مع إعلان نتنياهو أنه أعطى الجيش أوامر للاستعداد لتغيير الوضع في الشمال، وحديث وزير الحرب يوآف غالانت أن الجيش بدأ نقل ثقله نحو الشمال، من المتوقع أن تتم المصادقة رسمياً خلال جلسة «الكابينيت الإسرائيلي» «على اعتبار إعادة سكان البلدات الحدودية شمال «إسرائيل» إلى بيوتهم هدفاً من أهداف الحرب الحالية».
هذه التطورات المتسارعة تُشير إلى تزايد احتمالية اندلاع حرب بين الكيان الصهيوني و«حزب الله» على الجبهة الشمالية للبنان، مدفوعة بمجموعة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية.
في ذات السياق، تأتي زيارة المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين إلى الكيان للمرة الثانية في غضون أسبوع، لتساهم في رسم صورة للوضع الإقليمي، الذي لم يهدأ منذ السابع من أكتوبر مع انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في قطاع غزة، لكن التصعيد على الجبهة الشمالية لفلسطين يبدو أنه الأكثر سخونة هذه الأيام مع اتساع رقعة المواجهات وعمليات تبادل القصف بين «حزب الله» والاحتلال، مدفوعاً بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، فما أبرز هذه العوامل؟
العوامل الداخلية الصهيونية
– الضغوط السياسية:
تواجه حكومة نتنياهو ضغوطًا داخلية هائلة، منها فشلها في تحقيق نتائج ملموسة في حربها على غزة، وتصاعد الاحتجاجات الداخلية على نطاق غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة، الضغوط تتزايد في ظل فشل قضية الأسرى والمفاوضات المتعثرة، حيث أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي لعائلات الأسرى أن الجيش يعمل على إعادة المختطفين بأي طريقة، لكنه لن يتمكن من إعادتهم جميعاً في عمليات عسكرية.
بالتزامن مع ذلك، تشهد الساحة الداخلية في الكيان الصهيوني تصاعدًا في الانقسامات السياسية، فالانتقادات ضد نتنياهو تتزايد، حيث تسعى المعارضة إلى استغلال الوضع لإظهار ضعف الحكومة الحالية، خاصة في ظل الأزمات المتعددة، يبرز هذا في تصريح الوزير أوفير صوفر الذي أشار إلى أن هذا الفصل من الحرب لن يكون أسهل مما مررنا به حتى الآن، في إشارة إلى احتمالية تصعيد أوسع على الجبهة الشمالية.
– استنزاف الجيش:
حالة الاستنزاف التي يعاني منها جيش الاحتلال بعد أشهر طويلة من القتال المستمر في غزة والضفة الغربية تزيد من التحديات، التصريحات التي تصدر عن قادة الجيش، مثل اللواء غرشون هكوهين بأن «حزب الله» إذا لم نواجهه قريباً سيصبح أقوى بأنظمة قتالية تضع الحرب في مستوى آخر، تعكس مدى قلق «إسرائيل» من تأخير المواجهة.
لكن في المقابل، فإن الجيش الصهيوني يفتقد حاليًا إلى الاستعداد الكامل لخوض حرب طويلة ومستنزفة، حيث يعاني الجنود من الإرهاق والتعب؛ مما يؤثر على قدراتهم القتالية في حال اندلاع مواجهة جديدة على الجبهة الشمالية، هذا الأمر أدى إلى خلافات بين نتنياهو ووزير الحرب، فالأخير يفضل التوصل لتسوية سياسية بدلاً من الدخول في حرب واسعة.
– العوامل الاجتماعية:
تتفاقم الضغوط الاجتماعية في الكيان المحتل، خاصة بين سكان الشمال الذين يشعرون بالتهديد المستمر من «حزب الله»، مع استمرار نزوح أكثر من 130 ألف مستوطن من المستوطنات الشمالية؛ مما يزيد الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات لحمايتهم، كما أن هناك شعورًا بالتمييز والإهمال من جانب الدولة تجاه هؤلاء السكان؛ مما دفع بعض رؤساء المستوطنات إلى المطالبة بالانفصال عن «إسرائيل» كوسيلة ضغط على الحكومة، في حين كشفت معطيات إحصائية أن نحو 40% من سكان المستوطنات في شمال فلسطين أعلنوا عدم رغبتهم في العودة إلى منازلهم حتى لو توقفت الحرب، بينما غادر عدد منهم إلى خارج الكيان؛ وهو ما يزيد من الضغط على حكومة نتنياهو.
