تعد الحلقة التي تحدثت عن الصفقة والسلاح في فيلم “ما خفي أعظم” في ظل الواقع الذي تمر به القضية الفلسطينية من محاولات مستميتة لتصفيتها والتآمر عليها، وتدنيس المقدسات مرة بالتقسيم الزماني والمكاني، ومرة بالتهويد، وأخرى بصفقة القرن.. في سياق كل هذا يعد هذا الفيلم حدثا ليس سهلا ولا عابرا؛ حيث إن له دلالات إيمانية وسياسية، وهذه الدلالات تستتبع واجبات شرعية، نتعرض لكليهما في نقاط محددة على النحو الآتي..
الدلالات الإيمانية والسياسية
إن نشر فيلم “ما خفي أعظم” عن الصفقة والسلاح في هذه الظروف الخانقة له دلالات مهمة وخطيرة، ويمثل رسالة قوية للعدو الصهيوني وعملائه في المنطقة العربية، كما أن له دلالات إيمانية ضخمة تستحق التوقف والتأمل.
ففي الوقت الذي يتآمر فيه بعض الحكام على القضية الفلسطينية وخنق قطاع غزة أكثر وأحكم لا سيما بعد حصار 14 عاما يأتي هذا الفيلم العظيم الذي يعيد الأمل ويبث التفاؤل في قدرات المقاومة على الدفاع عن قضيتها وحقوقها المشروعة، ويعطي دفقة قوية للعمل عل مستوى شعوب الأمة العربية والإسلامية.
وفي هذا الفيلم تتمثل رحمة الله تعالى بالمجاهدين، وأنه إذا أغلقت الأسباب الأرضية فإن السماء ستمطر رحمة من البحر أو من الجو أو من أيٍّ كان، والأهم أن نؤمن بأن الله لا يترك عباده المجاهدين يُتخطَّفون في الأرض، وهذا يقوي يقيننا في الله، ويحملنا على بذل ما في وسعنا والأخذ بكل الأسباب الممكنة، وهو مقتضى الإيمان أيضا.
وإن الكم الهائل الذي اكتشف في السفينتين الحربيتين من القذائف الغارقة والمتفجرات بعشرات الأطنان ومئات الذخائر إذا ما توقفنا عند تاريخ وقوع هاتين السفينتين في بحر غزة وهو 1917م في الحرب العالمية الأولى لتعمق إيماننا بالله أكثر، وكان يقيننا فيه أعظم؛ إذ بعد أكثر من مائة عام يدخر الله هذا للمقاومة في هذا الوقت العصيب، ما أعظم اللطف الرباني والحكمة الإلهية!
وقد لاحظنا أثناء فيلم “ما خفي أعظم” حرص أميركا والكيان الصهيوني على نزع سلاح المقاومة، وهذا دليل متجدد على أن السلاح هو الذي يزعج الاحتلال، وأن شرف هذه الأمة يتمثل في الجهاد، وهذه رسالة تكفي لمن يهربون من الجهاد، أو حتى من ذكر كلمته، مخافة الاتهام بالإرهاب!!
وإن من فُجْر نتنياهو وترامب وصفُهم للمقاومة بالإرهاب!! أما ما تمارسه دولة الاحتلال من عربدة في الأرض، وقتل للنساء والأطفال، وهدم للبيوت والمساجد، وتقويض البنية التحتية لقطاع غزة، فهذا سلام وموادعة، ودولة الاحتلال بزعمهما لا تريد سوى السلام، لكن يجب نزع سلاح المقاومة أولا!!
وما تقوم به بعض البلاد العربية من تطبيع سياسي مع الصهاينة بما يمثل خيانة عظمى للعقيدة والشريعة، والتاريخ والحضارة، هو نوع من تجليات قول الله تعالى: {ولتعلنَّ علوًّا كبيرًا}، وهو ما يحقق ما بعده من مراحل حاسمة في هذا الصراع الذي ستكون عاقبته للمتقين بإذن الله تعالى.
الواجبات الشرعية
إن مرحلة ما بعد “العلو الكبير” ستكون المواجهة الحاسمة مع العدو الصهيوني، وهي تتطلب إعدادا كبيرا، وجاهزية عظمية تتناسب ومتطلبات هذه المرحلة، والعدو يدرك هذا، ولذلك يسارع في الخطوات، ويختصر المسافات والمخططات، ولكن الله غالب على أمره.
وفي السطور الآتية نبين أهم الواجبات الواقعة على الأمة:
الواجب الأول: يأتي على عاتق علماء هذه الأمة لا سيما ونحن نرى سقوط علماء كانوا محل ثقة جماهير المسلمين، ونجد نفاقا لقراء طالما قرءوا أمام صحن الكعبة آيات البراء من اليهود والموالاة للمؤمنين، ويدعون على اليهود، وبتحرير المسجد الأقصى وبصلاة فيه قبل الممات!
الواجب الثاني: يأتي على عاتق المؤسسات العاملة من أجل القدس؛ حيث يجب عليها أن تعزز وعي الشعوب بقضيتها، وتبين زيف المواقف الزائقة، وعدالة المواقف العادلة، ونقول “تعزيز”؛ لأن الأمة بفضل الله واعية، ونبضها العام مشرف تميز به بين علماء الشيطان وعلماء القرآن، وبين المواقف الحقيقية والمواقف الزائفة.
الواجب الثالث: بعد عرض فيلم “ما خفي أعظم” فمن الواجبات الشرعية على الأمة في هذه المرحلة تجاه فلسطين أن يسعى الجميع -خاصة المؤسسات المعنية والأفراد المهمومين- إلى إعداد مشروع “عبادا لنا” كما وردت في سورة الإسراء؛ لنحقق موعود الله تعالى، ويا له من شرف عظيم أن يستخدمنا الله لتحقيق موعوده: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا}.
الواجب الرابع: أن تربى الأجيال الجديدة رجالا ونساء أطفالا وشبابا على عدالة القضية وقدسيتها، وتصنع برامج مؤثرة تعرف الأسر والمجتمعات بتاريخ القضة ومراحلها ومجاهديها وأعلامها، مع التركيز على المرحلة التي تمر بها القضية اليوم وفي هذا الظروف ومتطلبات وواجبات هذه المرحلة.
الواجب الخامس: جميع الخلايا المناعية للأمة يجب أن تستجمع نفسها وتنسلك في مشروع “عبادا لنا” بما يقتضيه من متطلبات، وما يفرضه من رؤى وأفكار: فكرية وإيمانية وأخلاقية وفنية وعسكرية، وما يستوجبه من اهتمام بمصر والشام، فإن فلسطين لن يحررها أهلها وحدهم في ظل هذا التآمر العالمي والإقليمي وفي ظل هذا الحصار الخانق، وفي التاريخ فكرة ومنهاج، والله غالب على أمره.