الرجل من قتل أو جرح، وصبرت على ذلك، وإذا دعاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البذل من أموالهن سارعن إلى البذل، فإن كان لها قرط خلعته من أذنها، وإن كان لها سوار خلعته من يدها، وإن كان لها خاتم تناولته وألقت به في الصدقة، وكان بلال رضي الله عنه يجمع ما تتبرع به النساء فيقوم وقد ملأ الذهب ثوبه.
ومن الأمثلة على جهاد المرأة نسيبة بنت كعب، التي شاركت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وقال فيها صلى الله عليه وسلم: «نسيبة اليوم خير من مقام فلان وفلان»، وقد كانت تقاتل أشد القتال، وهي حاجزة ثوبها عن وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وهي تنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها، وعندما نادى رسول الله لحمراء الأسد شدت عليها ثيابها، لتقلل من نزول الدم فما استطاعت إيقافه من شدة النزف، وأصرت على تلبية النداء، وعندما انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت من القلة الذين دافعوا عنه وحموه.
ولقد تصدت لقميئة الذي قال: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فلما سمعت قوله هبت لتدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن ضربها، فقامت بضربه عدة ضربات، وعندما جرح ابنها وجعل الدم منه لا يرقأ، ربطت جرحه العميق، ثم قالت له: انهض يا بني فضارب القوم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة».
وشهدت يوم «اليمامة» وقطعت يدها، وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وأبلت بلاء حسناً.
إنها المرأة الداعية المربية المجاهدة التي تعد الأجيال وتربي الرجال، وتبايع فتصدق البيعة وتكون من طليعة النساء المسلمات، تضع معالم الطريق، وصور التضحية، ونموذجاً للاحتذاء.
أما المرأة الفلسطينية، فقد تتلمذت في مدرسة الصحابيات، وأظهرت بطولة وصموداً فاق الوصف، وجددت ببطولاتها أمجاداً خلناها لن تعود، وأصبحنا نرى بطولات نادرة وتضحيات عظيمة تستحق أن تدرس للأجيال.
لقد لقيت المرأة المسلمة المجاهدة في عصرنا الحاضر صنوفاً من العذاب من أجل موقفها النضالي، وتعرضت في سبيل ذلك للسجن والتعذيب.
وقد بدأ نضال المرأة الفلسطينية منذ بدايات القرن الماضي، وأخذ هذا العمل يتسع شيئاً فشيئاً ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، وكان هذا العمل يتخذ إما المشاركة في العمل النضالي، وإما بتربية أبنائها على حب الوطن وحمل القضية والدفاع عنها.
وفي العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، شاركت المرأة بكل ما تستطيع من قوة، سواء كانت طبيبة تداوي الجرحى، أو تساعد في إعانة المتضررين من ضرب المدنيين، ولم يستطع العدو صد عزيمة المرأة رغم القتل والهدم، وكم من مشهد مهيب لأمهات استشهد جميع أبنائهن، فوقفن شامخات فخورات بشرف الشهادة، ويحمدن الله أن شرفهن باستشهادهم!
هذه هي المرأة الفلسطينية؛ الأم والزوجة والأخت والبنت، الصامدة التي تشتبك مع الاحتلال في الميادين المختلفة.
وهي حاضرة في القدس لمواجهة التهويد والاستيطان، وفي ميادين الرباط، دفاعاً عن المسجد الأقصى.
ويعج السجل بأسماء نساء تركن بصمات واضحة في النضال، حيث شاركن في العمل العسكري والميداني وحملن البندقية، وقاومن كما الرجل، وخضن غمار الكفاح المسلح، واستشهدن، وخضن عمليات استشهادية بطولية.
كما تم اعتقال الآلاف منهن، وتعرضن في السجن لشتى أصناف الأذى وهن صابرات محتسبات.
هي المرأة المسلمة، حاملة الرسالة، المدركة لمعنى الأمانة، غايتها الله سبحانه وتعالى، والرسول قدوتها، والجهاد سبيلها، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها.