حينما قال سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، حدد عليه الصلاة والسلام وظيفة رسالة السماء أو الرسالة عموماً التي يحملها الأنبياء والرسل وخاتمهم وسيدهم صلوات الله وسلامه عليه، وإنه ما جاء لأمة معينة، ولكنه جاء للإنسانية وتعزيز كل خصلة طيبة كانت في هذه الأمة أو تلك؛ فهو جاء للإنسانية جمعاء بدون استثناء، فلذلك ليتمم مكارم الأخلاق للإنسانية عموماً، التي لا شك ولا ريب أيها القارئ الكريم لا تخلو أمة من الأمم من أخلاق حسنة طيبة كما أنها لا تخلو من سيّئها.
نعم، جاء صلى الله عليه وسلم ليؤكد الجميل الكريم منها ليكملها بتثبيت وتعزيز الراقي منها والتحذير وعلاج سيئها، ولا شك هذه الأخلاق الحسنة ونشرها مع محاربة السيئ منها تدخل في النفس الطمأنينة والسعادة، ولا شك تشيع المحبة والتواد والألفة، وأرفع من نقتدي بيه في هذه الأمور أو هذه الأخلاق هو سيد الأسياد والخلق عليه أفضل الصلاة والسلام الذي قال الله فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
فلذلك دين الإسلام هو الدين المتكامل الشامل الذي من أصوله الأصيلة حسن الخلق.
الخلق في الإسلام فيصل بين الجنة والنار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً”.
حسن الخلق أصل ثابت ومحور كبير من محاور الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم دائماً يذكر حسن الخلق بتقوى الله تعالى، وأحياناً كثيرة يجعله سبباً جوهرياً من أسباب النجاة ودخول الجنة لجزيل أجره وعظمة مثوبته وعلو شأن من يتخلق بحسن الخلق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في جني حسن الخلق فيقول: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”.
إنه من حسن الخلق تبسمك في وجه أخيك، وأن تلقاه بوجه طلق، وذلك كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، والحمد لله أن قال صلى الله عليه وسلم: “صدقة”، والصدقة كما هو معلوم تجوز على المسلم وغير المسلم؛ أي على أخيك في الإنسانية، فهي وجبت لأخيك الإنسان مسلماً كان أو غيره، والحمد لله لم يقل: “تبسمك في وجه أخيك زكاة”، والحمد لله رب العالمين.
من جميل ما قرأته في حسن الخلق وسوء الخلق ما قاله الإمام مالك رضي الله عنه قال: “إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجات الجنة، وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه درك جهنم وهو العابد الزاهد”.
والخلق له مصادر كثيرة، ولكل أمة وحضارة مصادرها، ولكن لثبات الخلق وعدم تغييره ولعدم تلاشيه مع مرور الزمن كما تدعي اليوم بعض الدول والتيارات وخصوصاً الليبرالية منها، بقولهم: إن للخلق حركة مع التحضر والتطور، فلذلك نقول: الطريق الأمثل والأثبت الذي يرضاه الله تعالى هو طريق سيد الخلق والاقتداء به صلوات الله وسلامه عليه، هو خير طريق لاكتساب الخلق التي لا تخرج من إطار الخلق المحمود مهما تغير الزمان والمكان، ويجب أن نتمسك بهذا الطريق المؤدي إلى الخير والصلاح والفلاح دنيا وآخرة، خصوصاً ونحن نشاهد أهل الانسلاخ من الخلق والمبادئ كيف تلاعبت بهم شياطين الإنس والجن باسم التحضر والتطور والحداثة وما شابه من خزعبلات وترهات لا يمكن أن يأخذ بها الكيس الفطن!
لا شك من يفصل عبادة الله تعالى وطاعته عن الأخلاق هو في وحل الخطأ ويغرق في أعماقه، ونصوص السُّنة والقرآن لا تحصى التي تدمج بين العبادات وحسن الخلق، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (آل عمران: 164)، ولا يخفى أن تزكية النفس من أمراضها ونواقصها، امتناع هذه النفس عن ومن المحرمات التي أكبرها الشرك بالله.
فالتزكية هي الفائض على الإنسان بعد العلم، فالعلم يعطيك الخطوط العريضة وفروعها وبيان الأمر، أما التزكية فهي التطبيق لهذا العلم صدقاً وتجرداً فرضاً ونافلة، وتقديم المنهج على الأصل والفصل والعرق.
وكما هو معلوم بديهة إسلامية أن كل عبادة في الإسلام تحمل في قلبها أو بالأحرى محورها قيمة أخلاقية، الأصل فيها تدعمها هذه العبادة أو تلك لتكون ظاهرة على شخصية المسلم المؤدي لهذه العبادة، وتعاملاته مع ذاته وغيره من البشر مسلماً كان أو غيره، ومع غيره من المخلوقات أيضاً، والمحافظة عليها حيواناً كانت أم مياهاً أو بحاراً، أو يابسة وزرعاً وأشجاراً ومعالم أرضية.