يزعم اليهود والنصارى بالتبعية أن فلسطين لهم بحكم أنهم كانوا ملوكها السابقين، وبحكم أنهم ذرية إبراهيم عليه السلام الذي جاء في التوراة الوعد بأن تكون أرضهم.
وردًّا على هذا الزعم فلابد من الإجابة عن ثلاثة أسئلة ينبني عليها الجواب:
1- هل اليهود اليوم من سلالة إبراهيم عليه السلام؟ وهل يعودون إليه نسباً؟
2- كم من الزمن حكم اليهود فلسطين عبر القرون السابقة؟
3- يحتج اليهود ويتبجحون بالحق الديني فما مدى صدق دعاواهم الدينية؟
أولاً: ورداً على الزعم الأول نقول:
يذهب كثير من العلماء المختصين بتاريخ الشعوب إلى الاعتقاد بأن يهود اليوم ليسوا أصلاً من أحفاد بني إسرائيل الذين بُعث إليهم موسى عليه السلام، وليسوا من سلالة إبراهيم عليه السلام، ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال اليهودي فريدريك هيرتس في كتابه “الجنس والحضارة”، وريبلي في كتابه “أجناس أوروبا”، وأوجين بتار في كتابه “الأجناس والتاريخ”[1].
ثم إن مما عُرف عن اليهود – لا سيما متشدديهم – أنهم لا يعتدون بيهودية أحد إلا بشرط أن يكون والداه يهوديين أو أن تكون أمه يهودية، أمّا من كان أبوه يهودياً وأمه غير يهودية فإنه لا يُعد عندهم يهودياً، ولا ينافي هذا جلبهم لأجناس أخرى مثل يهود الفلاشا الأحباش فما ذلك إلا للاستفادة منهم في الأعمال الحقيرة وما زالوا يعانون التمييز العنصري حتى الآن مع أن أصولهم أقرب إلى اليهودية من يهود الخزر.
والقرآن الكريم يردّ على دعوى اليهود في انتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (آل عمران: 68).
وهذا النبي هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف نسف الله عز وجل ادعاءاتهم في ولاية إبراهيم عليه السلام فلا يكون ولياً لإبراهيم من لم يتبعه ويتبع محمداً عليهما الصلاة والسلام.
وقد قال الله عز وجل لنبيه نوح عليه السلام حين سأله عن ابنه: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (هود: 46).
وفي إنجيل يوحنا على لسان المسيح عليه السلام: “لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم”[2].
ثانياً: ورداً على التساؤل الثاني وهو كم من الزمن حكم اليهود فلسطين على مرّ التاريخ؟
يقول د. محسن صالح في كتابه[3] “الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية”: إن مزاعم الحق التاريخي لليهود في فلسطين تتهافت أمام حق العرب المسلمين في أرضهم، فأبناء فلسطين (الكنعانيون) عمروا هذه الأرض قبل نحو 1500 عام من إنشاء بني إسرائيل دولتهم (مملكة داود).
لقد حكم اليهود أجزاء من فلسطين (وليس كلها) حوالي أربعة قرون (خصوصاً بين 1000- 586 ق.م) وزال حكمهم كما زال حكم غيرهم من الدول كالآشوريين والفرس والفراعنة والإغريق والرومان، بينما ظل شعب فلسطين راسخاً في أرضه.
وكان الحكم الإسلامي هو الأطول حيث استمر حوالي 1200 سنة (636 – 1917م) باستثناء الفترة الصليبية (90 عاماً).
وقد انقطعت صلة اليهود عملياً بفلسطين نحو 1800 عام (منذ 135م – وحتى القرن العشرين) دون أن يكون لهم تواجد سياسي أو حضاري وريادي فيها، بل وحرَمت تعاليمهم الدينية العودة إليها.
إن أكثر من 80% من اليهود المعاصرين – حسب دراسات عدد من اليهود أنفسهم مثل الكاتب الشهير آرثر كوستلر – لا يمتون تاريخياً بأي صلة لفلسطين، كما لا يمتون قومياً لبني إسرائيل، فالأغلبية الساحقة ليهود اليوم تعود إلى يهود الخزر (الأشكناز) وهي قبائل تترية – تركية قديمة كانت تقيم في شمالي القوقاز، وتهودت في القرن الثامن الميلادي، فإن كان ثمة حق عودة لهؤلاء اليهود، فهو ليس إلى فلسطين وإنما إلى جنوب روسيا!