العوامل الخارجية
تعكس تصريحات منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي حالة القلق العميق التي تنتاب الإدارة الأمريكية في ضوء التهديدات الصهيونية بتوسيع الصراع مع لبنان، في أحدث خطاباته، قال كيربي: لا يوجد شيء اسمه حرب متحكم بها، إنها ليست لعبة، لا أشك في قدرات جيش الاحتلال، لكن على كلا الجانبين أن يفهما أن العواقب ستكون وخيمة، هذه التصريحات تأخذنا لمحاولة فهم العوامل الخارجية التي تدفع الاحتلال نحو هذا التصعيد، خاصة وأن «حزب الله» ربط مصير جبهة لبنان بالأوضاع في قطاع غزة؛ مما يضيق هوامش المناورة أمام نتنياهو.
التصعيد الإقليمي
على الصعيد الخارجي، يتضح أن لدى نتنياهو رغبة في حسم الصراع الإقليمي من خلال القضاء على قدرات محور المقاومة لضمان عدم تكرار عملية السابع من أكتوبر، يسعى نتنياهو أيضًا لتفكيك ما بات يُعرف بـ«وحدة الساحات» في المنطقة، وتهيئة الأجواء لاستكمال مسار التطبيع الذي ترى دولة الاحتلال أن قوى المقاومة تعيق تقدمه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التقارير القادمة من الكيان الصهيوني تُشير إلى أنها بدأت في نقل ثقلها العسكري إلى الشمال مع قرب انتهاء العمليات في غزة، كما أن الضربة الصهيونية الأخيرة في سورية، التي وصفها رون بن يشاي بأنها جزء من الاستعدادات لحملة كبيرة في لبنان، تعد مؤشرًا على توسع رقعة هذا الصراع.
الضغط الأمريكي والانتخابات
يدرك نتنياهو أهمية اللحظة الراهنة قبيل الانتخابات الأمريكية، الإدارة الأمريكية لا ترغب في ممارسة ضغط جاد قد يُفقدها دعم اللوبي الصهيوني، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في توسيع نطاق الصراع، وهو ما قد يضر بفرص المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لصالح منافسها دونالد ترمب، لأجل ذلك تمارس الولايات المتحدة دورًا في منع أو تأخير الحرب، كما أوضحت تصريحات كيربي بأن الحرب لن تحل المشكلة بسهولة، وقد تدفع «إسرائيل» ثمنًا باهظًا دون أن تحقق أهدافها.
دور «حزب الله» وإيران
يرى الكيان الصهيوني أن «حزب الله» المدعوم من إيران يمثل تهديدًا إستراتيجيًا له، كما أنه يمثل قاعدة متقدمة للوجود الإيراني على الحدود مع الاحتلال، التصعيد على الحدود اللبنانية بعد اغتيال فؤاد شكر عكس قدرة «حزب الله» على استهداف مدن «إسرائيلية» مثل نهاريا وصفد، التقييمات «الإسرائيلية» تشير إلى أن «حزب الله» مستمر في تعزيز قدراته العسكرية، وهو ما يشكل تهديدًا طويل الأمد للكيان، ويزيد من احتمالية الحرب.
التقييم النهائي
في الختام، تتداخل العوامل الداخلية والخارجية لتجعل احتمالية اندلاع الحرب على لبنان حقيقية، ولكن غير حتمية، العوامل الداخلية مثل الضغوط السياسية واستنزاف الجيش وارتباط الجبهات بين غزة ولبنان، إلى جانب العوامل الخارجية مثل تصاعد التوترات الإقليمية والضغط الأمريكي والموقف الإيراني، تجعل الوضع معقدًا للغاية، رغم ذلك، تبقى الحرب احتمالًا مفتوحًا في حال استمرار التصعيد وفشل الجهود الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة.