لو كان لليهود قوة الآن على توسيع «إسرائيل» من أي جانب، لما وقفت بريطانيا ولا غيرها في وجههم، ولساعدتهم بقدر ما لها هي من مصلحة في هذه المساعدة، ولكن اليهود في «إسرائيل» قوم حصفاء لا يتهورون، فهم يحاولون الآن مضغ اللقمة التي انتزعوها أولاً قبل أن يندفعوا إلى انتزاع غيرها فيعجزوا، أو ينتزعوها ولكنه لا تنتزع ثانية من أفواههم قبل ازدرادها، أو يزدردونها بمشقة ليسوا الآن أهلاً لتحملها، وأما اللقم التي في أيدي غيرهم فهم مطمئنون إلى بقائها سليمة في أيدي أصحابها لا تؤكل حتى تقع في أيدي اليهود، والبركة في بريطانيا حامية الشرق التي تكفل لهم جيوشها الحيلولة بين اللقم وأفواه أصحابها الجائعين.
ونفوذ اليهود في أمريكا لا يعادله نفوذ، فهم الذين مكروا لبريطانيا حتى أخرجوا أمريكا في الحرب العالمية الأولى من عزلتها التقليدية عن مشكلات العالم فحاربت في صف بريطانيا مقابل أمور، منها: «وعد بلفور» اليهودي في الوزارة البريطانية عندئذ، إذ وعدهم بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وحمل الدول جميعاً على الاعتراف بالوعد في مؤتمر الصلح، ثم العمل على تنفيذه تحت حماية بريطانيا بعد انتزاع فلسطين من الخلافة العثمانية ووضعها تحت الانتداب.
ولولا اليهود لما أمكن بريطانيا إخراج أمريكا من عزلتها التقليدية، وكان في إخراج أمريكا من عزلتها فوائد أخرى، منها: تحطيم الرأسمالية غير اليهودية في أمريكا، وفتح أسواق جديدة لرؤوس الأموال اليهودية الأمريكية التي كانت سياسة العزلة خلال الحرب تحول بينها وبين الانسياح في أقطار العالم خارج أمريكا.
والسياسة في أمريكا الآن خاضعة إلى حد بعيد لنفوذ اليهود، وهم يملكون خفية بحكم الواقع كثيراً من المناصب، ومنها رئاسة الولايات المتحدة، وترومان واحد منهم دون شك، ومستشار البيت الأبيض يهودي، وكثير من الوزراء وأعضاء الكونجرس من اليهود أو صنائعهم، وهم يلجؤون دائماً إلى التقنع بغيرهم من حكام الأمميين مسيحيين ومسلمين طالما كانت مصلحتهم في التقنع، حتى لا يثيروا ريب الأميين ضدهم فيما إذا اكتشفوا خطرهم اليهودي ضد مصالحهم، وقد نجح اليهود أخيراً في جعل الدولار الأمريكي أساس النقد في العالم، وفي أيديهم قوة الدولار.
وهم يحاولون -كما قدمنا- أن يجروا القوتين؛ الشيوعية والديمقراطية إلى حرب عالمية ثالثة تقضي على القوتين وعلى كل نفوذ غير يهودي في العالم، وإلى الصين الآن ينفذون عن طريق روسيا الشيوعية اليهودية، وقد حاولوا فتح الأسواق اليابانية لهم في أواخر القرن التاسع عشر، فساعدوا اليابان بالأموال والأسلحة ضد روسيا التي كانت المذابح والاضطهادات تنصب فيها يومئذ على اليهود، وكان ذلك من أسباب انتصار اليابان على روسيا عام 190م5، ثم فتح الصين أمامهم، ولكن اليابان أغلقت الباب في وجوه اليهود بعد أن انتصروا على روسيا، ومثل هذا يقال عن نفوذهم في غير هذه البلاد كفرنسا وإيطاليا وألمانيا وتركيا.
وهم الذين يعملون على أن تحل المشكلات دولياً، فهم دعاة السلام بعد كل حرب لم تقم إلا بسبب مكائدهم، وهم يستفيدون وحدهم في السلم والحرب أكثر من المسالمين والمحاربين، وهم الذين دعوا إلى إنشاء عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى وكان أكثر السكرتيرين فيها يهوداً، وكذلك دعوا إلى إنشاء مجلس الأمن وهيئة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت دعوتهم إلى إنشائها في مصلحة العالم إجمالاً فنجحت بعض النجاح، ولم يزل أعضاء مختلف وفود البلاد إلى هذه المؤسسات جميعهم أو أكثريتهم من اليهود أو صنائعهم، أو من يعطفون عليهم، و«اليونسكو» منظمة تكاد تكون يهودية خالصة موضوعاً، وشبه يهودية شكلاً.
وما خلت وزارة منهم أو مجلس نواب أو شيوخ أو مجلس بنك أو شركة في مختلف الأقطار، زيادة على من لهم فيها من صنائع، فكان على رأس الوزارة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى لويد جورج، وكان عطفه عليهم مشهوراً، وكان عضوان يهوديان في وزارته، كما كان ستة يهود مستشارين للملك هناك، ومن وزرائهم في بريطانيا هوربليشاو شنويل، وصمويل هور، وكان وفد بريطانيا إلى أمريكا لتصفية مشكلات تلك الحرب برئاسة اللورد ريدنج اليهودي الذي صار بعد ذلك رئيس قضاة بريطانيا، ثم نائب الملك في الهند، ومثله كان السير ماتيو ناثان حاكماً على كوينز من ممتلكات التاج.
وأكبر محطمي القيصرية في روسيا هم اليهود، وكان على رأسهم كرينسكي، وتروتسكي، وزينوفيف، ورادك، وكان للذهب اليهودي الأمريكي والفدائيين اليهود من الروس أوفر نصيباً في تحطيم القيصرية وتمكين الشيوعيين من روسيا كما بينا فيما بعد.
وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى كان معظم الوفد الألماني في مؤتمر الصلح من اليهود، وكذلك معظم القابضين على أزمة ألمانيا، وكان شيفر للمالية وهاز للخارجية، وكان وزراء بروسيا جميعاً يهودياً، وحاكم بافاريا يهودياً، وكان القابض على الحكم في المجر بيلاكين اليهودي واسمه أصلاً كوهين.
ولهذا النفوذ اليهودي في روسيا من جانب، والدومل الديمقراطية بريطانيا وأمريكا وفرنسا من جانب آخر أمكن التفاهم بين الجانبين ضد هتلر، وهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، بعد أن كانت روسيا مع هتلر أولاً، وإلى هذا النفوذ يرجع اجتماع أمريكا وروسيا معاً -في وجهة النظر- على الاعتراف بدولة «إسرائيل»، وإليه يرجع خذلان الأمم جميعاً لمصر في موقفها أمام بريطانيا في مسألة مرور السفن البريطانية في قناة السويس أخيراً، لأن انتصار بريطانيا من مصلحة اليهود الذين أضرهم احتفاظ مصر بحقها في قناة السويس ومقاطعتها «إسرائيل» مع أن حق مصر القانوني واضح كالشمس.
وموقف تركيا منذ انقلاب أتاتورك تجاه العرب واليهود لا يفسره إلا نفوذ اليهود في تركيا، فلو بقيت الخلافة العثمانية -رغم ضعفها- قائمة لما أمكن قيام وطن يهودي في فلسطين، فنكب اليهود تركيا لذلك بتسليط بريطانيا عليها أثناء الحرب العالمية الأولى، وكادت بريطانيا تعقد الصلح مع تركيا أثناءها، ولكن اليهود عطلوه بزعامة ويزمان رئيس «إسرائيل» -كما ذكر هو في مذكراته- وبمساعدة بعض النساء فهم الذين حالوا دون الصلح بينهما، حتى تخرب تركيا وتنحل خلافتها وتمتد حاجة بريطانيا بشدة إلى اليهود.
كما كان لهم نصيب كبير في إلغاء الخلافة، وكان أحد الثلاثة الذين سلموا الخليفة قرار العزل يهودياً، وكان لنفوذهم أكبر الأثر في طرح تركيا دينها الإسلامي وقوانينها الإسلامية ومحاربة اللغة العربية والتبرؤ من صلاتها بالعرب؛ لأن اليهود ولا سيما «الدونمة» في سلانيك -وغيرها- وهم يهود يتظاهرون بالإسلام هم الداعون إلى الجامعة الطورانية للتخلص من الإسلام واللغة العربية وصلة الترك بالعرب، وكان لذلك أثره في أن اصطبغ بهذه الألوان حكم مصطفى كمال الملقب أتاتورك، وقد كان فيه عرق من «الدونمة».
وكان حاخام اليهود حايم ناحوم أفندي هناك، وهو الذي فتح لليهود يومئذ باب الهجرة إلى تركيا ليكونوا بالقرب من فلسطين ثم صار مبعوث مصطفى كمال إلى مؤتمر لوزان ثم عينه حاخاماً لليهود في مصر، وما اشتجر خلاف في الأعوام الأخيرة بين العرب و«إسرائيل» إلا كانت تركيا مع «إسرائيل»، فهي تعترف بها وتصوت معها في هيئة الأمم وتمدها بالأسلحة وتجمع لها الأقوات، والعبرة في العلاقات لا سيما الدولية بالمصالح غالباً لا بأي شيء آخر، وإن مصلحة تركيا في تأييد اليهود أكبر من مصلحتنا في تأييد العرب والمسؤول عن ذلك ساسة العرب والترك.
وإذن، فأي دولة صغرى أو عظمى كأمريكا أو روسيا أو فرنسا أو بريطانيا لا تستطاع محاربتها بأسهل مما يحارب به نفوذ هذه الدولة اليهودية؟ وإذا كان المعيار لقوى دولة ما هو نفوذها، فأي دولة أقوى نفوذاً من اليهودية؟
إن قيام مثل هذه الدولة على هذا النحو الغريب لا يكلفها مثلاً الإنفاق على جيش كبير لحمايتها، ولا يعرضها لكوارث الطبيعة ولا لغارات جيوش الأعداء لأنها مشتتة موزعة في كل أنحاء العالم.
ليس لهذه الدولة إقليم معين في العالم، لكنها تمتد إلى كل أقطاره، فحيث يقوم نشاط يهودي تقوم دولتهم، والاستعمار لم يجن من الخير لأي دولة استعمارية، ولم يحمها من شرور المستعمرين وغيرهم ما جنى للدولة اليهودية استعمارها العالم على هذا النحو الغريب، وليست العبرة في الاستعمار بكثرة الجيوش والأساطيل، بل بالتسلط الاقتصادي والفكري والسياسي، وهو مكفول لليهودية فهم من أعظم سادة العالم بنفوذهم لا شك، وبهذا يقاس خطرهم، ولا يقاس بدولة «إسرائيل» معزولة عن قوة اليهود العالمية، ولا بمضاعفة «إسرائيل» على هذا النحو ألف ضعف.
____________________
المصدر: كتاب «الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون»، ترجمة: محمد خليفة التونسي.