كثرت تعاريف الأخلاق عند أهل الاختصاص والفلاسفة والعلماء؛ والبعض قال فيها وبشكل عام؛ الأخلاق جالبة الخير وطاردة الشر.
نعم أيها القاريء الكريم؛ وهؤلاء مع مرور الزمن تغيرت عندهم معايير وتعاريف الخير والشر، فلذلك تجد الأخلاق عندهم غير مستقرة أيضًا، وتتغير حسب التغيرات والمقاييس التي يدعون!
البعض حددها – الأخلاق – بشكل معين وبمهنية معينة.. تعددت التعاريف في الأخلاق وإن كان بين تعاريفهم خيط واصل بين كثير منهم إلا أنها في غالبها غير ثابتة مع الزمن أو التطور للزمن حسب تعابيرهم.. أما في الشريعة والإسلام فهي ثابتة – الخلق – لا شك ولا ريب وعند العقلاء المتزنين؛ وهي الفيصل بين الجنة والنار دون أن تبخس حق الأخلاق عمومًا للأمم الأخرى والتي تشكل عموم الإنسانية والحضارات، والتي جبلت بالأصل عليها الإنسانية السوية ” لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ”(التين).
قبل أن أدخل في صميم الموضوع وبعض التفاصيل، أذكر هذه المسألة أو هذا الأمر العرضي؛ والذي دائمًا أذكره وأردده على أولادي وأصدقائي فأقول: ” حينما أنزل بلداً لأول مرة، من الوهلة الأولى أنظر إلى أمرين لأعلم أخلاق شعبها ” المرور ونظافة الشارع “، فهما الواجهة الأولى التي تدل على الأخلاق العامة في شارع هذا البلد أو ذاك.. والأخلاق لا شك ولا ريب هي عنوان الشعوب وأول عنوان أو بالأحرى رأس العنوان من الوهلة الأولى للبلد الذي أنزل فيه ولا أعلم عنه شيئاً ” حركة المرور ونظافة الشوارع ” كما أسلفت، فالمرور من خلالها أو بالأحرى هي دليل الخلق للشارع العام حيث تقديم القانون على الذات، والنظافة دليل صدق العمل، وصدق ودقة المتابعة، وبغض الفوضى والقذارات، وهي دليل حب الأرض والأوطان، وإخلاص العمل فيها ولها واتقانه.
نرجع إلى الإسلام وماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق “، هذا الحديث يدلل على عمق احترام الإسلام للأمم التي قبله، وأنها لا تخلو أمة من مكارم خلقية رفيعة وراقية، وهو دليل احترام الغير، وأن الأمم قبل الإسلام أيضًا لديها ما لديها من مكارم أخلاقية يقرها الإسلام ويدافع عنها من أجل اتمامها، ولعدم تلاشيها مع مرور الزمن والتطور كما يدعِ البعض.
سأذكر هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم وهو أيضًا يؤكد احترام الإسلام للخلق الراقي والاعتراف به وله مهما كان مصدره، وهو عليه الصلاة والسلام يثني على الروم وبعض أخلاقهم الجبلية إذا جاز التعبير، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وأَسْرَعُهُمْ إفاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ ويَتِيمٍ وضَعِيفٍ، وخامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وأَمْنَعُهُمْ مِن ظُلْمِ المُلُوكِ ” .
نعم أيها القاريء الكريم هذا هو رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام؛ ينصف من هم من الحضارات والديانات الأخرى .
وفي حديث سيدنا أبي هريرة أيضًا؛ يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخلق فيصل الجنة والنار، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله فإن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال : ” هي في النار ” قال: يارسول الله ؛ فإن فلانة يذكر قلة صيامها وصدقاتها وصلاتها، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ” هي في الجنة “.
نعم.. يجب أن يكون العطاء بأخلاق؛ بل برقي الأخلاق وأعلاها ومن غيرها؛ تبطل هذه الصدقة مع الأذى والمنّة والرياء وسوء الخلق، وحينها تكون حملاً عليك بدلاً من الأجر والثواب لك كما هو حال المرأة التي ذكرها الصحابي التي تؤذي جيرانها بلسانها .
يقول الله تعالى ما هو قريب من رواية الصحابي: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ” (البقرة).
نعم أيها القاريء الكريم؛ فهذا العمل الجليل والعظيم – الصدقة – مع سوء الخلق وقلة الاحترام للمقابل؛ يكون وبالاً على صاحبه، ويكون هذا الإنسان اللاخلوق رأسه برأس الشيطان الرجيم نسأل الله العفو والعافية؛ قال تعالى: ” وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ” (النساء)، لذلك يقول أهل العلم اعرض عن هذا الانفاق إن لم يكن في سبيل الله وفي إطار الخلق التي أراد الله تعالى ويحب.
ــــــــــــ
إعلامي كويتي.