الحق التاريخي لـ”إسرائيل” في فلسطين محض افتراء.
ثم إن دعوى تعلق اليهود بفلسطين وارتباطهم بها لا تقف أمام حقيقة أن معظم بني إسرائيل رفض الانضمام إلى موسى عليه السلام في مسيرته للأرض المقدسة، كما رفض معظمهم العودة إليها من بابل بعد أن عرض عليهم الإمبراطور الفارسي قورش ذلك.
وحتى إبراهيم عليه السلام لم يحكمها بل كان كما وصفته التوراة: “نزل أرض كنعان ضيفاً فاستقبله ملك يبوسي كنعاني وأكرمه”[4].
ثالثاً: أمّا عن تبجح اليهود بالحق الديني وبأنها أرض أنبيائهم وأن الله جعلها أرض الميعاد كما تصفها التوراة والإنجيل فإن هذا الحق منفيٌّ عنهم في نفس مصادرهم لكفرهم وقتلهم الأنبياء وافترائهم على الله الكذب وإنما الأرض لله يورثها من يشاء.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].
وأرض فلسطين هي الأرض المباركة التي نجّى الله إبراهيم ولوطاً إليها قال تعالى: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71].
وإذا عرفنا أن اليهود يشترطون في صحة ديانتهم صحة النسب من جهة الوالدين أو الأم تجد أن دعاواهم تتساقط كما تذكره مراجعهم الدينية.
1- تقول التوراة الحالية: “صار مرشدو هذا الشعب مضلين ومرشدوه مبتلعين لأجل ذلك لا يفرح الرب بفتيانه ولا يرحم يتاماه وأرامله لأن كلّ واحد منهم منافق وفاعل شرّ”[5].
2- كذلك جاء في توراتهم الحالية: “هأنذا جالب الشرّ على هذا الموضع وسكانه من أجل أنهم تركوني وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظونني بكل عمل أيديهم فيشتعل غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ”[6].
3- وجاء فيها أيضاً: “وفعل بنو إسرائيل الشرّ في عيني الرب فعبدوا البعل وعشتروت وتركوا الرب إله آبائهم”[7].
هذه النصوص من كتابهم المقدس قارنها بما ذكره القرآن الكريم عنهم من صفات غاية في الضلال والمسخ ذكر فيها: كفرهم ولعنهم أنبيائهم وسبهم لله تعالى وتنزه ووصفهم أنبيائهم بالشرك والسحر والزنا وتكذيبهم وقتلهم لهم بغير حقٍ.
قال تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61]
وقال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 78].
وقص علينا الله تبارك وتعالى قصتهم مع موسى وكيف كذبوا وعبدوا العجل وأقدامهم لم تجف بعد حين نجاهم الله من فرعون وقومه.
فليس لهم نسبٌ صحيح يصل بهم إلى حكام فلسطين، ولا تاريخ الدول يساعدهم على ذلك، ولا دينهم يؤهلهم لذلك!!.
فعلام ينسى كثير من أبناء المسلمين كل هذا ويقولون حاوروهم وفاوضوهم؟
وهل عساك إذا قفز لصٌ على بيتك تتفاوض معهم ليكون ربّ الدار وتكون خادمًا عنده؟
الهوامش
[1] كتاب الحق والباطل لنبيل شبيب، ص 54.
[2] الإصحاح الثامن بواسطة كتاب الحق والباطل.
[3] موقع “فلسطين سؤال وجواب”.
[4] سفر التكوين 23/2 – 16 بواسطة كتاب الحق والباطل.
[5] سفر أشعيا 9/ 13-17 بواسطة كتاب الحق والباطل.
[6] سفر أشعيا 9/ 13 – 17 بواسطة كتاب الحق والباطل.
[7] سفر أشعيا 9/ 13 – 17 بواسطة كتاب الحق والباطل.
المصدر: “الألوكة”.