علم تخطيط وبناء القيم أحد أهم العلوم الإنسانية المعنية بتحسين وتطوير سلوك وأداء وإنجاز البشر على مستوى الفرد والمؤسسة والمجتمع
، وهو المعني بإدارة وتوجيه وتطوير السلوك المجتمعي، وله تطبيقاته العديدة في كافة مجالات الحياة العملية، يأتي في مقدمتها تخطيط القيم وصناعة وتطوير هوية المجتمع والمحافظة عليها من الذوبان في الهويات العالمية الأخرى بما يحفظ للمجتمع والدولة أمنه القومي، بالإضافة إلى تطوير السلوك والأداء المهني فيما يعرف حديثاً بالإدارة بالقيم المهنية.
ويرتكز علم تخطيط وبناء القيم على عدد من الحقائق والنظريات الإسلامية:
أولاً: قابلية النفس البشرية إلى التعديل والتحسين والتطوير المستمر.
ثانياً: تحسين السلوك البشري يستند إلى القناعة الذاتية والتحفيز المستمر لا الإكراه.
ثالثاً: عملية تحسين السلوك الإنساني عملية مركبة تستند إلى العديد من المتغيرات المؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر.
رابعاً: القيم التي يعتقد بها الفرد ويتبناها المصدر الأساسي لسلوكه، كما هي الملهم الحقيقي لأي عمليات تطوير يمكن أن تتم في سلوكه.
خامساً: تطوير السلوك الإنساني يتم عبر آلية تربوية تتسم بالتدرج.
سادساً: تطور السلوك الإنساني يتم بتوازي البناء النظري والعملي على السواء.
سابعاً: بناء وتعزيز وتمكين القيم في النفس البشرية يتم عبر أربع مراحل متتالية؛ هي: الإثارة والتعريف، تتلوها مرحلة الفهم والاستيعاب، ثم التدريب العملي، انتهاء بمرحلة التعزيز وبلوغ القدوة العملية والنموذج المثالي (المعياري) في تطبيق القيمة.
ثامناً: القيم الإنسانية ثابتة لا تتغير ولكن تطبيقاتها السلوكية والمهارية تتطور كماً وكيفاً بتطور حركة الحياة، وبحسب طبيعة المجال المهني والتخصصي الذي تعمل فيه.
تاسعاً: بناء القيم يحتاج إلى بيئة نوعية مناسبة تتضافر فيها مجموعة من العوامل البنائية اللازمة لإقناع الإنسان بالقيم الجديدة والتدريب العملي لتطبيقها بكامل حريته وطلاقته.
عاشراً: تتعدد وتتنوع أنواع القيم، فهناك القيم التأسيسية والقيم التكميلية، كما أن هناك القيم الحاكمة والأخرى المتممة.. إلخ، بحسب أدوارها الوظيفية ومهمتها في التأثير في السلوك الإنساني.
ومن أهم الأدوار الوظيفة لعلم تخطيط وبناء القيم:
أولاً: تخطيط القيم وصناعة وتطوير هوية المجتمع والمحافظة عليها من الذوبان في الهويات العالمية الأخرى بما يحفظ للمجتمع والدولة أمنه القومي، وبما يمكن القائمين على إدارة الدولة من ضبط وترشيد وتوجيه بوصلة السلوك المجتمعي نحو بوصلة التوجهات والمصالح العليا وأولويات أهداف المجتمع، كما يضمن وحدة النسيج المجتمعي على منظومة محددة من القيم والمبادئ والأهداف المجتمعية التي تشكل هويته الوطنية الواحدة التي تمثل الوعاء الكبير الجامع لكافة طوائف وتكوينات المجتمع، بمعنى أنها الضمانة الحقيقية لإدارة التنوع المجتمعي واستثماره لتحقيق وحدة واستقرار المجتمع.
وفي تفاصيل علم تخطيط وبناء القيم تكمن أسرار ومفاتيح الإجابة عن الكثير من أسئلة علم الاجتماع السياسي المتعلقة بإدارة التنوع المجتمعي، وقيادة وتوجيه الشعوب، والمحافظة على الأمن القومي، وأساليب إدارة ومواجهة حرب الهوية.. إلخ، وصولاً إلى امتلاك القدرة على المحافظة على هوية وطنية واحدة للمجتمع، صمام أمان وحدته واستقراره، والتي تعد أساس الأمن القومي لأي مجتمع بضمان «الهوية والوحدة والاستقلال وفرص التنمية».
ويمكننا إيجاز مفهوم ووظيفة إدارة واستثمار السلوك المجتمعي في تحقيق أربع مهام إستراتيجية هي إدارة واستثمار السلوك المجتمعي:
1- صناعة هوية وطنية واحدة حاشدة لكافة فئات وتكوينات المجتمع.
2- ضبط وترشيد السلوك المجتمعي بما يتوافق مع هوية المجتمع.
3- حشد وتوجيه بوصلة السلوك المجتمعي لتحقيق خطة وأهداف الدولة.
4- جمع الدول وشعبها في كتلة وسفينة واحدة تحت قيادة واحدة لسفينة الدولة.
ثانياً: الإدارة بالقيم المهنية والمعنية بتطوير السلوك والإنجاز المهني للموارد البشرية في المؤسسات المختلفة في كافات قطاعات ومجالات الحياة المهنية (الإعلام، الجيش، الشرطة، التربية، الرياضة، الفن، الإنتاج، الاقتصاد..).
ومما أصبح مقنناً ومؤكداً عالمياً أن التحول إلى الإدارة بالقيم المهنية أساس الاحتراف المهني وتحقيق الإنجاز والتميز في كافات قطاعات الإنتاج.
ويمكننا إيجاز مفهوم ووظيفة الإدارة بالقيم المهنية في تحقيق أربع مهام إستراتيجية، هي:
1- ضبط وتوجيه السلوك المهني للعاملين صوب أهداف المؤسسة.
2- التطوير الذاتي المستمر لمستوى السلوك والأداء والإنجاز المهني للعاملين بالمؤسسة.
3- صناعة هوية خاصة مميزة لشخصية المؤسسة.
4- بناء صورة ذهنية مميزة للمؤسسة لدى مجتمع هذه المؤسسة.>