ينص التلمود على أنه يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع تسلط باقي الأمم في الأرض، لتصبح السلطة لليهود وحدهم، ويعيش اليهود الصهاينة في حرب مع باقي الشعوب حتى ينتقل لهم الثراء والسلطان من الجميع، وحينئذٍ يدخل الناس أفواجاً في دين اليهود، ويقبلون عليه جميعًا ما عدا المسيحيين، لأنهم من نسل الشيطان.
الأغيار في المخيال اليهودي
يدعي اليهود أنهم أحباء الله وأولياؤه، وأنهم «شعب الله المختار» الذين اصطفاهم على العالمين، فهم مميزون عن باقي البشر، وشعوب العالم هم أقل منهم منزلة، لأن أرواح بني إسرائيل في اعتقادهم تتميز عن باقي الأرواح؛ لأنها جزء من كمال الله، أما الأمم الأخرى من غير اليهود «الأغيار» فيطلقون عليهم «أميين» أو «غويم»؛ أي الحيوانات السائحة في شكل إنسان لخدمة اليهود، كما جاء في العهد القديم عندهم.
ويعتقدون أنهم أسمى من الملائكة، فقد جاء في تلمودهم أن النطفة التي خلقت منها بقية الشعوب هي نطفة حمار! وخلق الله الأجنبي على هيئة إنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم، لذلك تم التنظير لتفرد الجنس اليهودي عن باقي الأجناس تماشياً مع النزعات العنصرية التي كانت وما زالت ترى أن هناك جنساً يفضله الرب على غيره من الأجناس.
العقيدة والقومية اليهودية
لقد سعت الحركة الصهيونية منذ أيامها الأولى إلى تحديد هويتها الفكرية والسياسية، وربطت فكرتها ومصيرها بالمنظومة الاستعمارية الغربية، وفي إطار سعيها الحثيث لتجسيد فكرة الدولة الصهيونية اخترعت «القومية اليهودية» جنباً إلى جنب اختراعها لأعدائها، المتمثلين بالعرب بوجه عام، والفلسطينيين بصورة خاصة، حيث يمثّل «الآخر» العربي والفلسطيني في فكرهم مسألة جوهرية، لما مثله ولا يزال من هاجس وكابوس وجودي، ويشكل خطراً على استمرار الفكرة الصهيونية المتمثلة بالدولة العبرية، عندما فشلت في استئصاله؛ ما يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل المشروع الصهيوني.
لقد كانت علاقة الصهاينة واليهود مع المحيط العربي قبل نشأة وقيام كيانهم محط تجاذب، وكانت ترتكز على نظرتين؛ الأولى: دينية تتمثل في نظرة العقيدة اليهودية الفوقية الاحتقارية للشعوب الأخرى باعتبارهم «شعب الله المختار» وباقي الشعوب لا تدانيه في الفضل؛ وبالتالي لا مجال للتعامل معها إلا بعقلية السيد الإنسان، قبالة التابع الذي لا يرتقي إلى مستوى الإنسانية.
والثانية: سياسية ضمن مخطط الحركة الصهيونية القائم على كيّ الوعي العربي من خلال القوة وعدم السماح للعرب بإحراز أي نصر، حتى يصلوا إلى قناعة بعدم إمكانيتهم هزيمة المشروع الصهيوني؛ وبالتالي يخضعون لضرورة التعايش والتطبيع معه بحكم وجوده وفرضه أمرًا واقعًا ليس بمقدرتهم تغييره؛ أي بمعنى ضرورة إقناع العرب بـ«جدار الصهيونية الحديدي»، وأنه لا جدوى من مهاجمة الكيان عسكريًا لأن الخسائر المتوقعة أكبر بكثير من الأرباح المرتجاة.
بعد مرحلة التأسيس والدولة عبر المجازر والتهجير، وبعد كل الجهود والممارسات لإخضاع العرب عبر الأنظمة الرسمية التي تساوقت مع أفكارهم وانساقت لمعتقداتهم، اصطدم اليهود بفكر الشعوب المناهض لكيانهم، والرافض لفكرة وجودهم، والمؤمن بأنها دولة استعمارية قامت على القتل والتدمير والتهجير على أنقاض شعب أعزل، صاحب الحق الشرعي في أرضه ووطنه، وتعاظم إحساسهم بغرابة كيانهم عن نسيج المنطقة الاجتماعي والثقافي، وتعزز خوفهم على مصير مشروعهم، فانتقلوا إلى مرحلة التطبيع لتجاوز هذه المخاوف.
التطبيع.. وفكرة الترويض
إن التطبيع في الفكر الديني اليهودي الصهيوني هو تلك العلاقات القائمة على الهيمنة الصهيونية التي تهدف بشكل رئيس إلى إعادة تشكيل منظومة تلك العلاقات والقيم والمفاهيم العربية والإسلامية تجاه دولتهم، وفق الرؤية الدينية الصهيونية، ليس حباً في العرب أو التعايش السلمي معهم وفق المبادئ الإنسانية، وإنما من أجل السيطرة عليهم وعلى مقدراتهم، والتغلغل داخلهم، وسلخ مبادئهم، وعزلهم عن عروبتهم، وتشتيت شملهم وتفريق جمعهم، والاعتراف بوجودهم الصهيوني بهدف عزل فلسطين وقضيتها عن أبعادها العربية والإسلامية، والاستفراد بها سعياً لشطبها، وإغلاق ملفها.
هو تطبيع يُراد منه ترويض الشعوب وقبولها بالهزيمة النفسية، وينسيها العداء القديم بين القاتل والمقتول، وأن يقبل المقتول بالأمر الواقع، وأن ينسى دماءه، وهذا غاية الإذلال، الذي ارتضاه بعض العرب، الذين توهموا أنه سيكفيهم شر اليهود ويفتح لهم أبواب الغرب ويجلب لهم رضا أمريكا.
لذلك، سعت دولة الكيان وما زالت تسعى الى إقامة علاقات تطبيعية مع العرب؛ لأنه يضمن لهم الإقرار العربي بوجودهم، والاعتراف بكيانهم وروايتهم التاريخية، وإسقاط الحق التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه، وإسقاط القضايا الكبرى، كالنكبة والنكسة واللاجئين والقدس والحدود وحق العودة، ليكتمل بذلك سيناريو الرواية الدينية التوراتية المدعومة بالمزاعم القومية والتاريخية القائمة على الحق اليهودي في المنطقة المبني على الاعتراف العربي، وإلغاء البعد الاستعماري الاستيطاني، وهو ما يعد أخطر الأدوات التي أحدثت وتحدث شرخاً عميقاً في مسارات الصراع العربي الصهيوني وبنيته الدينية والسياسية، التي تسعى أيضاً إلى تعمية العيون حول حقيقة هذا الكيان الصهيوني وتركيبته الشاذة.
يدرك اليهود حقيقة ما يقومون به وما يقدمون عليه من أفكار وخطط وإستراتيجيات تتعلق بوجودهم وتعزيز مكانتهم، عبر تسخير عقيدتهم الدينية التلمودية، وبث أفكارهم المسمومة التي يتساوق معها الكثير من العرب، ثم عبر سياستهم المدعومة أوروبياً وأمريكياً، التي تقوم على الردع والقوة والترهيب، لفرض وجودهم من خلال اتفاقيات التطبيع، التي للأسف انخرطت فيها الكثير من الأنظمة العربية التي تعي خطورتها، ولكنها للأسف لا تقوى على رفضها ومجابهتها لإدراكهم الخاطئ بأنها تضمن لهم أمنهم وبقاءهم.